Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 33-33)

Tafsir: Aysar at-tafāsīr: tafsīr, asbāb nuzūl, aḥādīṯ, namāḏiǧ iʿrāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ جَزَآءُ } { خِلافٍ } ( 33 ) - المُحَارَبَةُ هُنَا هِيَ المُخَالَفَةُ وَالمُضَادَّةُ ، لأنَّ فِيهَا عَدَمَ إذْعَانٍ لِدِينِ اللهِ وشَرْعِهِ ، فِي حِفْظِ الحُقُوقِ ، وَهِيَ تَصْدُقُ عَلَى الكُفْرِ ، وَعَلى قَطْعِ الطَّرِيقِ ، وَإِخَافَةِ السَّابِلَةِ . وَكَذَلِكَ يُطْلَقُ الإِفْسَادُ فِي الأرْضِ عَلَى أنْواعٍ مِنَ الشَّرِّ وَالفَسَادِ . وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ فَنَقَضُوا العَهْدَ ، وَأَفْسَدُوا فِي الأرْضِ ، فَخَيَّرَ اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم إنْ شَاءَ أنْ يَقْتُلَهُمْ ، وَإنْ شَاءَ أنْ يَقْطَعَ أيْدِيَهُمْ وَأرْجُلَهُمْ مِنْ خِلافٍ ( أيْ إنْ قَطَعَ اليَدَ اليُمْنَى قَطَعَ مَعَهَا الرِّجْلَ اليُسْرَى ، وَالعَكْسُ عَلَى العَكْسِ ) أَو أَنْ يَنْفِيَهُمْ مِنَ الأرْضِ التِي ارْتُكِبَ فِيها الجُرْمُ إلى أرْضٍ أُخْرى لِيُسْجَنُوا فِيهَا ( وَالنَفْي فِي مَفْهُومِ أبي حَنِيفَة هُوَ السِجْن ) وَالصَحِيح : أنَّ الآيَّةَ عَامَّةٌ تَشْمَلُ كُلَّ مَنْ ارتَكَبَ عَمَلاً منْ أعمَالِ الفَسَادِ فِي الأرْضِ . وَحُكْمُ المُحَارَبَةِ عِنْدَ الأئْمَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وابْنِ حَنْبَل يَكُونُ فِي الأمْصَارِ كَمَا يَكُونُ فِي الطُرقِ خَارِجَ المُدُنِ ، حَتَّى إِنَّ مَالِكاً جَعَلَ المُحَارَبَةَ تَشْمَلُ حَالَةَ الرَّجُلِ الذِي يَخْدَعُ رَجُلاً فَيُدْخِلُهُ بَيْتَهُ فَيَقْتُلُهُ وَيَأخُذُ مَا مَعَهُ . وَقَالَ أبو حَنِيفَة إنَّمَا تَكُونُ المُحَارَبَةُ فِي الطُّرُقَاتِ لِبُعْدِ النَّاسِ عَمَّنْ يُغِيثُ ، أَمَّا فِي الأمْصَارِ فَلاَ تَكُونُ مُحَارَبَةٌ لأنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَلْحَقُهُ غَوْثٌ إذَا اسْتَغَاثَ . وَفِي حَالَةِ المُحَارَبَةِ يَكُونُ دَمُ المَقْتُولِ للسُّلْطَانِ لاَ إلى وَليِّ المَقْتُولِ ، وَلاَ يَكُونُ عَفْوُهُ سَبَباً فِي اسْقَاطِ العُقُوبَةِ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ العُقُوبَةَ تَكُونُ عَلَى الشَّكْلِ التَّالِي : إذَا قَتَلُوا يُقْتَلُونَ بِمَنْ قَتَلُوا . إذَا قَطَعُوا الطَّرِيقَ وَغَصَبُوا المَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا تُقْطَعُ أيْدِيهِمْ وَأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ ، وَيُنْفَوْنَ مِنْ بَلَدٍ إلى بَلَدٍ آخَرَ . إذَا أخَافُوا السَّابِلَةَ فَقَطْ يُحْبَسُونَ . وَهذا الجَزَاءُ هُوَ عَارٌ لَهُمْ وَنَكَالٌ وَذِلَّةٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا ( خِزْيٌ ) ، وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، إذَا لَمْ يَتُوبُوا مِنْ فِعْلِهِمْ حَتَّى تَحِينَ وَفَاتُهُمْ . وَأكْثَرُ الأئِمَّةِ يَتَّفِقُونَ عَلَى أنَّ هَاتَينِ الآيَتَينِ نَزَلَتَا فِي جَمَاعةٍ مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ ، قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ فَوَجَدُوا المَدِينَةَ رَدِيئَةَ المُنَاخِ ، فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ بِبَعْضِ الإِبْلِ وَبِراعٍ ، وَأَمَرَهُمْ بِالخُرُوجِ مِنَ المَدِينَةِ إِلَى أَطْرَافِهَا لِيَشْرَبُوا مِنْ أبْوالِهَا وَأَلْبَانِهَا ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بِنَاحِيَةِ الحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ ، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّّ فَأَرْسَلَ فِي الطَلَبِ فِي آثَارِهِمْ ، فأُتِيَ بِهِمْ إلى النَّبِيِّ ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ ، فَسُمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ ، وَقُطِعَتْ أيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَتُرِكُوا حَتَّى مَاتُوا . فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ لِبَيَانِ عُقُوبَةِ المُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ . يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ - يُبْعَدُوا أوْ يُسْجَنُوا . خِزْيٌ - دُلٌّ وَفَضِيحَةٌ وَعُقُوبَةٌ .