Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 101-101)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يخبر تعالى رسوله صلوات الله وسلامه عليه أنه في أحياء العرب ممن حول المدينة منافقون ، وفي أهل المدينة أيضاً منافقون { مَرَدُواْ عَلَى ٱلنَّفَاقِ } أي مرنوا واستمروا عليه ، ومنه يقال شيطان مريد ، ومارد ، ويقال تمرد فلان على الله ، أي عتا وتجبر ، وقوله { لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } لا ينافي قوله تعالى { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَـٰكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـٰهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } محمد 30 لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها ، لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين ، وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقاً ، وإن كان يراه صباحاً ومساء ، وشاهد هذا بالصحة ما رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن النعمان بن سالم عن رجل عن جبير بن مطعم رضي الله عنه ، قال قلت يا رسول الله إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة ، فقال " لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في جحر ثعلب " وأصغى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه ، فقال " إن في أصحابي منافقين " ومعناه أنه قد يبوح بعض المنافقين والمرجفين من الكلام بما لا صحة له ، ومن مثلهم صدر هذا الكلام الذي سمعه جبير بن مطعم ، وتقدم في تفسير قوله { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } التوبة 74 أنه صلى الله عليه وسلم أعلم حذيفة بأعيان أربعة عشر أو خمسة عشر منافقاً ، وهذا تخصيص لا يقتضي أنه اطلع على أسمائهم وأعيانهم كلهم ، والله أعلم . وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عمر البيروتي من طريق هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد ، حدثنا ابن جابر ، حدثني شيخ ببيروت يكنى أبا عمر ، أظنه حدثني عن أبي الدرداء أن رجلاً يقال له حرملة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الإيمان ههنا ، وأشار بيده إلى لسانه ، والنفاق ههنا ، وأشار بيده إلى قلبه ، ولم يذكر الله إلا قليلاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم اجعل له لساناً ذاكراً ، وقلباً شاكراً ، وارزقه حبي وحب من يحبني ، وصير أمره إلى خير " فقال يا رسول الله إنه كان لي أصحاب من المنافقين ، وكنت رأساً فيهم ، أفلا آتيك بهم ؟ قال " من أتانا استغفرنا له ، ومن أصر فالله أولى به ، ولا تخرقن على أحد ستراً " ، قال وكذا رواه أبو أحمد الحاكم عن أبي بكر الباغندي عن هشام بن عمار به ، وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة في هذه الآية أنه قال ما بال أقوام يتكلفون علم الناس ، فلان في الجنة ، وفلان في النار ، فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال لا أدري ، لعمري أنت بنفسك أعلم منك بأحوال الناس ، ولقد تكلفت شيئاً ما تكلفه الأنبياء قبلك ، قال نبي الله نوح عليه السلام { وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الشعراء 112 وقال نبي الله شعيب عليه السلام { بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } هود 86 وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ } وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في هذه الآية قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً يوم الجمعة فقال " اخرج يا فلان فإنك منافق ، واخرج يا فلان إنك منافق " فأخرج من المسجد ناساً منهم فضحهم ، فجاء عمر وهم يخرجون من المسجد ، فاختبأ منهم حياء أنه لم يشهد الجمعة ، وظن أن الناس قد انصرفوا ، واختبؤوا هم من عمر ، ظنوا أنه قد علم بأمرهم ، فجاء عمر ، فدخل المسجد ، فإذا الناس لم يصلوا ، فقال له رجل من المسلمين أبشر يا عمر قد فضح الله المنافقين اليوم ، قال ابن عباس فهذا العذاب الأول حين أخرجهم من المسجد ، والعذاب الثاني عذاب القبر ، وكذا قال الثوري عن السدي عن أبي مالك نحو هذا . وقال مجاهد في قوله { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } يعني القتل والسبي ، وقال في رواية بالجوع وعذاب القبر ، ثم يردون إلى عذاب عظيم ، وقال ابن جريج عذاب الدنيا ، وعذاب القبر ، ثم يردون إلى عذاب عظيم النار ، وقال الحسن البصري عذاب في الدنيا ، وعذاب في القبر ، وقال عبد الرحمن بن زيد أما عذاب في الدنيا ، فالأموال والأولاد ، وقرأ قوله تعالى { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } التوبة 55 فهذه المصائب لهم عذاب ، وهي للمؤمنين أجر ، وعذاب في الآخرة في النار { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } قال النار ، وقال محمد بن إسحاق { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } قال هو فيما بلغني ما هم فيه من أمر الإسلام وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ، ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ، ثم العذاب العظيم الذي يردون إليه عذاب الآخرة ، والخلد فيه ، وقال سعيد عن قتادة في قوله { سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ } عذاب الدنيا ، وعذاب القبر { ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أسر إلى حذيفة باثني عشر رجلاً من المنافقين ، فقال ستة منهم تكفيهم الدبيلة سراج من نار جهنم يأخذ في كتف أحدهم حتى يفضي إلى صدره ، وستة يموتون موتاً ، وذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا مات رجل ممن يرى أنه منهم ، نظر إلى حذيفة ، فإن صلى عليه ، وإلا تركه ، وذكر لنا أن عمر قال لحذيفة أنشدك الله أمنهم أنا ؟ قال لا ، ولا أومن منها أحداً بعدك .