Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-15)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } وذلك يوم القيامة ، { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا } أي استمعت لربها ، وأطاعت أمره فيما أمرها به من الانشقاق ، وذلك يوم القيامة ، { وَحُقَّتْ } أي وحق لها أن تطيع أمره لأنه العظيم الذي لا يمانع ولا يغالب ، بل قد قهر كل شيء ، وذل له كل شيء ، ثم قال { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } أي بسطت وفرشت ووسعت . قال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور عن معمر عن الزهري ، عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان يوم القيامة ، مد الله الأرض مد الأديم ، حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه ، فأكون أول من يدعى ، وجبريل عن يمين الرحمن ، والله ما رآه قبلها ، فأقول يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي ، فيقول الله عز وجل صدق ، ثم أشفع ، قأقول يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض ــــ قال ــــ وهو المقام المحمود " وقوله تعالى { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } أي ألقت ما في بطنها من الأموات ، وتخلت منهم ، قاله مجاهد وسعيد وقتادة . { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } كما تقدم . وقوله { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } أي إنك ساع إلى ربك سعياً ، وعامل عملاً { فَمُلَـٰقِيهِ } ثم إنك ستلقى ما عملت من خير أوشر . ويشهد لذلك ما رواه أبو داود الطيالسي عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال جبريل يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه " ومن الناس من يعيد الضمير على قوله ربك ، أي فملاق ربك ، ومعناه فيجازيك بعملك ، ويكافئك على سعيك ، وعلى هذا ، فكلا القولين متلازم ، قال العوفي عن ابن عباس { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } يقول تعمل عملاً تلقى الله به ، خيراً كان أو شراً . وقال قتادة { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَـٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } إن كدحك يابن آدم لضعيف ، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله ، فليفعل ، ولا قوة إلا بالله . ثم قال تعالى { فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } أي سهلاً بلا تعسير ، أي لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله ، فإن من حوسب كذلك ، هلك لا محالة . وقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل ، أخبرنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نوقش الحساب ، عذب " قالت فقلت أفليس قال الله تعالى { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } ؟ قال " ليس ذاك بالحساب ، ولكن ذلك العرض ، من نوقش الحساب يوم القيامة ، عذب " وهكذا رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث أيوب السختياني به . وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذباً " فقلت أليس الله يقول { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً } ؟ قال " ذاك العرض ، إنه من نوقش الحساب ، عذب " وقال بيده على إصبعه كأن ينكت ، وقد رواه أيضاً عن عمرو بن علي عن ابن أبي عدي عن أبي يونس القشيري ، عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة ، فذكر الحديث ، أخرجاه من طريق أبي يونس القشيري ، واسمه حاتم بن أبي صغيرة ، به . قال ابن جرير حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا مسلم عن الحريش بن الخريت أخي الزبير ، عن ابن أبي مليكة عن عائشة ، قالت من نوقش الحساب ــــ أو من حوسب ــــ عذب . قال ثم قالت إنما الحساب اليسير عرض على الله تعالى ، وهو يراهم . وقال أحمد حدثنا إسماعيل ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة ، قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته " اللهم حاسبني حساباً يسيراً " فلما انصرف ، قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال " أن ينظر في كتابه ، فيتجاوز له عنه ، إنه من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ ، هلك " صحيح على شرط مسلم . وقوله تعالى { وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } أي ويرجع إلى أهله في الجنة ، قاله قتادة والضحاك مسروراً ، أي فرحاً مغتبطاً بما أعطاه الله عز وجل . وقد روى الطبراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إنكم تعملون أعمالاً لا تعرف ، ويوشك الغائب أن يثوب إلى أهله ، فمسرور أو مكظوم " وقوله تعالى { وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ } أي بشماله من وراء ظهره ، تثنى يده إلى ورائه ، ويعطى كتابه بها كذلك ، { فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً } أي خساراً وهلاكاً { وَيَصْلَىٰ سَعِيراً إِنَّهُ كَانَ فِىۤ أَهْلِهِ مَسْرُوراً } أي فرحاً لا يفكر في العواقب ، ولا يخاف مما أمامه ، فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل ، { إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ } أي كان يعتقد أنه لا يرجع إلى الله ، ولا يعيده بعد موته ، قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما ، والحور هو الرجوع ، قال الله { بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } يعني بلى سيعيده الله كما بدأه ، ويجازيه على أعماله خيرها وشرها فإنه كان به بصيراً ، أي عليماً خبيراً .