Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 35-40)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } في دخولها اختلفوا في الرافع للمثل . فقال الفراء : هو ابتداء وخبر على قوله { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } وقيل معنى المثل الصفة كقوله { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النحل : 60 ] أي الصفة العليا وقوله { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ } [ الفتح : 29 ] ومجاز الآية صفة الجنة التي وعد المتقون أنّ الأنهار تجري من تحتها وكذا وكذا . وقيل مثل وجه مجازها الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار ، والعرب تفعل هذا كثيراً بالمثل والمثل كقوله { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] أي ليس هو كشيء . وقيل معناه : { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الرعد : 18 ] . قيل الجنة [ بدل ] منها . قال مقاتل : معناه شبه الجنة التي وعد المتقون في الخير والنعمة والخلود والبقاء كشبه النار [ في العذاب و ] الشدّة والكرب . { أُكُلُهَا دَآئِمٌ } لا ينقطع ولا يفنى { وِظِلُّهَا } ظليل لا يزال وهذا رد على الجهمية ، حيث قالوا : إن نعيم الجنة يفنى { تِلْكَ عُقْبَىٰ } يعني ما فيه { ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } الجنة { وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ * وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } يعني القرآن وهم أصحاب محمد { يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } من القرآن { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ } يعني الكفار الذين كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اليهود والنصارى { مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } وذلك أنهم آمنوا بسورة يوسف وقالوا إنها واطأت كتابنا وهذا قول مجاهد وقتادة . وقال باقي العلماء : كان ذكر الرحمن في القرآن قليلا في بدء ما أنزل فلما أسلم عبدالله . ابن سلام وأصحابه : ساءهم قلّة ذكر الرحمن في القرآن ؛ لأن ذكر الرحمن في التوراة كثير فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك قوله الله تعالى { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ } [ الإسراء : 110 ] الآية . فقالت قريش حين نزلت هذه الآية : ما بال محمد كان يدعو إلى إله واحد فهو اليوم يدعو إلى إلهين : الله والرحمن ، ما نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة ، يعنون مسيلمة الكذاب فأنزل الله { وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } [ الأنبياء : 36 ] وهم يكفرون بالرحمن وفرح مؤمنو أهل الكتاب بذكر الرحمن فأنزل الله { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ } الله من ذكر الرحمن { وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ } يعني مشركي قريش من يذكر بعضه . قال الله { قُلْ } يا محمد { إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ } مرجعي { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً } وكما أنزلنا إليك الكتاب يا محمد وأنكره الأحزاب ، كذلك أيضاً أنزلنا الحكم والدين حكماً عربياً ، وإنما وصفه بذلك لأنه أنزل على محمد وهو عربي ، فنسب الدين إليه إذ كان منزلا عليه فكذب الاحزاب بهذا الحكم أيضاً ، وقال قوم معنى الآية : وكما أنزلنا الكتب على الرسل بلغناهم كذلك أنزلنا عليك القرآن حكماً عربياً ثم توعده على إتباع هوى الأحزاب فقال { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم } قيل بما شاء الله ، وقيل في أهل القبلة لأنّه { مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ } فجعلناهم بشراً مثلك { وَجَعَلْنَا لَهُمْ } نكحوهن وأولاد ينسلوهم ولم يجعلهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحوهن ، فنجعل الرسول إلى قومك ملائكة ولكن أرسلنا إلى قومك بشراً مثلهم كما أرسلنا إلى من قبلهم من الأُمم بشراً مثلهم { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } وهذا جواب عبد الله بن أبي أُمية ثم قال : { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } لكل أمر أمضاه الله كان قد كتبه لجميع عبيده ، الضحاك : معناه لكل كتاب نزل من السماء أجل ووقت ينزل فيه وهذا من المقلوب { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } . قرأ حميد وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب : ويثبت بالتخفيف . وقرأ الآخرون : بالتثقيل واختاره أبو عبيد لكثرة من قرأها ولقوله تعالى { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ إبراهيم : 27 ] . واختلف المفسرون في معنى الآية ، فروى نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يمحو الله ما يشاء إلاّ الشقاوة والسعادة والموت " . وعن ابن عباس قال : يمحو الله ما يشاء إلا أشياء : الخَلْق والخُلْق والرزق والأجل والسعادة والشقاوة . عكرمة عنه هما كتابان سوى أم الكتاب يمحو الله فهما ما يشاء ويثبت { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } الذي لا يغير منه شيء . أبو صالح والضحاك : يمحو الله ما يشاء من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ويثبت ما فيه ثواب وعقاب . وروى عفان عن همام عن الكلبي : يمحو الله ما يشاء ويثبت . قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ويمحو من الأجل ويزيد فيه . قلت من حدثك ؟ قال أبو صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فقدم الكلبي بعد فسئل عن هذه الآية فقال : حتى إذا كان يوم الخميس يطرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب . مثل قولك أكلت ، شربت ، دخلت ، خرجت ونحوها من الكلام وهو صادق ، ويثبت ما كان فيه الثواب وعليه العقاب . وقال بعضهم : يمحو الله ما يشاء ويثبت كل ما يشاء [ من ] غير استثناء كما حكى الكلبي عن راذان عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) . روى أبو عثمان النهدي : أنّ عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) كان يطوف بالبيت السبت وهو يبكي ويقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فإن كنت كتبت عليَّ الذنب والشقوة فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُم الكتاب . ابن مسعود : إنه كان يقول : اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء وأثبتني في السعداء فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُم الكتاب . وروى حماد بن أبي حمزة عن إبراهيم : أن كعباً قال لعمر ( رضي الله عنه ) : يا أمير المؤمنين لولا اية في كتاب الله لأُنبئنك بما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هو ؟ قال : قول الله تعالى { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } . وروى عطية عن ابن عباس : في هذه الآية قال : هو الرجل يعمل للزمان بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو ، والذي يثبت الرجل الذي عمل بطاعة الله وقد كان يقول : خير أُمتي يموت وهو في طاعة الله ، فهو الذي يثبت . قال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : يمحو الله ما يشاء من القرون ويثبت ما يشاء منها كقوله { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ } [ يس : 31 ] وقوله { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } [ المؤمنون : 31 ] . سعيد بن جبير وقتادة : يمحو الله ما يشاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله ويثبت ما يشاء وما ينسخه . الحسن : لكل أجل كتاب يعني آجال بني آدم في كتاب يمحو الله ما يشاء من جاء أجله فيذهب به ويثبت من لم يجىء أجله إلى أجله . مجاهد وابن قيس : حين ما أنزل { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 38 ] ما نراك يا محمد تملك من شيء ولقد فرع من أمره . فأنزلت هذه الآية تخويفاً ووعداً لهم أي إن يشاء أحدثها من أمر . قاله بأشياء ويحدث في كل رمضان في ليلة القدر فيمحوا ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وينسئهم له . محمد بن كعب القرظي : إذا ولد الإنسان . أثبت أجله ورزقه وإذا مات محى أجله ورزقه . وروى سعيد بن جبير : يمحو الله ما يشاء من ذنوب عباده فيغفرها ويثبت ما يشاء بتركها فلا يغفرها . عكرمة : يمحو الله ما يشاء يعني بالتوبة جميع الذنوب ويثبت بدل الذنوب حسنات فإنه { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] . وروى عن الحسن أيضاً : يمحو الله ما يشاء يعني الآباء ويثبت يعني الأبناء . السدي : يمحو الله ما يشاء يعني القمر ويثبت يعني الشمس . بيانه قوله : { فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً } [ الإسراء : 12 ] . ربيع : هذا في الأرواح في حال النوم يقبضها عند النوم فمن أراد موته محا وأمسكه ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه . بيانه قوله { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } [ الزمر : 42 ] . وقيل : يمحو الله ما يشاء الدنيا ويثبت الآخرة . وروى محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل ، في الساعة الأُولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه آخر غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء " . ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : إن لله لوحاً محفوظاً مسيرة خمسمائة عام من درة جنانها رمان من ياقوت ولله في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة يمحو منها ما يشاء ويثبت وعنده أُم الكتاب . قال قيس بن عباد : العاشر من رجب هو يوم يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت وعنده أُم الكتاب يعني اللوح المحفوظ الذي لا يغير ولا يبدل . قال قتادة والضحاك : حلية الكتاب وأصله فيه ما يمحو ويثبت . فسأل ابن عباس كذا عن أُم الكتاب . قال : يعلم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون فقال لعلمه : كن كتابا فكان كتابا { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ } من العذاب { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قبل أن نريك ذلك { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ } الذي عليك [ أن تبلغهم ] { وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } والجزاء .