Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 9-17)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } يعني من كان بعد قوم نوح وعاد وثمود . وكان ابن مسعود يقرأها : { وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } ثم يقول كذب النسابون { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَاهِهِمْ } . قال ابن مسعود : يعني عضوا على أيديهم غيظاً . قال ابن زيد وقرأ : { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } [ آل عمران : 119 ] . ابن عباس : لما سمعوا كتاب الله عجبوا فرجعوا بأيديهم إلى أفواههم . مجاهد وقتادة : كذبوا الرسل وردّوا ما حلوا به . الأخفش وأبو عبيدة : أي تركوا ما أُمروا به وكفوا عنه ولم يمضوه ولم يؤمنوا . تقول العرب للرجل إذا أمسك عن الجواب فلم يجب وسكت : قد ردّ يده في فيه . قال القيسي : إنا لم نسمع واحداً من العرب يقول ردّ يده في فيه إذا ترك ما أمر به وإنما المعنى إنهم عضوا على الأيدي حيفاً وغيظاً . كقول الشاعر : @ تردون في فيه غش الحسود @@ يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أنامله العشر وقال الهذلي : @ قد أفنى أنامله أزمة فأضحى يعض على الوظيفا @@ الوظيف يعني الذراع والساق ، واختار النحاس هذا القول ؛ لقوله تعالى { وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } [ آل عمران : 119 ] . وأنشد @ لو أن سلمى أبصرت تخددي ودقة في عظم ساقي ويدي وبعد أهلي وجفاء عودي عضت من الوجد بأطراف اليد @@ قال الكلبي : يعني من الأمم ردّوا بأيديهم إلى أفواههم أي في أفواه أنفسهم ؛ إشارة إلى الرسل إن اسكتوا . مقاتل : فردوا أيديهم على أفواه الرسل حين يسكتونهم بذلك { وَقَالُوۤاْ } يعني الأُمم للرسل ، { إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } موجب الريبة موقع للتهمة { قَالَتْ رُسُلُهُمْ } إلى قوله تعالى { مِّن ذُنُوبِكُمْ } من تعجله { وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى } يعني الموت فلا يعاجلكم بالعذاب والعقاب { قَالُوۤاْ } الرسل { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } في الصورة والهيئة ولستم بملائكة وإنما يريدون بقولكم { أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي بينة على صحة دعواكم ، والسلطان في القرآن على وجهين وجه ملائكة ووجه بينة كقوله { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } [ إبراهيم : 22 ] { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ } [ سبأ : 21 ] فصحة قوله { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } [ يونس : 68 ] بهذا وقوله : { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ إبراهيم : 10 ] . { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } بالنبوة والحكمة إلى قوله { وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا } بيّن لنا الرشد وبصرنا طريق النجاة ، { وَلَنَصْبِرَنَّ } اللام للقسم مجازه لنصبرن { عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } إلى قوله تعالى { فِي مِلَّتِنَا } يعنون الآن ترجعوا وحتى ترجعوا إلى ديننا { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ } أي من بعد هلاكهم { ذٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } أي مقامه وقيامه بين يدي ، فأضاف قيام العبد إلى نفسه ، كما يقول يذهب على ضربك أي ضربي إياك ، وسوف رويتكك أي برويتي إياك . قال الله { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } [ الواقعة : 82 ] أي رزقي إليكم فإن شئت قلت ذلك لمن يخاف قيامي عليه ومراقبتي له ، مثاله قوله { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] . وقال الأخفش : ذلك لمن خاف مقامي أي عذابي . { وَخَافَ وَعِيدِ * وَٱسْتَفْتَحُواْ } واستنصروا الله عليها . قال ابن عباس ومقاتل : يعني الأُمم ، وذلك أنهم قالوا : اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا ، نظيره قوله تعالى { ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ العنكبوت : 29 ] وقالوا { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [ الأنفال : 32 ] الآية . وقال مجاهد وقتادة : يعني الرسل وذلك أنهم لما تبينوا من إيمان قومهم استنصروا عدوّهم ودعوا على قومهم بالعذاب . بيانه قوله تعالى في قصة نوح ولوط وموسى { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } . مجاهد : معاند للحق ويجانبه . وقال إبراهيم : الناكب عن الحق . ابن عباس : المعرض . وقتادة : العنيد الذي لا يقول لا إله إلاّ الله . مقاتل : المستكبر . ابن كيسان : الشامخ بالحق . ابن زيد : المخالف للحق . والعرب تقول : شر الإبل العنيد الذي يخرج من الطريق خيره ، المريد العاصي ، ويقال عند العرب إذا لم يرقا دمه . وقال أهل المعاني : المعاند والعنيد هو المعارض لك بالخلاف وأصله من العند وهو الناحية . قال الشاعر : @ إذا نزلت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العندا @@ { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } يعني أمامه وقدامه كما يقال : إن الموت من ورائك . قال الله { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } [ الكهف : 79 ] . قال الشاعر : @ أتوعدني وراء بني رياح كذبت لتقصرن يداك دوني @@ أي قدامهم . أبو عبيدة : من الأضداد . وقال الأخفش : هو كما يقال هذا الآخر من ورائك أي سوف يأيتك وأنا من وراء فلان يعني أصل إليه . وقال الشاعر : @ عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب @@ وقال بعضهم إنما يجوز هذا في الأوقات ؛ لأن الوقت يمر عليك فيصير إن أخرته خلفك . مقاتل : من ورائه جهنم يعني بعده . وكان أُستاذنا أبو القاسم الحبيبي يقول : الأصل في هذا أنّ كل ما ورائي عندك شيء من خلفك وقدام فهو [ … ] ، { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ } ثم بين ذلك لنا فقال { صديد } وهو القيح والدم . قتادة : هو ما يخرج من بين جلد الكافر ولحمه . محمد بن كعب والربيع بن أنس : هو غسالة أهل النار وذلك مايسيل من ابن الزنا يسقى الكافر { يَتَجَرَّعُهُ } يتحساه ويشربه ويجرع لا بمرة واحدة لمرارته وحرارته { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } لا يكاد أستقبله مجازه ولا يستسيغه كقوله { لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } [ النور : 40 ] أي لم يرها . قال ابن عباس : لم يحبوه ، وقيل لا يحبّونه . وروى أبو أُمامة " عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية يعطى إليه فيكرهه فإذا أدنى منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فأذا شربه فقطع أمعاءه وحتى يخرج من دبره " يقول الله { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] وقال { يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ } [ الكهف : 29 ] { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ } من أعضائه فيجد ألم الموت وسقمه . وقال إبراهيم التيمي : حتى من تحت كل شعرة في جسده . الضحاك : حتى من إبهام رجله . الأخفش : يعني البلايا التي تصيب الكافر في النار سمّاها موتاً . { وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } ولا يخرج نفسه فيستريح . وقال ابن جريج : تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ولا يرجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة ، نظيره قوله { لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [ طه : 74 ] { وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } شديد .