Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 1, Ayat: 1-1)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } اعلم أنّ هذه الباء زائدة ، وهي تسمّى باء التضمين أو باء الإلصاق ، كقولك : كتبت بالقلم ، فالكتابة لاصقة بالقلم . وهي مكسورة أبداً ؛ والعلة في ذلك أن الباء حرف ناقص ممال . والإمالة من دلائل الكسر ، قال سيبويه : لما لم يكن للباء عمل إلاّ الكسر كسرت . وقال المبرّد : العلّة في كسرها ردّها إلى الأصل ، ألا ترى أنك إذا أخبرت عن نفسك فإنك قلت : بَيْبَيْت ، فرددتها إلى الياء والياء أُخت الكسرة كما أن الواو أُخت الضمة والألف أُخت الفتحة ، وهي خافضة لما بعدها فلذلك كسرت ميم الاسم . وطوّلت هاهنا وشبهت بالألف واللام ؛ لأنهم لم يريدوا أن يفتتحوا كتاب الله إلاّ بحرف مفخّم معظّم . قاله القيسي . قال : وكان عمر بن عبد العزيز ( رحمه الله ) يقول لكتّابه : ( طوّلوا الباء ، وأظهروا السين ، وفرّجوا بينهما ، ودوّروا الميم تعظيماً لكلام الله تعالى ) . وقال أبو … خالد بن يزيد المرادي : العلّة فيها إسقاط الألف من الاسم ، فلما أسقطوا الألف ردّوا طول الألف الى الباء ليكون دالاًّ على سقوط الألف منها . ألا ترى أنهم لمّا كتبوا : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } [ العلق : 1 ] بالألف ردّوا الباء إلى صيغتها ، فإنما حذفوا الألف من ( اسم ) هنا فالكثرة دورها على الألسن عملا بالخفّة ، ولمّا لم يكثر أضرابها كثرتها أثبتوا الألف بها . وفي الكلام إضمار واختصار تقديره : قل ، أو ابدأ بسم الله . وقال آدم : الاسم فيه صلة ، مجازهُ : بالله الرَّحْمن الرحيم هو ، واحتجوا بقول لبيد : @ تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما وهل أنا إلاّ من ربيعةَ أو مضرْ إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبكِ حولا كاملا فقد اعتذرْ @@ أي ثم السلام عليكما . ومعناه : بالله تكوّنت الموجودات ، وبه قامت المخلوقات . وأدخلوا الاسم فيه ليكون فرقاً بين المتيمِّن والمتيمَّن به . فأمّا معنى الاسم ، فهو المسمى وحقيقة الموجود ، وذات الشيء وعينه ونفسه واسمه ، وكلها تفيد معنىً واحداً . والدليل على أن الاسم عين المسمّى قوله تعالى : { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ } [ مريم : 7 ] ، فأخبر أنّ اسمه يحيى ، ثمّ نادى الاسم وخاطبه فقال : { يٰيَحْيَىٰ } [ مريم : 12 ] . فيحيى هو الاسم ، والإسم هو يحيى . وقوله تعالى : { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ } [ يوسف : 40 ] وأراد الأشخاص المعبودة ؛ لأنهم كانوا يعبدون المسمّيات . وقوله تعالى : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [ الأعلى : 1 ] ، و { تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ } [ الرَّحمن : 78 ] . وقوله صلى الله عليه وسلم : " لَتَضْرِبَنَّ مُضَرُ عِبادَ اللهِ حتّى لا يُعبَد له إسمٌ " أي حتى لا يعبد هو . ثم يقال : رأينا للتسمية اسم ، واستعمالها في التسمية أشهر وأكثر من استعمالها في المسمّى ، ولعل الاسم أشهر ، وجمعه : أسماء ، مثل قنو وأقناء ، وحنو وأحناء ، فحذفت الواو للاستثقال ، ونقلت حركة الواو إلى الميم فأُعربت الميم ، ونقل سكون الميم إلى السين فسكنت ، ثم أُدخلت ألف مهموزة لسكون السين ؛ لأجل الابتداء يدلّك عليه التصغير والتصريف يقال : سُميّ وسميّة ؛ لأن كل ما سقط في التصغير والتصريف فهو غير أصلي . واشتقاقه من ( سما ) ( يسمو ) ، فكأن المخبر عنه بأنه معدوم ما دام معدوماً فهو في درجة يرتفع عنها إذ وجد ، ويعلو بدرجة وجوده على درجة عدمه . والإسم الذي هو العبارة والتسمية للمخبر والصفة للمنظر . وأصل الصفة ظهور الشيء وبروزه ، والله أعلم . فأمّا ما ورد في تفسيرها بتفصيلها فكثير ، ذكرت جلّ أقاويلها في حديث وحكاية . أخبرنا الأستاذ أبو القاسم بن محمد بن الحسن المفسّر ، حدّثنا أبو الطيّب محمد بن أحمد ابن حمدون المذكر ، أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد ، حدّثنا أحمد بن هشام الأنطاكي ، حدّثنا الحكم بن نافع عن إسماعيل بن عبّاس عن إسماعيل عن يحيى عن أبي مليكة عن مسعود بن عطيّة العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عيسى بن مريم أسلمته أمّه إلى الكُتّاب ليتعلّم ، فقال له المعلّم : قل باسم الله . قال عيسى : وما باسم الله ؟ فقال له المعلّم : ما أدري . قال : الباء : بهاء الله ، والسين : سناء الله ، والميم : مملكة الله " . وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد يقول : سمعت أبا إسحاق بن ميثم بن محمد بن يزيد النسفي بمرو يقول : سمعت أبا عبد الله ختن أبي بكر الوراق يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عمر الورّاق يقول في { بسم ٱلله } : إنها روضة من رياض الجنة لكل حرف منها تفسير على حدة : فالباء على ستة أوجه : بارىء خلقه من العَرش الى الثرى ، ببيان قوله : { إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } [ الطور : 28 ] . بصير بعباده من العرش الى الثرى ، بيانه : { إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } [ الملك : 19 ] . باسط الرزق من العرش الى الثرى ، بيانه : { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ } [ الرعد : 26 ] . وباق بعد فناء خلقه من العرش إلى الثرى : بيانه : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } [ الرَّحمن : 26 - 27 ] . باعث الخلق بعد الموت للثواب والعقاب ، بيانه : { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ } [ الحج : 7 ] . بارّ بالمؤمنين من العرش إلى الثرى ، بيانه قوله : { إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } [ الطور : 28 ] . والسين على خمسة أوجه : سميع لأصوات خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه قوله تعالى : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } [ الزخرف : 80 ] . سيّد قد بلغ سؤدده من العرش إلى الثرى ، بيانه : { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [ الإخلاص : 2 ] . سريع الحساب مع خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ البقرة : 202 ] . سلم خلقه من ظلمه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ } [ الحشر : 23 ] . غافر ذنوب عباده من العرش إلى الثرى ، بيانه قوله : { غَافِرِ ٱلذَّنبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوْبِ } [ غافر : 3 ] . والميم على اثني عشر وجهاً : ملك الخلق من العرش إلى الثرى ، بيانه : { ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ } [ الحشر : 23 ] . مالك خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ } [ آل عمران : 26 ] . منّان على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ } [ الحجرات : 17 ] . مجيد على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } [ البروج : 15 ] . مؤمّن آمن خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه قوله : { وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ سورة قريش : 4 ] . مهيمن اطّلع على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ } [ الحشر : 23 ] . مقتدر على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [ القمر : 55 ] . مقيت على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } [ النساء : 85 ] . متكرّم على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ } [ الإسراء : 70 ] . منعم على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه قوله : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } [ لقمان : 20 ] . متفضّل على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } [ البقرة : 251 ] . مصوّر خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : { ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِىءُ ٱلْمُصَوِّرُ } [ الحشر : 24 ] . وقال أهل الحقائق : … في { بسم ٱلله } التيمّن والتبرّك وحثّ الناس على الابتداء في أقوالهم وأفعالهم بـ { بسم ٱلله } لمّا افتتح الله عزّ وجلّ كتابه به ، والله أعلم . { ٱلله } ، اعلم أن أصل هذه الكلمة ( إله ) في قول أهل الكوفة ، فأُدخلت الألف واللام فيها تفخيماً وتعظيماً لما كان اسم الله عزّ وجلّ ، فصار ( الإله ) ، فحذفت الهمزة استثقالا لكثرة جريانها على الألسن ، وحوّلت هويتها إلى لام التعظيم فالتقى لامان ، فأُدغمت الأولى في الثانية ، فقالوا ( الله ) . وقال أهل البصرة : أصلها ( لاه ) ، فأُلحقت بها الألف واللام ، فقالوا : ( الله ) . وأنشدوا : @ كحلفة من أبي رباح يسمعها الآهه الكبار @@ فأخرجه على الأصل . وقال بعضهم : أُدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة المحذوفة في ( إله ) ، فلزمتا الكلمة لزوم تلك الهمزة لو أُجريت على الأصل ، ولهذا لم يدخل عليه في النداء ما يدخل على الأسماء المعرّفة من حروف التشبيه ، فلم يقولوا : يا أيها الله . دفع أقاويل أهل التأويل في هذا الاسم مبنيّة على هذين القولين … ثمة ، واختلفوا فيه ؛ فقال الخليل بن أحمد وجماعة : ( الله ) اسم علم موضوع غير مشتق بوجه ، ولو كان مشتقّاً من صفة كما لو كان موصوفاً بتلك الصفة أو بعضها ، قال الله : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [ مريم : 65 ] . ( الله ) : اسم موضوع لله تعالى لا يشركه فيه أحد ، قال الله تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } ، يعني : أن كل اسم مشترك بينه وبين غيره ؛ له على الحقيقة ولغيره على المجاز إلاّ هذا الاسم فإنه مختص به لأن فيه معنى الربوبيّة . والمعاني كلها تحته ، ألا ترى أنك إذا أسقطت منه الألف بقي لله ، وإذا أسقطت من لله اللام الأولى بقي ( له ) ، وإذا أسقطت من ( له ) اللام بقي هو . قالوا : وإذا أُطلق هذا الاسم على غير الله فإنما يقال بالإضافة كما يقال : لاه كذا