Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 94-100)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً } خديعة وفساداً { بَيْنَكُمْ } يغرون بها الناس فتسكنون إلى إيمانكم ويأمنون ثمّ ينقضونها ويختلفون فيها { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } فتهلكوا بعد ما كنتم آمنين ، والعرب تقول لكل مبتل بعد عافية أو ساقط في ورطة بعد سلامة : زلّت قدميه . كقول الشاعر : @ سيمنع منك السبق إن كنت سابقاً وتلطع إن زلت بك القدمان @@ { وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ } العذاب { بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } يعني ولا تنقظوا عهودكم تطلبون بنقضها عوضاً قليلاً من الدنيا ، ولكن أوفوا بها فإنما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك { خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فصل ما بين العوضين ثمّ بين ذلك { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ } بالنون عاصم . الباقون بالياء . { ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤا } على الوفاء في السرّاء والضراء { أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } دون أسوأها ويغفر سيئاتهم بفضله { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } اختلفوا فيها : فقال سعيد بن جبير وعطاء والضحاك : هي الرزق الحلال ، وهو رواية ابن أبي مالك وأبي الربيع عن ابن عبّاس . وقال الحسن وعلي وزيد ووهب بن منبّه : هي القناعة والرضا بما قسم الله ، وهذه رواية عكرمة عن ابن عبّاس . وقال مقاتل بن حيان : يعني أحسن في الطاعة ، وهي رواية عبيد بن سليم عن الضحاك ، فقال : من يعمل صالحاً وهو مؤمن في فاقة أو ميسرة فحياة طيبة . ومن أعرض عن ذكر الله فلم يؤمن ولم يعمل عملاً صالحاً فمعيشة ضنك لا خير فيها . أبو بكر الوراق : هي حلاوة الطاعة . الوالبي عن ابن عبّاس : هي السعادة ، مجاهد وقتادة وابن زيد : هي الجنة ، ومثله روي عن الحسن وقال : لا تطيب الحياة لأحد إلاّ في الجنة . { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . قال أبو صالح : جلس ناس من أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الأوثان ، فقال هؤلاء : نحن أفضل ، وقال هؤلاء : نحن أفضل ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية { فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ } يعني فإذا كنت قارئاً للقرآن { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } . قال محمّد بن جرير ، وقال الآخرون : مجازه : فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ ، كقوله : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ } [ المائدة : 6 ] الآية ، أي الطهارة مقدمة على الصلاة ، وقوله : و { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] معناها وإذا أردتم تطليق النساء لأنه محال أن يأمرهم بالتطليق المعين بعد ما مضى التطليق . وأما حكم الآية : فاعلم أن الاستعاذة عند قراءة القرآن مستحبة في الصلاة وغير الصلاة ، هذا قول جماعة الفقهاء إلاّ مالكاً ، فإنه لا يتعوذ إلاّ في قيام رمضان ، واحتج بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين ، وإنما تأويل هذا الحديث أنه كان يفتتح القراءة في الصلاة بالحمد لله رب العالمين ، يدل عليه أن الصلاة تفتتح بالتكبير بلا خلاف على أن الخبر متروك الظاهر . ويدل على صحة ما قلنا حديث " جبير بن مطعم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي فقال : الله أكبر كبيراً والحمد لله وسبحان الله بكرة وأصيلاً ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخة ونفثة وهمزة " . وقال ابن مسعود : نفخة الكبر ونفثة الشعر وهمزة المرض يعني الجنون ، فإذا تقرر هذا ثبت أن الخبر المتقدم متروك بالظاهر مأخوذ المعنى . واختلف الفقهاء في وقت الاستعاذة : فقال أكثرهم : قبل القراءة ، وهو قول الجمهور ، وهو الصحيح المشهور . وقال أبو هريرة : يتعوذ بعد القراءة وإليه ذهب داود بن علي . وقال مالك في الصلاة التي يتعوذ فيها وهي قيام رمضان : يتعوذ بعد القراءة واحتج بظاهر الآية ، وقد بينّا وجهها ، والدليل على أنها قبل القراءة ، ماروى أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ثمّ يقرأ ، وأما الكلام في محل الاستعاذة في الصلاة ، فقد قال الشافعي : يقولها في أول الركعة ، وقيل : إن قال حيث يفتتح كل ركعة قبل القراءة فحسن ما يقرأ به في شيء من الصلاة كما أمره به في أول ركعة . هذا قول عامة الفقهاء . وقال ابن سيرين : يتعوذ في كل ركعة قبل القراءة . والصحيح المذهب الأوّل ، لأن المروي في الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتعوّذ إلاّ في الأولى ، وأما صفتها وفي الصلاة فهي أن ينظر فإن كانت صلاة يسرّ فيها بالقراءة أسرّ فيها بالاستعاذة ، وإن كانت يجهر فيها بالقراءة : فقال الشافعي في ( الأم ) : روي أن أبا هريرة أمّ الناس رافعاً صوته : ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وكان ابن عمر يعوذ في نفسه . قال الشافعي : فإن شاء جهر بها وإن شاء أسرّ بها . قال الثعلبي : والاختيار الاخفاء ليفرّق بين ما هو قرآن وما هو ليس بقرآن . فأما لفظة الاستعاذة فالأولى والمستحب أن يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ؛ لنص القرآن والخبر المتصل المتسلسل ، وهو أني قرآت على الشيخ أبي الفضل محمّد بن أبي جعفر الخزاعي ، فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في المواضع كلّها فأني قرأت على أبي الحسين عبد الرحمن بن محمّد بالبصرة فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على عبد الله أبي حامد الزنجاني فقلت : أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على أبي عثمان إسماعيل بن إبراهيم الأهوازي فقلت : أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على محمّد بن عبد الله بن بسطام فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على روح بن عبد المؤمن فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على يعقوب الحضرمي فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فأني قرأت على سلام بن المنذر ، فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فلقد قرأت على عاصم فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فلقد قرأت على زر بن حبيش فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فلقد قرأت على عبد الله بن مسعود فقلت : أعوذ بالسميع العليم ، فقال لي : قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فلقد قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : أعوذ بالله السميع العليم ، فقال لي : " يا ابن أم عبد قل : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبرائيل عن القلم عن اللوح المحفوظ " . قال ابن عجلان : وهكذا علمني أخي أحمد ، وقال : هكذا علمني أخي ، وقال : هكذا علمني وكيع بن الجراح ، وقال : هكذا علمني سفيان الثوري . { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ } حجة وولاية { عَلَىٰ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } . قال سفيان : ليس له سلطان أن يحملهم على ذنب لا يغفر . { إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } يطيعونه { وَٱلَّذِينَ هُم بِهِ } أي بالله { مُشْرِكُونَ } . وقال بعضهم : الكناية راجعة إلى الشيطان ، ومجاز الكلام : الذين يسمعون قوله مشركون بالله ، وهذا كما يقال : صار فلان بك عالماً ، أي من أجلك وبسببك عالماً .