Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 96, Ayat: 6-19)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان ، إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله ، ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } أي إلى الله المصير والمرجع ، وسيحاسبك على مالك من أين جمعته ؟ وفيم صرفته ؟ قال ابن أبي حاتم حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ ، حدثنا جعفر بن عون ، حدثنا أبو عميس عن عون قال قال عبد الله منهومان لا يشبعان صاحب العلم ، وصاحب الدنيا ، ولا يستويان ، فأما صاحب العلم ، فيزداد رضى الرحمن ، وأما صاحب الدنيا ، فيتمادى في الطغيان . قال ثم قرأ عبد الله { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّءَاهُ ٱسْتَغْنَىٰ } وقال للآخر . { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } فاطر 28 وقد روي هذا مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " منهومان لا يشبعان طالب علم ، وطالب دنيا " ثم قال تعالى { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِى يَنْهَىٰ عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } نزلت في أبي جهل لعنه الله ، توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت ، فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولاً ، فقال { أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } أي فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله ، { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } ، بقوله وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ؟ ولهذا قال { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } ؟ أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه ، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء ؟ ثم قال تعالى متوعداً ومتهدداً { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد ، { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } أي لنسمنها سواداً يوم القيامة ، ثم قال { نَاصِيَةٍ كَـٰذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } يعني ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها ، خاطئة في أفعالها ، { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } أي قومه وعشيرته ، أي ليدعهم يستنصر بهم ، { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } وهم ملائكة العذاب ، حتى يعلم من يغلب ، أحزبنا أو حزبه ؟ . قال البخاري حدثنا يحيى ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال قال أبو جهل لئن رأيت محمداً يصلي عند الكعبة ، لأطأن على عنقه ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال " لئن فعل ، لأخذته الملائكة " ثم قال تابعه عمرو بن خالد عن عبيد الله ، يعني ابن عمرو ، عن عبد الكريم . وكذا رواه الترمذي والنسائي في تفسيرهما من طريق عبد الرزاق به . وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو به ، وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير ، وهذا لفظه ، من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام ، فمر به أبو جهل بن هشام ، فقال يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده ، فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ، فقال يا محمد بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً ، فأنزل الله { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } وقال ابن عباس لو دعا ناديه ، لأخذته ملائكة العذاب من ساعته . وقال الترمذي حسن صحيح . وقال الإمام أحمد أيضاً حدثنا إسماعيل بن يزيد أبو يزيد ، حدثنا فرات عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال قال أبو جهل لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة ، لآتينه حتى أطأ على عنقه ، قال فقال " لو فعل ، لأخذته الملائكة عياناً ، ولو أن اليهود تمنوا الموت ، لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً " وقال ابن جرير أيضاً حدثنا ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن الوليد بن العيزار عن ابن عباس قال قال أبو جهل لئن عاد محمد يصلي عند المقام ، لأقتلنه ، فأنزل الله عز وجل { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ } حتى بلغ هذه الآية { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَـٰذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ، فقيل ما يمنعك ؟ قال قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب ، قال ابن عباس والله لو تحرك ، لأخذته الملائكة ، والناس ينظرون إليه . وقال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر عن أبيه ، حدثنا نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا نعم ، قال فقال واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك ، لأطأن على رقبته ، ولأعفرن وجهه في التراب ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ، قال فما فجأهم منه ، إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، قال فقيل له مالك ؟ فقال إن بيني وبينه خندقاً من نار ، وهولاً وأجنحة ، قال فقال رسول الله " لو دنا مني ، لاختطفته الملائكة عضواً عضواً " قال وأنزل الله لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا { كَلآ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰ } إلى آخر السورة ، وقد رواه أحمد بن حنبل ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم من حديث معتمر بن سليمان به . وقوله تعالى { كَلآ لاَ تُطِعْهُ } يعني يا محمد لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها ، وصل حيث شئت ، ولا تباله فإن الله حافظك وناصرك ، وهو يعصمك من الناس ، { وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } كما ثبت في الصحيح عند مسلم من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن عمارة بن غزية ، عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء " وتقدم أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد في { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } الانشقاق 1 و { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ } العلق1 . آخر تفسير سورة اقرأ ، ولله الحمد والمنة ، وبه التوفيق والعصمة .