أو ينكر فيقال : لله كما قال تعالى إخباراً عن قوم موسى عليه السلام : { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] . وأما ( الله ) ، و ( الإله ) فمخصوصان لله تعالى . وقال قوم : أصله ( لاها ) بالسريانية ، وذلك أن في آخر أسمائهم مدّة ، كقولهم للروح : ( روحا ) ، وللقدس : ( قدسا ) ، وللمسيح : ( مسيحا ) ، وللابن : ( ابنا ) ، فلما طرحوا المدّة بقي ( لاه ) ، فعرّبه العرب وأقرّوه . ولا اشتقاق له ، وأكثر العلماء على أنه مشتق ؛ واختلفوا في اشتقاقه ، فقال النضر بن إسماعيل : هو من التألّه ، وهو التنسّك والتعبّد ، قال رؤبة : @ لله در الغانيات المدّهِ سبحن واسترجعن من تألهي @@ ويقال : أله إلاهة ، كما يقال : عبد عبادة . وقرأ ابن عباس : ( ويذرك وإلهتك ) أي عبادتك ؛ فمعناه عبادتك المعبود الذي تحقّ له العبادة . وقال قوم هو من ( الإله ) ، وهو الاعتماد ، يقال : ألهت إلى فلان ، آلَهُ إلهاً ، أي فزعت إليه واعتمدت عليه ، قال الشاعر : @ ألهت إليها والركائب وقّف @@ ومعناه : أن الخلق يفزعون ويتضرعون إليه في الحوادث والحوائج ، فهو يألههم ، أي يجيرهم ، فسمي إلهاً ، كما يقال : إمام للذي يؤتم به ، ولحاف ورداء وإزار وكساء للثوب الذي يلتحف به ، ويرتدى به ، وهذا معنى قول ابن عباس والضحّاك . وقال أبو عمرو بن العلاء : هو من ( ألهت في الشيء ) إذا تحيّرت فيه فلم تهتدِ إليه ، قال زهير : @ … يأله العين وسطها @@ مخفّفة وقال الأخطل : @ ونحن قسمنا الأرض نصفين نصفها لنا ونرامي أن تكون لنا معا بتسعين ألفاً تأله العين وسطها متى ترَها عين الطرامة تدمعا @@ ومعناه : أن العقول تتحيّر في كنه صفته وعظمته والإحاطة بكيفيته ، فهو إله كما قيل للمكتوب : كتاب ، وللمحسوب : حساب . وقال المبرّد : هو من قول العرب : ( ألهت إلى فلان ) أي سكنت إليه ، قال الشاعر : @ ألهت إليها والحوادث جمّة @@ فكأن الخلق يسكنون إليه ويطمئنون بذكره ، قال الله تعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [ الرعد : 28 ] . وسمعت أبا القاسم الحسن : سمعت أبا الحسن علي بن عبد الرحيم القناد يقول : أصله من ( الوله ) ، وهو ذهاب العقل لفقدان من يعزّ عليك . وأصله ( أله ) - بالهمزة - فأُبدل من الألف واو فقيل الوله ، مثل ( إشاح ، ووشاح ) و ( وكاف ، وإكاف ) و ( أرّخت الكتاب ، وورّخته ) و ( ووقّتت ، وأُقّتت ) . قال الكميت : @ ولهت نفسي الطروب إليهم ولها حال دون طعم الطعام @@ فكأنه سمّي بذلك ؛ لأن القلوب تولّه لمحبّته وتضطرب وتشتاق عند ذكره . وقيل : معناه : محتجب ؛ لأن العرب إذا عرفت شيئاً ، ثم حجب عن أبصارها سمّته إلهاً ، قال : لاهت العروس تلوه لوهاً ، إذ حجُبت . قال الشاعر : @ لاهت فما عرفت يوماً بخارجة يا ليتها خرجت حتّى رأيناها @@ والله تعالى هو الظاهر بالربوبيّة [ بالدلائل والأعلام ] وهو المحتجب من جهة الكيفيّة عن الأوهام . وقيل : معناه المتعالي ، يقال : ( لاه ) أي ارتفع . وقد قيل : من ( إلا هتك ) ، فهو كما قال الشاعر : @ تروّحنا من اللعباء قصراً وأعجلنا الألاهة أن تؤوبا @@ وقيل : هو مأخوذ من قول العرب : ألهت بالمكان ، إذا أقمت فيه ، قال الشاعر : @ ألهنا بدار ما تبين رسومها كأن بقاياها وشام على اليدِ @@ فكأن معناه : الدائم الثابت الباقي . وقال قوم : ( ان يقال ) ذاته وهي قدرته على الإخضاع . وقال الحارث بن أسد المجلسي ، أبو عبد الله البغدادي : الله من ( ألههم ) أي أحوجهم ، فالعباد مولوهون إلى بارئهم أي محتاجون إليه في المنافع والمضارّ ، كالواله المضطرّ المغلوب . وقال شهر بن حوشب : الله خالق كل شيء ، وقال أبو بكر الوراق : هو . وغلّظ بعض بقراءة اللام من قوله : ( الله ) حتى طبقوا اللسان به الحنك لفخامة ذكره ، وليصرف عند الابتداء بذكره وهو الرب . { الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } ، قال قوم : هما بمعنىً واحد مثل ( ندمان ، ونديم ) و ( سلمان ، وسليم ) ، وهوان وهوين . ومعناهما : ذو الرحمة ، والرحمة : إرادة الله الخير بأهله ، وهي على هذا القول صفة ذات . وقيل : هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة ، ( وفعل ) الخير إلى من لم يستحق ، وعلى هذا القول صفة فعل ، يجمع بينهما للاتّساع ، كقول العرب : جاد مجد . قال طرفة : @ فما لي أراني وابن عمي مالكاً متى أدنُ منه ينأ عني ويبعدِ @@ وقال آخر : @ وألفى قولها كذباً ومينا @@ وفرّق الآخرون بينهما فقال : بعضهم الرَّحْمن على زنة فعلان ، وهو لا يقع إلاّ على مبالغة القول . وقولك : رجل غضبان للممتلئ غضباً ، وسكران لمن غلب عليه الشراب . فمعنى ( الرَّحْمن ) : الذي وسعت رحمته كل شيء . وقال بعضهم : ( الرَّحْمن ) العاطف على جميع خلقه ؛ كافرهم ومؤمنهم ، برّهم وفاجرهم بأن خلقهم ورزقهم ، قال الله تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 156 ] ، و ( الرحيم ) بالمؤمنين خاصّة بالهداية والتوفيق في الدنيا ، والجنة والرؤية في العقبى ، قال تعالى : { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [ الأحزاب : 43 ] . فـ ( الرَّحْمن ) خاصّ اللفظ عامّ المعنى ، و ( الرحيم ) عامّ اللفظ خاصّ المعنى . و ( الرَّحْمن ) خاص من حيث إنه لا يجوز أن يسمى به أحد إلاّ الله تعالى ، عامّ من حيث إنه يشمل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع . و ( الرحيم ) عامّ من حيث اشتراك المخلوقين في المسمّى به ، خاص من طريق المعنى ؛ لأنه يرجع إلى اللطف والتوفيق . وهذا قول جعفر بن محمد الصادق ( رضي الله عنه ) . الرَّحْمن اسم خاص بصفة عامة ، والرحيم اسم عام بصفة خاصة ، وقول ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر . وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد المفسّر ، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الدّقاق ، حدّثنا الحسن بن محمد بن جابر ، حدّثنا عبد الله بن هاشم ، أخبرنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال : الرَّحْمن بأهل الدنيا ، والرحيم بأهل الآخرة . وجاء في الدعاء : يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة . وقال الضحّاك : الرَّحْمن بأهل السماء حين أسكنهم السماوات ، وطوّقهم الطاعات ، وجنّبهم الآفات ، وقطع عنهم المطاعم واللذات . والرحيم بأهل الأرض حين أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ، وأعذر إليهم في النصيحة وصرف عنهم البلايا . وقال عكرمة : الرَّحْمن برحمة واحدة ، والرحيم بمائة رحمة وهذا المعنى قد اقتبسه من قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي حدّثناه أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري ، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يزيد النسفي بمرو ، حدّثنا أبو هريرة وأحمد بن محمد بن شاردة الكشي ، حدّثنا جارود ابن معاذ ، أخبرنا عمير بن مروان عن عبد الملك أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وأخّر تسعة وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة " . وفي رواية أخرى : " إن الله تعالى قابض هذه إلى تلك فمكملها مائة يوم القيامة ، يرحم بها عباده " . وقال ابن المبارك : ( الرَّحْمن : الذي إذا سُئل أعطى ، والرحيم إذا لم يُسأل غضب . يدلّ عليه ما حدّثنا أبو القاسم المفسّر ، حدّثنا أبو يوسف رافع بن عبد الله بمرو الروذ ، حدّثنا خلف ابن موسى : حدّثنا محمود بن خداش ، حدّثنا هارون بن معاوية ، حدّثنا أبو الملج وليس الرقّي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من لم يسأل الله يغضب عليه " ، نضمه الشاعر فقال : @ إن الله يغضب إن تركت سؤاله وبنيُّ آدم حين يُسأل يغضب @@ وسمعت الحسن بن محمد يقول : سمعت إبراهيم بن محمد النسفي يقول : سمعت أبا عبد الله وهو ختن أبي بكر الوراق يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عمر الورّاق يقول : ( الرَّحْمن : بالنعماء وهي ما أعطي وحبا ، والرحيم بالآلاء وهي ما صرف وزوى ) . وقال محمد بن علي المزيدي : الرَّحْمن بالإنقاذ من النيران ، وبيانه قوله تعالى : { وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا } [ آل عمران : 103 ] ، والرحيم بإدخالهم الجنان ، بيانه : { ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ } [ الحجر : 46 ] . وقال المحاسبي : ( الرَّحْمن : برحمة النفوس ، والرحيم برحمة القلوب ) . وقال السريّ بن مغلس : ( الرَّحْمن بكشف الكروب ، والرحيم بغفران الذنوب ) . وقال عبد الله بن الجرّاح : ( الرَّحْمن بـ … الطريق ، والرحيم بالعصمة والتوفيق ) . وقال مطهر بن الوراق : ( الرَّحْمن بغفران السيّئات وإن كن عظيمات ، والرحيم بقبول الطاعات وإن كنّ [ قليلات ] ) . وقال يحيى بن معاذ الرازي : ( الرَّحْمن بمصالح معاشهم ، والرحيم بمصالح معادهم ) . وقال الحسين بن الفضل : ( الرَّحْمن الذي يرحم العبد على كشف الضر ودفع الشر ، والرحيم الذي يرقّ وربما لا يقدر على الكشف ) . وقال أبو بكر الوراق أيضاً : ( الرَّحْمن بمن جحده والرحيم بمن وحّده ، والرَّحْمن بمن كفر والرحيم بمن شكر ، والرَّحْمن بن قال ندّاً والرحيم بمن قال فردا ) . في أن التسمية من الفاتحة أو لا ؟ واختلف الناس في أنّ التسمية ؛ هل هي من الفاتحة ؟ فقال قرّاء المدينة والبصرة وقرّاء الكوفة : إنها افتتاح التيمّن والتبرّك بذكره ، وليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور ، ولا تجب قراءتها وأن الآية السادسة قوله تعالى : { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } . وهو قول مالك بن أنس والأوزاعي وأبي حنيفة - رحمهم الله - ورووا ذلك عن أبي هريرة . أخبرنا أبو القاسم الحسين بن محمد بن الحسن النيسابوري ، حدّثنا أبو الحسن محمد بن الحسن الكابلي ، أخبرنا علي بن عبد العزيز الحلّي ، حدّثنا أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي ، حدّثنا الحجاج عن أبي سعيد الهذلي عن … عن أبي هريرة قال ( أنعمت عليهم ) الآية السادسة ، فزعمت فرقة أنها آية من أمّ القرآن ، وفي سائر السور فصل ، فليست هاهنا أنها يجب قراءتها . [ وقال قوم : إنها آية من فاتحة الكتاب ] رووا ذلك عن سعيد بن المسيب ، وبه قال قرّاء مكة والكوفة وأكثر قرّاء الحجاز ، ولم يعدّوا { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } آية . وقال الشافعي والشعبي وهو رأي عبد الله أنها نزلت في الآية الأُولى من فاتحة الكتاب ، وهي من كل سورة آية إلاّ التوبة . والدليل عليه الكتاب والسنة ؛ أمّا الكتاب سمعت أبا عثمان بن أبي بكر الزعفراني يقول : سمعت أبي يقول : سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن موسى يقول : سمعت الحسن بن المفضّل يقول : رأيت الناس … في النمل أن { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } فيها من القرآن فوجدتها بخطها ولو أنها مكرّرات في القرآن ، فعرفنا أماكنها منه بل حتى { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرَّحمن : 13 ] ، { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ المرسلات : 15 ] لما كانا في القرآن كانت مكرّراتهما من القرآن . وبلغنا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب في بدء الأمر على رسم قريش : " باسمك اللهم " حتى نزلت : { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا } [ سورة هود : 41 ] فكتب : { بِسْمِ ٱللَّهِ } حتى نزلت : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [ سورة الإسراء : 110 ] فكتب : " بسم الله الرَّحْمن " ، حتى نزلت : { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } [ سورة النمل : 30 ] ، فكتب مثلها فلمّا كانت … هذه … وحيث أن يكون … منه ثم افتخر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية " ، وحقّ له ذلك . حدّثنا عبد الله بن حامد بن محمد الوراق : أخبرنا أبو بكر أحمد بن اسحاق الفقيه حدّثنا محمد ابن يحيى بن سهل ، حدّثنا آدم بن أبي إياس ، حدّثنا سلمة بن الأحمر عن يزيد بن أبي خالد عن عبد الكريم بن أمية عن أبي بريدة عن أبيه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود غيري ؟ " . فقلت : بلى . قال : " بأي شيء تفتتح إذا افتتحت القرآن ؟ " . قلت : { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } فقال : " هي هي " . وفي هذا الحديث دلّ دليل على كون التسمية آية تامّة من الفاتحة وفواتح السور ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين لفظ الآية كلها ، والتي في سورة النمل ليست بآية وإنما هي بعض الآية ، وبالله التوفيق . وأمّا الأخبار الواردة فيه ، فأخبرنا أبو القاسم السدوسي ، حدّثنا أبو زكريا يحيى بن محمد ابن عبد الله العنبري ، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الأنماطي حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، حدّثنا أبو سفيان المعمري عن إبراهيم بن يزيد قال : قلت لعمرو بن دينار : إن الفضل الرقاشي زعم أن { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } ليس من القرآن ؟ قال : سبحان الله ما أجرأ هذا الرجل سمعت سعيد بن جبير يقول : سمعت ابن عباس يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلت آية { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } علم أن السورة قد ختمت وفتح غيرها " . وحدّثنا الحسن بن محمد : حدّثنا أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي : حدّثنا أبو محمد إسماعيل ابن عيسى الواسطي : حدّثنا عبد الله بن نافع عن جهم بن عثمان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كيف تقول إذا قمت إلى الصلاة ؟ " قال : أقول : الحمد لله رب العالمين . قال : " قل : { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } " . وحدّثنا الحسن بن محمد ، أخبرنا أبو الحسين … ، حدّثنا علي بن عبد العزيز ، حدّثنا أبو عبيد ، حدّثنا عمر بن هارون البلخي عن أبي صالح عن أبي مليكة عن مسلمة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ : { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } " يعني يقطّعها آية آية حتّى عدّ سبع آيات عدّ الأعراب . أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد ، حدّثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ ، حدّثنا محمد ابن جعفر ، حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدّثنا الحسين بن عبد الله عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب ( كرّم الله وجهه ) أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ، وكان يقول : " من ترك قراءتها فقد نقص " . وكان يقول : " هي تمام السبع المثاني والقرآن العظيم " . وأخبرنا الحسين بن محمد بن جعفر ، حدّثنا أبو العباس الأصم ، حدّثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، حدّثنا جعفر بن حيّان عن عبد الملك بن جريح عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي } [ الحجر : 87 ] قال : فاتحة الكتاب . وقيل لابن عباس : أين السابعة ؟ قال : { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } وعدّها في يديه ثم قال : أُخرجها لكم ، وما أجد فيها أمركم . أخبرنا [ محمّد بن الحسين ] حدّثنا عبد الله بن محمد بن مسلم ، حدّثنا يزيد بن سنان ، حدّثنا أبو بكر الحنفي ، حدّثنا نوح بن أبي بلال قال : سمعت المقبري عن أبي هريرة أنه قال : إذا قرأتم أمّ القرآن فلا تبرحوا { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } فإنها إحدى آياتها وإنها السبع المثاني . وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب ، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن عبد الله العنبري ، حدّثنا جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ ، حدّثنا أحمد بن نصر ، حدّثنا آدم بن إياس عن أبي سمعان عن العلا ، عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله : قسمت الصلاة بيني وبين عبادي نصفين ؛ فإذا قال العبد : { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } قال الله : مجّدني عبدي ، وإذا قال العبد { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : { ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } قال : أثنى عليّ عبدي ، وإذا قال : { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } قال الله : فوّض إليّ أمره عبدي ، وإذا قال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قال الله : هذا بيني وبين عبدي ، وإذا قال : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } قال الله : هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل " . وأخبرنا علي بن محمد بن الحسن المقري ، أخبرنا أبو نصر أحمد بن محمد القصّار ، حدّثنا محمد بن بكر البصري ، حدّثنا محمد بن علي الجوهري ، حدّثنا … حدثني أبو إسماعيل بن يحيى … ، حدّثنا سفيان الثوري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يحدّث أصحابه ؛ إذ دخل رجل يصلّي ، وافتتح الصلاة ، وتعوّذ ، ثم قال : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا رجل ، قطعت على نفسك الصلاة ، أما علمت أن { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } من الحمد ؟ فمن تركها فقد ترك آية ، ومن ترك آية منه فقد قطعت عليه صلاته " لا تكون الصلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ، ومن ترك آية فقد بطلت صلاته . وأخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الجرجاني ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، حدّثنا أبو بكر محمد بن عمر بن هشام ، أخبرنا محمد بن يحيى ، حدّثنا حكيم بن الحسين ، حدّثنا سليمان بن مسلم المكّي عن نافع عن أبي مليكة عن طلحة بن عبيد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ترك { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } فقد ترك آية من كتاب الله " . وقد عدّها علي عليه السلام فيما عدّ من أمّ الكتاب . وأما الإجماع ، فأخبرنا أبو محمد عبد الله بن حامد الورّاق ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الضبعي ، حدّثنا عبد الله بن محمد ، حدّثنا محمد بن يحيى ، حدّثنا علي بن المديني ، حدّثنا عبدالوهّاب بن فليح ، عن عبدالله بن ميمون عن عبيد بن رفاعة أن معاوية بن أبي سفيان قدم المدينة فصلّى بالناس صلاة يجهر فيها ، ولمّا قرأ أم القرآن ولم يقرأ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } وقضى صلاته ، ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية : أنسيت أين { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } حين استفتحت القرآن ؟ فأعادها لهم معاوية فقرأ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } . الكلام في جزئية البسملة من باقي السور هذا في الفاتحة ، فأما في غيرها من السور ، فأخبرنا أبو القاسم الحبيبي ، حدّثنا أبو العباس الأصم ، حدّثنا الربيع بن سليمان ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم ، أن أبا بكر بن حفص بن عاصم قال : صلى معاوية بالمدينة صلاة يجهر فيها بالقراءة ، وقرأ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } لأم القرآن ولم يقرأ للسورة التي بعدها حتى قضى صلاته ، فلمّا سلّم ناداه المهاجرون من كل مكان : يا معاوية ، أسرقت الصلاة أم نسيت ؟ فصلى بهم صلاة أخرى وقرأ فيها للسورة التي بعدها . وما … النظر بآيات [ السور ] مقاطع القرآن على ضربين متقاربة ومتشاكلة . والمتشاكلة نحو ما في سورة القمر والرَّحْمن وأمثالهما ، والمتقاربة قيل : في سورة { قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } [ ق : 1 - 2 ] ، وما ضاهاها . ثم نظرنا في قوله : { قبلهم } ، فلم يكن من المتشاكلة ولا من المتقاربة ، ووجدنا أواخر آي القرآن على حرفين : ميم ونون أو حرف صحيح قبلها نا مكسورة فأوّلها ، أو واو مضموم ما قبلها ، أو ألف مفتوح ما قبلها ، ووجدنا سبيلهم هو هو مخالف لنظم الكتاب . هذا ولم نرَ غير مبتدأ آية في كتاب الله … إذ يقول أيضاً : إن التسمية لا [ تخلو ] ؛ إما أن تكون مكتوبة للفصل بين السور ، أو في آخر السور ، أو في أوائلها أو حين نزلت كتبت ، وحيث لم تنزل لم تكتب ، فلو كتبت للفصل لكتبت … وتراخ ، ولو كتبت في الابتدا لكتبت في ( براءة ) ، ولو كتبت في الانتهاء لكتبت في آخر { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } [ الناس : 1 ] . فلمّا أبطلت هذه الوجوه علمنا أنها كتبت حيث نزلت ، وحيث لم تنزل لم تكتب . يقول أيضاً : إنا وجدناهم كتبوا ما كان غير قرآن من الآي والأخرى ، أو خضرة ، وكتبوا التسمية بالسواد فعلمنا أنها قرآن ، وبالله التوفيق . حكم الجهر بالبسملة في الصلاة ثم الجهر بها في الصلاة سنّة لقول الله تعالى : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } [ العلق : 2 ] ( فأمر ) رسوله أن يقرأ القرآن بالتسمية ، وقال : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } [ الأعلى : 14 و 15 ] فأوجب الفلاح لمن صلّى بالتسمية . وأخبرنا أبو القاسم [ الحسن بن محمّد بن جعفر ] حدّثنا أبو صخر محمد بن مالك السعدي بمرو ، حدّثنا عبد الصمد بن الفضل الآملي ، حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي بغوطة [ دمشق ] قال : صليت خلف المهديّ أمير المؤمنين فجهر بـ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } ، فقلت : ما هذه القراءة يا أمير المؤمنين ؟ [ فقال : ] حدثني أبي عن أبيه عن عبد الله بن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بـ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } " ، قلت : أآثرها عنك ؟ قال : نعم . وحدّثنا الحسن بن محمد بن الحسن قال : حدّثنا أبو أحمد محمد بن قريش بن حابس بمرو الروذ إملاءً ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدّيري ، حدّثنا عبد الرزاق عن عمر بن دينار ، أن ابن عمر وابن عباس كانا يجهران بـ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } . وحدّثنا الحسن بن محمد بن زكريا العنبري ، حدّثنا محمد بن عبد السلام ، حدّثنا إسحاق ابن إبراهيم ، أخبرنا خَيْثَمة بن سليمان قال : سمعت ليثاً قال : كان عطاء وطاووس ومجاهد يجهرون بـ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } . وحدّثنا الحسن بن محمد : حدّثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرَّحْمن المروزي ، حدّثنا الحسن ابن علي بن نصير الطوسي ، حدّثنا أبو ميثم سهل بن محمد ، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخزاعي ، عن عمّار بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، أن العبادلة كانوا يستفتحون القراءة بـ بسم { ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } يجهرون بها : عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن صفوان . وحدّثنا الحسن بن محمد ، حدّثنا أبو نصر منصور بن عبد الله الاصفهاني ، حدّثنا أبو القاسم الاسكندراني ، حدّثنا أبو جعفر الملطي عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد أنه قال : " اجتمع آل محمد على الجهر بـ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } ، وعلى أن يقضوا ما فاتهم من صلاة الليل بالنهار ، وعلى أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن القول وفي صاحبهما " . وبهذا الإسناد قال : سئل الصادق عن الجهر بالتسمية ، فقال : " الحق الجهر به ، وهي التي التي ذكر الله عزّ وجلّ : { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً } [ الإسراء : 46 ] " . وحدّثنا الحسن ، حدّثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى بن كعب العدل ، حدّثنا الحسين ابن أحمد بن الليث ، حدّثنا محمد بن المعلّى المرادي ، حدّثنا أبو نعيم عن خالد بن إياس عن سعيد ابن أبي سعيد المقرىء عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل فعلمني الصلاة " ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبّر فجهر بـ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } " . وحدّثنا الحسن بن محمد ، حدّثنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن حمدون ، حدّثنا الشرقي ، حدّثنا محمد بن يحيى ، حدّثنا ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب ونافع بن أيوب قالا : حدّثنا عقيل عن الزهري قال : من سنّة الصلاة أن تقرأ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } في فاتحة الكتاب ( فإن ) لم يقرأ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } لم يقرأ السورة . وقال : إن أوّل من ترك { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } عمرو ابن سعيد بن العاص بالمدينة ، واحتجّ من أنّ إتيان التسمية أنها من الفاتحة ، والجهر بها في الصلاة بما أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل النيسابوري القطّان ، حدّثنا محمد بن