Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 17-22)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ } ، أي تتزاور ، وقرأ أهل الكوفة بالتخفيف على حذف أحد الزاءين ، وقرأ أهل الشام : { تَّزوَرُ } على وزن تحمرّ ، وكلّها بمعنىً واحد ، أي تميل وتعدل عن كهفهم { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } ، أي جانب اليمين ، { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ } ، قال ابن عباس : تدعهم . قال مقاتل بن حيان : تجاوزهم . وأصل القرض : القطع . { ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } ، أي متّسع من الكهف ، وجمعها فجوات وفجىً . أخبرنا الله تعالى بحفظه ايّاهم في مهجعهم ، وعرفنا لطفه بهم في مضجعهم واختياره لهم أصلح المواضع للرقاد فأعلمنا أنّه بوّأهم في مغناة من الكهف مستقبلاً بنات نعش ، تميل عنهم الشمس طالعة وغاربة وجارية ؛ لا تدخل عليهم فتؤذيهم بحرّها وتغّير ألوانهم وتبلى ثيابهم ، وإنهم في متّسع منه ينالهم فيه بَرد الريح ونسيمها وتنفي عنهم كربة الغار وغمومه ، { ذٰلِكَ } الذي ذكرت من أمر الفتية { مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } : من عجائب صنع اللّه ودلالات قدرته وحكمته . { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ } أي يهدهِ اللّه { فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً } مُعينَاً { مُّرْشِداً } ؛ لأنّ التوفيق والخذلان بيد الله عزّ وجلّ . { وَتَحْسَبُهُمْ } يا محمد { أَيْقَاظاً } أي منتبهين ، جمع يقِظ ويقَظ مثل قولك : رجل نجِد ونجَد للشجاع ، وجمعه أنجاد ، { وَهُمْ رُقُودٌ } : نيام ، جمع راقد مثل قاعد وقعود ، { وَنُقَلِّبُهُمْ } ، وقرأ الحسن ( ونقْلِبهم ) بالتخفيف ، { ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ } مرّة للجنب الأيمن ومرّة للجنب الأيسر . قال ابن عباس : كانوا ينقلبون في السنة مرة إلى جانب من جانب ، لئلا تأكل الأرض لحومهم . ويقال : إنّ يوم عاشوراء كان يوم تقليبهم . وقال أبو هريرة : كان لهم في كل سنة تقليبان . { وَكَلْبُهُمْ } ، قال ابن عباس : كان أنمر . وقال مقاتل : كان أصفر . وقال القرظي : شدة صفرته تضرب إلى الحمرة . الكلبي : لونه كالخلنج . وقيل : لون الحجر . وقيل : لون السماء . وقال علي ابن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : « كان اسمه ريان » . وقال ابن عباس : قطمير . وقال الأوزاعي : نتوى . وقال شعيب الجبائي : حمران . عبد الله ابن كثير : اسم الكلب قطمور . [ قال ] السّدي : نون . عبد الله بن سلام : بُسيط . كعب : أصهب . وهب : نقيا ، وقيل : قطفير . عن عمر قال : إن مما أُخذ على العقرب ألاّ يضر بأحد في ليله ونهاره : سلام على نوح ، وإن مما أُخذ على الكلب ألاّ يضر من حمل عليه أن يقول : { وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } . وقرأ جعفر الصّادق ( وكالبهم ) يعني : صاحب الكلب . { بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } ، قال مجاهد والضّحاك : الوصيد : فِناء الكهف ، وهو رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال سعيد بن جبير : الوصيد الصعيد ، وهو التراب . وهذه رواية عطية العوفي عن ابن عباس . وقال السّدي : الوصيد الباب ، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس ، وأنشد : @ بأرض فضاء لا يُسدّ وصيدها عليّ ومعروفي بها غير منكر @@ أي بابها . وقال عطاء : الوصيد : عتبة الباب . وقال القتيبي الوصيد : البناء ، وأصله من قول العرب ، أصدت الباب وأوصدته ، أي أغلقته وأطبقته . { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً } ؛ لما ألبسهم الله تعالى من الهيئة حتى لا يصل إليهم واصل ، ولا تلمسهم يدُ لامس حتى يبلغ الكتاب أجله ، فيوقظهم الله من رقدتهم لإرادة الله عزّ وجلّ أن يجعلهم آية وعبرة لمن شاء من خلقه ؛ { لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا } [ الكهف : 21 ] . { وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } : خوفاً ، وقرأ أهل المدينة : ( لملّئت ) بالتشديد . وقيل : إنما ذلك من وحشة المكان الذي هم فيه . وقال الكلبي : لأن أعينهم مفتّحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم وهم نيام . وقيل : إن الله تعالى منعهم بالرعب لئلاّ يراهم أحد . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف ، فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم قال ابن عباس : ليس ذلك لك ، قد منع الله من هو خير منك ، قال : { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } . فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم علمهم . فبعث ناساً فقال : اذهبوا فانظروا . ففعلوا ، فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عز و جّل عليهم ريحاً فأخرجتهم فلم يستطيعوا الاطلاع عليهم من الرعب . { وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ } أي كما أنمناهم في الكهف ، ومنعنا من الوصول إليهم ، وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزمان ، وثيابهم من العفن على مرّ الأيّام بقدرتنا ، كذلك بعثناهم من النّومة التي تشبه الموت { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } : ليتحدّثوا ، ويسأل بعضهم بعضاً . { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ } يعني : رئيسهم مكسلمينا : { كَم لَبِثْتُمْ } في نومكم ؟ وذلك أنهم استنكروا من أنفسهم طول نومهم . ويقال : إنه راعهم ما فاتهم من الصلاة ، فقالوا ذلك . { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً } ؛ لأنهم دخلوا الكهف غدوة ، فلما رأوا الشمس قالوا : { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } توقّياً من الكذب ، وكانت قد بقيت من الشمس بقية . ويقال : كان بعد زوال الشمس . فلما نظروا إلى شعورهم وأظفارهم تيقّنوا أن لبثهم أكثر من يوم أو بعض يوم ، ف { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } . ويقال : إن رئيسهم لما سمع الاختلاف بينهم قال ذلك . { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ } يعني : تمليخا { بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } ، والورِق : الفضّة ؛ مضروبة كانت أو غير مضروبة . والدليل عليه أنّ عرفجة بن أسعد أُصيب أنفه يوم الكلاب فاتّخذ أنفاً من ورِق فأنتن عليه ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب . وفيه لغات : ( بورْقكم ) وهي قراءة أبي عمرو وحمزة وخلف ، و ( ورقكم ) بسكون الراء وإدغام القاف وهي قراءة أهل مكة ، و بفتح الواو وكسر الراء وهي قراءة أكثر القراء . و ( ورِق ) مثل كبْد وكَبِد وكِلْمة وكَلِمة . ( والمدينة ) : أفسوس ، { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً } قال ابن عباس وسعيد بن جبير : أحلّ ذبيحةً ، لأن عامّتهم كانوا مجوساً ، وفيهم قوم مؤمنون يخفون إيمانهم . قال الضحّاك : أطيب . وقال مقاتل بن حيّان : أجود . وقال يمان بن رياب : أرفص . قتادة : خير . قال عكرمة : أكثر . وأصل الزكاة الزيادة والنّماء ، قال الشاعر : @ قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة ولَلسبع أزكى من ثلاث وأطيب @@ { فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ } أي قوت وطعام ، { وَلْيَتَلَطَّفْ } : وليترفق في الشراء ، وفي طريقه ، وفي دخول المدينة ، { وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } من الناس ، أي ولا يعلمن ، أي إن ظُهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما يقع فيه . { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } فيعلموا بمكانكم { يَرْجُمُوكُمْ } ، قال ابن جريج : يشتموكم ويؤذوكم بالقول . ويقال : يقتلوكم . ويقال : كان من عادتهم القتل بالرجم وهو من أخبث القتل . وقيل : هو التوبيخ . ويضربوكم { أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ } : دينهم الكفر { وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } إن عدتم إليهم . { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا } ، أي أطلعنا { عَلَيْهِمْ } ، يقال : عثرت على الشيء إذا اطّلعت عليهم ، فأعثرت غيري إذا أطلعته ، { لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } يعني قوم تيدوسيس ، { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } ، قال ابن عباس : تنازعوا في البنيان والمسجد ، قال المسلمون : نبني عليهم مسجداً ، لأنهم على ديننا ، وقال المشركون : نبني عليهم بنياناً ؛ لأنهم من أهل سنّتنا . وقال عكرمة : تنازعوا في الأرواح والأجساد ، فقال المسلمون : البعث للأرواح والأجساد ، و قال بعضهم : البعث للأرواح دون الأجساد ، فبعثهم الله من رقادهم وأراهم أن البعث للأرواح والأجساد . وقيل : تنازعوا في قدر لبثهم ومكثهم . وقيل : تنازعوا في عددهم ، { فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ } يعني تيدوسيس الملك وأصحابه : { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً } ، وقيل : الذين تغلبوا على أمرهم ، وهم المؤمنون . وهذا يرجع إلى الأوّل . { سيقولون ثلثة } وذلك أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى أهل نجران كانوا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف فقال السيد : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم . وكان السيد يعقوبياً ، وقال العاقب : كانوا خمسة سادسهم كلبهم . وكان نسطوريّاً ، وقال المسلمون : كانوا سبعة وثامنهم كلبهم ، فحقق الله قول المسلمين وصدّقهم بعد ما حكى قول النصارى ، فقال { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ } أي قذفاً بالظنّ من غير يقين ، كقول الشاعر : @ وأجعلُ منّي الحقّ غيباً مرجّما @@ { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ } وقال بعضهم : هذه الواو واو الثمانية ، إن العرب يقولون : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، لأن العِقد كان عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة . ونظيره قوله تعالى : { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } [ التوبة : 112 ] . وقوله في صفة أهل الجنّة { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] . وقوله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم { ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } [ التحريم : 5 ] . وقال بعضهم : هذه واو الحكم والتحقيق ، فكأنه حكى اختلافهم فتمّ الكلام عند قوله : { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ } ، ثمّ حكم أن ثامنهم كلبهم ، والثامن لا يكون إلاّ بعد السّبع ، فهذا تحقيق قول المسلمين . { رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ } ، قال قتادة : قليل من الناس . وقال عطاء : يعني بالقليل : أهل الكتاب . يحيى بن أبي روق عن أبيه عن الضحّاك عن ابن عباس في قوله تعالى . { مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ } قال : أنا من أُولئك القليل . وهم : مكسلمينا ، وتمليخا ، ومرطونس ، وسارينوس ، وآنوانس ، وروانوانس ، ومشططيونس ، وهو الرّاعي ، والكلب واسمه قطمير كلب أنمر فوق القلطي ودون الكردي . وقال محمد بن المسيب : القلطي : كلب صيني ، و قال : ما بقي بنيسابور محّدث إلاّ كتب عنّي هذا الحديث إلاّ من لم يقدر له . قال : وكتبه أبو عمرو ، والحيري عني . { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ } ، أي في عدّتهم وشأنهم { إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً } وهو ما قصّ عليه في كتابه من خبرهم يقول : حسبك ما قصّصت عليك فلا تمارِ فيهم ، { وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَدا } من أهل الكتاب .