Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 1-2)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال البخاري حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء يقول آخر آية نزلت { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَـٰلَةِ } النساء 176 وآخر سورة نزلت براءة ، وإنما لم يبسمل في أولها لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في المصحف الإمام ، بل اقتدوا في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه ، كما قال الترمذي حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا يحيى بن سعيد ، ومحمد بن جعفر ، وابن أبي عدي ، وسهيل بن يوسف ، قالوا حدثنا عوف بن أبي جميلة ، أخبرني يزيد الفارسي ، أخبرني ابن عباس قال قلت لعثمان بن عفان ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال ، وهي من المثاني ، وإلى براءة ، وهي من المئين ، وقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتموها في السبع الطوال ما حملكم على ذلك ؟ فقال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان ، وهو تنزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء ، دعا بعض من كان يكتب ، فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، فإذا نزلت عليه الآية قال ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، وحسبت أنها منها ، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتها في السبع الطوال ، وكذا رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه من طرق أخر عن عوف الأعرابي به ، وقال الحاكم صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك ، وهم بالحج ، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك ، وأنهم يطوفون بالبيت عراة ، فكره مخالطتهم ، وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه أميراً على الحج تلك السنة ليقيم للناس مناسكهم ، ويعلم المشركين أن لا يحجوا بعد عامهم هذا ، وأن ينادي في الناس { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ، فلما قفل ، أتبعه بعلي بن أبي طالب ليكون مبلغاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه عصبة له كما سيأتي بيانه . فقوله تعالى { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي هذه براءة ، أي تبرؤ من الله ورسوله { إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ فَسِيحُواْ فِى ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } اختلف المفسرون ههنا اختلافاً كثيراً ، فقال قائلون هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة ، أو من له عهد دون أربعة أشهر ، فيكمل له أربعة أشهر ، فأما من كان له عهد مؤقت ، فأجله إلى مدته مهما كان لقوله تعالى { فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ } التوبة 4 ، ولما سيأتي في الحديث . ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، فعهده إلى مدته ، وهذا أحسن الأقوال وأقواها ، وقد اختاره ابن جرير رحمه الله ، وروي عن الكلبي ومحمد بن كعب القرظي وغير واحد . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ فَسِيحُواْ فِى ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } الآية ، قال حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر ، يسيحون في الأرض حيث شاؤوا وأَجَّل أَجَلَ من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم ، من يوم النحر إلى سلخ المحرم ، فذلك خمسون ليلة ، إذا انسلخ الأشهر الحرم ، أمره بأن يضع السيف فيمن لا عهد له وكذا رواه العوفي عن ابن عباس ، وقال الضحاك بعد قوله فذلك خمسون ليلة فأمر الله نبيه إذا انسلخ الأشهر الحُرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهد بقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام ، وأمر بمن كان له عهد إذا انسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر أن يضع فيهم السيف أيضاً حتى يدخلوا في الإسلام . وقال أبو معشر المدني حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميراً على الموسم سنة تسع ، وبعث علي بن أبي طالب بثلاثين آية ، أو أربعين آية من براءة ، فقرأها على الناس ، يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض ، فقرأها عليهم يوم عرفة ، أجلهم عشرين من ذي الحجة ، والمحرم ، وصفر ، وشهر ربيع الأول ، وعشراً من ربيع الآخر ، وقرأها عليهم في منازلهم ، وقال لا يحجن بعد عامنا هذا مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان . وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } إلى أهل العهد خزاعة ومدلج ، ومن كان له عهد أو غيرهم ، فقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ، ثم قال " إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة ، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك " فأرسل أبا بكر وعلياً رضي الله عنهما ، فطافا بالناس في ذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها وبالمواسم كلها ، فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمَّنوا أربعة أشهر فهي الأشهر المتواليات عشرون من ذي الحجة إلى عشر يخلون من ربيع الآخر ، ثم لا عهد لهم ، وآذن الناس كلهم بالقتال إلا أن يؤمنوا ، وهكذا روي عن السدي وقتادة . وقال الزهري كان ابتداء التأجيل من شوال ، وآخره سلخ المحرم ، وهذا القول غريب ، وكيف يحاسبون بمدة لم يبلغهم حكمها ، وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر حين نادى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ؟ ولهذا قال تعالى .