إبراهيم الجرجاني ، حدّثنا إبراهيم بن عمّار عن سعيد بن أبي عروبة عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن أنس بن مالك قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } . وأخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا محمد بن إسماعيل العماريّ ، حدّثنا يزيد بن أحمد بن يزيد ، حدّثنا أبو عمرو ، حدّثنا محمد بن عثمان ، حدّثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة عن أنس ، " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يجهرون ، ويخفون { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } " . فعلم بهذا الحديث أنه لم ينفِ كون هذه الآية من جملة السورة ، لكنه تعرّض لترك الجهر فقط ، على أنه أراد بقوله : ( لا يجهرون ) : أنهم لا يتكلفون في رفع الصوت ولم يرد الإسراء والتخافت أو تركها أصلا . ويدل عليه ما أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد الحبيبي ، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، حدّثنا محمد بن عبد السلام الوراق وعبد الله بن محمد بن عبد الرَّحْمن قالا : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، أخبرنا يحيى بن آدم ، أخبرنا شريك ، عن ياسر ، عن سالم الأفطس ، عن ابن أبي ليلى ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ { بسم ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } جهر بها صوته ، فكان المشركون يهزؤون بمكّة ويقولون : يذكر إله اليمامة ، يعنون مسيلمة الكذاب ، ويسمونه الرَّحْمن ، فأنزل الله : { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ } فيسمع المشركون فيهزؤون ، { وَلاَ تُخَافِتْ } عن أمتك ولا تسمعهم { وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } [ الإسراء : 110 ] " . واحتجّوا أيضاً بما أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا محمد بن جعفر المطيري ، حدّثنا بشر ابن مطر [ عن سفيان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ] عن أبيه عن قتادة عن أنس " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يستفتحون القراءة بـ { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } " ، وإنما عنى بها أنهم كانوا يستفتحون الصلاة بسورة ( الحمد ) ، فعبّر بهذه الآية عن جميع السورة كما يقول : قرأت { الحمد لله } و ( البقرة ) ، أي سورة { الحمد لله } وسورة ( البقرة ) . … أي رويناها نحكم على هذين الحديثين وأمثالهما وبالله التوفيق . قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ } … على نفسه ، نعيماً منه على خلقه . ولفظه خبر ومعناه أمر ، تقريره : قولوا : الحمد لله . قال ابن عباس : يعني : الشكر منه ، وهو من الحمد … والحمد لله نقيض الذم . وقال ابن الأنباري : هو مقلوب عن المدح كقوله : جبل وجلب ، و : بض وضبّ . واختلف العلماء في الفرق بين الحمد والشكر ، فقال بعضهم : الحمد : الثناء على الرجل بما فيه من الخصال الحميدة ، تقول : حمدت الرجل ، إذا أثنيت عليه بكرم أو [ حلم ] أو شجاعة أو سخاوة ، ونحو ذلك . والشكر له : الثناء عليه أو لآله . فالحمد : الثناء عليه بما هو به ، والشكر : الثناء عليه بما هو منه . وقد يوضع الحمد موضع الشكر ، فيقال : حمدته على معروفه عندي ، كما يقال : شكرته ، ولا يوضع الشكر موضع الحمد ، [ فـ ] لا يقال : شكرته على علمه وحلمه . والحمد أعمّ من الشكر ؛ لذلك ذكره الله فأمر به ، فمعنى الآية : الحمد لله على صفاته العليا وأسمائه الحسنى ، وعلى جميع صنعه وإحسانه إلى خلقه . وقيل : الحمد باللسان قولاً ، قال الله : { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } [ الإسراء : 111 ] ، وقال : { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } [ النمل : 59 ] والشكر بالأركان فعلاً ، قال الله تعالى : { ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً } [ سبأ : 13 ] . وقيل : الحمد لله على ما حبا وهو النعماء ، والشكر على ما زوى وهو اللأواء . وقيل : الحمد لله على النعماء الظاهرة ، والشكر على النعماء الباطنة ، قال الله تعالى : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } [ لقمان : 20 ] . وقيل : الحمد ابتداء والشكر … حدّثنا الحسن بن محمد بن جعفر النيسابوري لفظاً ، حدّثنا إبراهيم بن محمد بن يزيد النسفي ، حدّثنا محمد بن علي الترمذي ، حدّثنا عبد الله بن العباس الهاشمي ، حدّثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عبد الله بن عمرو ( بن العاص ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده " . وحدّثنا الحسن بن محمد ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه ، حدّثنا عبد الله بن محمود السعدي ، حدّثنا علي بن حجر ، حدّثنا شعيب بن صفوان عن مفضّل بن فضالة عن علي بن يزيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه سئل عن { الحمد لله } قال : كلمة شكر أهل الجنة .