Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 58-71)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قالوا : فلمّا أطمأنّ بيوسف ملكه دخلت السنون المخصبة ، ودخلت السنون المجدبة أصاب الناس الجوع وجاءت تلك السنون [ … ] وكان ابتداء القحط ، بينا الملك ذات ليلة أصابه الجوع نصف الليل ، وهتف الملك : يا يوسف الجوع الجوع فقال : هذا أوّل القحط ، فلمّا دخلت السنة الأُولى من سنيّ الجدب هلك فيها كلّ شيء أعدّوه في السنين المخصبة ، فجعل أهل مصر يبتاعون الطعام من يوسف ، فباعهم أوّل سنة بالنقود حتى لم يبق في مصر دينار ولا درهم إلاّ قبضه ، وباعهم في السنة الثانية بالحُليّ والجواهر حتى لم يبق في أيدي الناس منها شيء ، وباعهم بالسنة الثالثة بالمواشي والدواب حتى احتوى عليها أجمع ، وباعهم بالسنة الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق عبد ولا أَمَة في يد أحد منهم ، ثمّ باعهم السنة الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى احتوى عليها ، وباعهم السنة السادسة بأولادهم حتى استرقّهم ، وباعهم السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر حر ولا حُرّة إلاّ صار عبداً له ، حتى قال الناس : تالله ما رأينا كاليوم ملكاً أجلّ ولا أعظم من هذا ، ثمّ قال يوسف لفرعون كيف رأيت صنيع ربّي فيما خوّلني ، فما ترى لي ؟ قال الملك : الرأي رأيك ، وإنّما نحن لك تبع ، قال : فإنّي أشهد وأشهدك أنّي أعتقتُ أهل مصر عن آخرهم ورددتُ عليهم أموالهم أملاكهم . وروي أنّ يوسف ( عليه السلام ) كان لا يشبع من طعام في تلك الأيّام ، فقيل له : تجوع وبيدك خزائن الأرض ، فقال : أخاف أن شبعتُ أن أنسى الجائع ، وأمر يوسف أيضاً طباخي الملك أن جعلوا الغداة نصف النهار ، وأراد بذلك أن يذوق الملك طعم الجوع فلا ينسى الجائعين ، ويُحسن إلى المُحتاجين ، ففعل الطهاة ذلك ، ومن ثمّ جعلت الملوك غداءهم نصف النهار . قالوا : وقصد الناس مصر من كلّ حدب يمتارون ، فجعل يوسف لا يمكّن أحداً منهم وإن كان عظيماً بأكثر من حمل بعير تقسيطاً بين الناس وتوسّعاً عليهم ، وتزاحم الناس عليه ، قالوا : وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام من القحط والشدّة ما أصاب سائر البلاد ، ونزل بيعقوب ما نزل بالناس فأرسل بنيه إلى مصر للميرة ، فأمسك بنيامين أخا يوسف لأُمّه فذلك قوله تعالى : { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ } وكانوا عشرة ، وكان منزلهم بالقربات من أرض فلسطين ثغور الشام ، وكانوا أهل بادية وإبل وشاة { فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ } يوسف وأنكروه لما أراد الله أن يبلغ يوسف فيما أراد . قال ابن عباس : وكان بين أن قذفوه في البئر وبين أن دخلوا مصر أربعين سنة فلذلك أنكروه وقيل : إنّه كان مُتّزياً بزيّ فرعون مصر ، عليه ثيات حرير ، جالس على سريره ، وفي عنقه طوق من ذهب ، وعلى رأسه تاج ، فلذلك لم يعرفوه ، وكان بينه وبينهم ستر ولذلك لم يعرفوه . قال بعض الحكماء : المعصية تورث الكبرة ، قال الله تعالى : { فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } فلمّا نظر إليهم يوسف وكلّموه بالعبرانية ، قال لهم : أخبروني من أنتم ؟ وما أمركم ؟ فإنّي أنظر شأنكم ، قالوا : نحنُ قومٌ من أهل الشام رُعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار ، قال : لعلّكم عيون تنظرون عورة بلادي ، قالوا : والله ما نحن جواسيس وإنّما نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ صدّيق يُقال له : يعقوب ، نبي من أنبياء الله ، قال : وكم أنتم ؟ قالوا : كُنّا إثني عشر فذهب أخٌ لنا إلى البريّة فهلك فيها ، وكان أحبّنا إلى أبينا ، فقال : فكم أنتم ها هنا ، قالوا : عشره ، قال : فأين الآخر ؟ قالوا : عند أبينا لأنّه أخ الذي هلك من أُمّه ، وأبونا يتسلّى به ، قال : فمن يعلم أنّ الذي تقولون حقّ ؟ قالوا : أيّها الملك إنّا ببلاد لا يعرفنا أحد ، قال يوسف : فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين ، فأنا أرضى بذلك . قالوا : إنّ أبانا يحزن على فراقه وسنراوده عنه وإنّا لفاعلون ، قال : فدعوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني بأخيكم فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأياً في يوسف وأبرّهم به فخلّفوه عنده ، فذلك قوله تعالى : { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ } يعني حمل لكل رجل منهم بعيراً بعدّتهم ، { قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ } يعني بنيامين ، { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ } أي لا أبخس الناس شيئاً وأُتمّ لهم كيلهم فأزيد لكم حمل بعير في خراجكم ، وأكرم ثواكم ، وأُحسن إليكم ، { وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } المُضيّفين . { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي } ليس لكم عندي طعام أكيله لكم { وَلاَ تَقْرَبُونِ } ولا تقربوا بلادي بعد ذلك ، وهو جزم يدلّ على النهي . { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } نطلبه ونسأله أن يُرسله معنا ، قال ابن عباس : سنخدعه حتى نخرجه معنا ، { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } ما أمرتُ به . { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ } أي لغلمانه الذين يعملون بالطعام ، قرأ الحسن وحميد ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وحفص ، لفتيانه بالألف والنون وهو اختيار أبي عبيدة ، وقال : هي في مصحف عبدالله كذلك ، وقرأ الباقون لفتيته بالتاء من غير ألف وهما لغتان مثل الصبيان والصبية . { ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ } أي طعامهم ، قال قتادة : أوراقهم ، الضحّاك عن ابن عباس قال : كانت النعل والأدم ، { فِي رِحَالِهِمْ } في أوعيتهم وهي جمع رحل ، والجمع القليل منه الرحيل ، قال ابن الأنباري : يقال للوعاء : رَحل وللمسكن رحل . { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ } انصرفوا ، { إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } إليّ واختلف العُلماء في السبب الذي فعل يوسف من أجله ، فقال الكلبي : تخوّف يوسف أن لا يكون عند أبيه من الورق فلا يرجعون مرّة أخرى ، وقيل : خشي أن يضرّ أخذه ذلك منهم بأبيه ؛ إذ كانت السنة سنة جدب وقحط ، فأحبّ أن يرجع إليه ، وإنِّما أراد أن يتّسع به أبوه ، وقيل : رأى لو أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه فردّه عليهم من حيث لا يعلمون تكرّماً وتفضّلا . وقيل : فعل لأنّه علم أنّ ديانتهم وأمانتهم تحملهم على ردّ البضاعة ولا يستحلّون إمساكها فيرجعون لأجلها ، وقيل : أبدا لهم كرمه في ردّ البضاعة وتقديم الضمان في البِرّ والإحسان ليكون أدعى لهم إلى العود إليه طمعاً في برّه . { فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا } قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة ، لو كان رجلا من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته ، قال لهم يعقوب : إذا أتيتم ملك بمصر فاقرؤوه منّي السلام وقولوا له : إنّ أبانا يُصلّي عليك ويدعو لك بما أوليتنا ، ثمّ قال : أين شمعون ؟ قالوا : إنّه عند ملك مصر وأخبروه بالقصّة ، فقال : ولم أخبرتموه ؟ قالوا : إنّه أخذنا وقال : إنّكم جواسيس عندما كلّمناه بلسان العبرانيين ، وقصّوا عليه القصّة . { مُنِعَ مِنَّا ٱلْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا } بنيامين { نَكْتَلْ } قرأ يحيى والأعمش وحمزة والكسائي يكتل بالياء يعني يكتل لنفسه هو كما كنّا نكتل نحن ، وقرأ الآخرون بالنون بمعنى نكتل نحن ، واختاره أبو عبيد { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } يعقوب ، { قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ } يوسف { مِن قَبْلُ فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً } قرأ ابن محصن ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي : حافظاً بالألف على التمييز والتفسير ، كما يُقال : هو خيرٌ رجلا ، ومجاز الآية خيركم حافظاً فحذف الكاف والميم ، ويدلّ عليه أنّها مكتوبة في مصحف عبدالله : والله خيرُ الحافظين . وقرأ الآخرون حفظاً بغير الألف على المصدر بمعنى خيركم حفظاً واختلفَ فيه عن عاصم { وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } . { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ } الذي حملوه من مصر { وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ } ثمن الطعام { رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي } أي ماذا نبغي ؟ وأي شيء نطلب وراء هذا ؟ أوفى لنا الكيل وردّ علينا الثمن ، أرادوا بذلك أن يُطيّبوا نفس أبيهم ، و { مَا } استفهام في موضع نصب ويكون معناه جحداً كأنّهم قالوا : لسنا نُريد منك دراهم . { هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا } ونشتري لهم الطعام فنحمله إليهم ، يقال مار أهله يَمير مَيراً فهو ماير ، إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلده في مثله امتار يمتار امتياراً ، قال الشاعر : @ بعثتك مائراً فمكثت حولا متى يأتي غياثك من تغيثُ @@ وقال آخر : @ أتى قريةً كانت كثيراً طعامها كعفر التُراب كل شيء يميرها @@ { وَنَحْفَظُ أَخَانَا } بنيامين { وَنَزْدَادُ } على أحمالنا { كَيْلَ بَعِيرٍ } لنا من أجله { ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ } : لا مؤونة فيه ولا مشقّة ، وقال مجاهد : كيل بعير يعني : حمل حمار ، قال : وهي لغة يُقال للحمار بعير ، { قَالَ } لهم يعقوب : { لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ } تعطوني { مَوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ } يعني تحلفوا لي بحقّ محمّد خاتم النبيين وسيد المُرسلين أن لا تغدروا بأخيكم { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ } وإنّما دخلت فيه اللام لأنّ معنى الكلام اليمين { إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ } إلاّ أن تهلكوا جميعاً ، قاله مجاهد ، وقال قتادة : إلاّ أن يُغلبوا حتى لا يطيقوا ذلك . { فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ } أعطوه عهودهم ، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس : حلفوا له بحقّ محمد صلى الله عليه وسلم ومنزلته من ربّه { قَالَ } يعقوب { ٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } أي شاهد وحافظ بالوفاء ، وقال القتيبي : كفيل ، وقال كعب : لمّا قال يعقوب : فالله خيرٌ حافظاً ، قال الله جلّ ذكره : وعزّتي لأردّن عليك كليهما بعدما توكّلت عليّ ، وقال لهم يعقوب لما أرادوا الخروج [ هذا ] ، { وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ } مصر { مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } وذلك أنّه خاف عليهم العين لأنّهم كانوا ذوي جمال وهيئة وصور حسان وقامات ممتدّة ، وكانوا ولد رجل واحد ، وأمرهم أن يفترقوا في دخولها ثمّ ، قال : { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } علم ( عليه السلام ) أنّ المقدور كائن ، وأنّ الحذر لا ينفع من القدر ، وما أغني عنكم من الله من شيء { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } وإلى الله فليفوّض أمورهم المفوّضون . { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } وكان لمصر أربعة أبواب فدخلوها من أبوابها كلّها ، { مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } صدّق الله تعالى يعقوب فيما قال { إِلاَّ حَاجَةً } حزازة وهمّة في نفس يعقوب { قَضَاهَا } أشفق عليهم إشفاق الآباء على أبنائهم { وَإِنَّهُ } يعقوب { لَذُو عِلْمٍ لِّمَا } : أي مما { عَلَّمْنَاهُ } يعني لتعليمنا إيّاه ، قاله قتادة ، وروى سفيان عن ( ابن ) أبي عروة قال : إنّه العامل بما علم ، قال سفيان : من لا يعمل لا يكون عالماً ، وقيل : إنّه لذو حظّ لِما علّمناه . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ما يعلم يعقوب ، أي لا يعرفون مرتبته في العلم . { وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ } قالوا : هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به ، قد جئناك به فقال لهم : أحسنتم وأصبتم وستجدون ذلك عندي ، ثمّ أنزلهم فأكرم منزلهم ثمّ أضافهم وأجلس كلّ اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحيداً ، فبكى وقال لو كان أخي يوسف حيّاً لأجلسني معه ، فقال لهم يوسف ( عليه السلام ) : لقد بقي هذا أخوكم وحيداً ، فأجلسه على مائدته فجعل يُؤاكِله . فلمّا كان الليل أمرَ لهم بمثل أي فرش ، فقال : لينم كلّ أخوين منكم على مثال ، فلمّا بقي بنيامين وحده ، قال يوسف ( عليه السلام ) : هذا ينام معي على فراشي فبات معه فجعل يوسف يضمّه إليه ويشمّ خدّه حتى أصبح فجعل روبيل يقول : ما رأينا مثل هذا ، فلمّا أصبح قال لهم : إنّي أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثان فسأضمّه إليّ فيكون منزله معي ، ثمّ أنزلهم [ معه ] ، وأجرى عليهم الطعام والشراب وأنزل أخاه لأمّه معه فذلك ، قوله تعالى : { آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } فلمّا خلا به قال له : ما اسمك ؟ قال : بنيامين . قال ابن من يا بنيامين ؟ قال : ابن المثكل ، وذلك أنّه لما ولد هلكت أُمّه ، قال : وما اسمها ؟ قال : راحيل بنت لاوي بن ناحور ، قال : فهل لك بنون ؟ قال : نعم ، عشر بنين وقد اشتققتُ أسماءهم من اسم أخ لي من أُمّي هلك ، قال : لقد اضطرّك إلى ذاك حزن شديد ، قال : فما سمّيتهم ؟ قال : بالعا وأحيرا وأثكل وأحيا وكنر ونعمان وادر وأرس وحيتم وميثم ، قال فما هذه ؟ قال : إما بالعاً فإنّ أخي قد ابتلعته الأرض ، وأما أخيرا فإنّه بكر أبي لأُمّي ، وأمّا أثكل فإنّه كان أخي لأبي وأُمي وسنّي ، وأما كثير فإنّه خير حبيب كان ، وأمّا نعمان فانه ناعمٌ بين أبويه وأمّا أدّر فإنّه كان بمنزلة الورد في الحُسن ، قال : وأما أرس فإنّه كان بمنزلة الرأس من الجسد ، وأما حيتم فأعلمني أنّه حيّ ، وأمّا ميثم فلو رأيته قرّت عيني . فقال يوسف : أتُحبّ أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ؟ فقال بنيامين : ومن يجد أخاً مثلك ؟ ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى يوسف ( عليه السلام ) وقام إليه وعانقه و { قَالَ } له : { إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ } يوسف { فَلاَ تَبْتَئِسْ } فلا تحزن { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } لشيء فعلوه بنا فيما مضى ؛ فإنّ الله قد أحسن إلينا ولا تُعلمهم شيئاً ممّا علمت . وقال عبدالصمد بن معقل : سمعت وهب بن منبه وسئل عن قول يوسف لأخيه : { إِنِّيۤ أَنَاْ أَخُوكَ } ، فقيل له كيف آخاه حين أخذ بالصواع وقد كان أخبره أنّه أخوه ، وأنتم تزعمون أنّه لم يزل متنكّراً لهم يكابرهم حتى رجعوا ؟ فقال : إنّه لم يعترف له بالنسبة ولكنّه قال : أنا أخوك مكان أخيك الهالك ، ومثله قال الشعبي ، قال : لم يقل له : أنا يوسف ، ولكن أراد أن يُطيّب نفسه . ومجاز الآية أي : أنا أخوك بدل أخيك المفقود فلا تبتئس بما كانوا يعملون فلا تشتكِ ولا تحزن لشيء سلف من أخوتك إليك في نفسك وفي أخيك من أُمّك ، وما كانوا يفعلون قبل اليوم بك ، ثمّ أوفى يوسف لإخوته الكيل وحمل لهم بعيراً ، وحمل لبنيامين بعيراً باسمه كما حَمل لهم ، ثمّ أمر بسقاية الملك فجعل في رحل بنيامين ، قال السدّي : جعل السقاية في رحل أخيه ، والأخ لا يشعر . قال كعب : لما قال له : إني أنا أخوك قال بنيامين : فأنا لا أفارقك ، قال يوسف ( عليه السلام ) : قد علمتُ [ عنهم ] والدي بي ، فإذا حبستك ازداد غمه ، فلا يمكنني هذا إلاّ أن أُشهرك بأمر وأنسبك إلى ما لا يجمل بك ، قال : لا أُبالي فافعل ما بدا لك فإنّي لا أُفارقك . قال : فإنّي أدسُّ صاعي هذا في رحلك ثمّ أُنادي عليك بالسرقة لجهازي ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك ، قال : فافعل ، فذلك قوله تعالى : { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ } أي لما قضى لهم حاجتهم ، { جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ } : وهي المشربة التي كان يشرب بها الملك ، قال ابن زيد : وكان كأساً من ذهب فيما يذكرون ، وقال ابن إسحاق : هو شيء من فضّة ، عكرمة : مشربة من فضّة مُرصّعة بالجواهر ، جعلها يوسف مكيلا لئلاّ يكال بغيرها وكان يشرب بها ، سعيد بن جُبير : هو [ المقياس ] الذي يلتقي طرفاه وكان يشرب بها الأعاجم وكان للعباس منها واحدة في الجاهلية ، والسقاية والصواع واحد ، { فِي رَحْلِ أَخِيهِ } في متاع بنيامين ، ثمّ ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتى انطلقوا ومضوا ثمّ أمر بهم فأُدركوا وحُبسوا . { ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ } نادى مناد ، { أَيَّتُهَا ٱلْعِيرُ } هي القافلة التي فيها الأحمال ، قال الفرّاء : لا يُقال عِير إلاّ لأصحاب الإبل ، وقال مجاهد كانت العِير حميراً . { إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } قفوا ، فوقفوا ، فلمّا انتهى إليهم الرسول قال لهم : ألم نكرم ضيافتكم ونُحسن منزلكم ونُوفِكم كيلكم ونفعل بكم ما لم نفعله بغيركم ؟ قالوا : بلى ، وما ذاك ؟ قال : سقاية الملك ، فقال : إنّه لا يُتَّهم عليها غيركم ، فذلك قوله تعالى : { قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ } عطفوا على المؤذّن وأصحابه : ماذا تفقدون ؟ ما الذي ضلّ منكم ؟ فالفقدان ضدّ الوجود ، والمفقد : الطلب .