Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 99-110)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ } ، يعني الخلق { يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ } : يدخل { فِي بَعْضٍ } ويختلط إنسهم بجنّهم حيارى ، { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } في صعيد واحد ، { وَعَرَضْنَا } : وأبرزنا { جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ } ، يعني يوم القيامة { لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } . ثمّ وصفهم فقال : { ٱلَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ } : غشاوة وغفلة { عَن ذِكْرِي } ، يعني : الإيمان والقرآن { وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً } ، أي لا يطيقون أن يسمعوا كتاب الله عزّ وجلّ ويتدبّروه ويؤمنوا به لغلبة الشقاء عليهم . وقيل : لعداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم { أَفَحَسِبَ } : أفظنّ . وقرأ عكرمة ومجاهد وعلي : ( أفحسْبُ ) ، أي كفاهم ذلك { ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي } ، يعني عيسى والملائكة { مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ } ؟ كلاّ بل هم لهم أعداء ويتبرؤون منهم . قال ابن عباس : يعني : الشياطين ، تولوهم وأطاعوهم من دون الله . وقال مقاتل : يعني : الأصنام ، وسمّاهم عباداً كما قال في موضع آخر : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } [ الأعراف : 194 ] . { إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً * قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } يعني الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يبتغون به ربحاً ، فنالوا به هلاكاً وعطباً ، ولم يدركوا ما طلبوا ، كالمشتري سلعة يرجو بها فضلاً وربحاً ، فخاب رجاؤه وخسر بيعه . واختلفوا في الذين عُنوا بذلك فقال علي بن أبي طالب : « هم الرهبان والقسوس الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع » . وقال سعد بن أبي وقّاص وابن عباس : هم اليهود والنصارى ، نظيره : { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } [ الغاشية : 3 - 4 ] . وروى سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل قال : سأل عبد الله بن الكوّا علياً عن قوله : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } ، قال : « أنتم يا أهل حروراء » . { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } ، أي يظنون أنهم بفعلهم مطيعون محسنون { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ } : بطلت وذهبت { أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } ، قال أبو سعيد الخدري : يأتي أُناس بأعمال يوم القيامة هي في العظم عندهم كجبال تهامة ، فإذا وزنوها لم تزن شيئاً ، فذلك قوله : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } . [ حدثنا القاضي أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن حبيب إملاءً : أبو بكر أحمد بن إسحاق ابن أيّوب عن محمد بن إبراهيم : يحيى بن بكير بن المغيرة عن أبي الزيّاد عن ] الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن جناح بعوضة ، اقرؤوا : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } " . [ أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان عن مكي بن عبدان عن عبد الرحمن بن بشر عن مروان ابن معاوية عن ] المغيرة بن مسلم عن سعيد بن عمرو بن عثمان قال : سمعت عثمان بن عفّان ( رضي الله عنه ) يقول : الربا سبعون باباً أهونهن مثل نكاح الرجل أُمه . قال : وأربى الربى عرض أخيك المسلم تشتمه . قال : ويؤتى يوم القيامة بالعظيم الطويل الأكول الشروب الذي يشرب الظرف في المجلس فيوزن فلا يعدل جناح بعوضة ، خاب ذلك وخسر ، ثمّ تلا هذه الآية : { فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } . { ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً } ، يعني سخرية . { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } اختلفوا في الفردوس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الجنّة مئة درجة ، ما بين كلّ درجتين كما بين السماء والأرض . أعلاها الفردوس ، ومنها تفجر أنهار الجنة ، وفوقها عرش الرحمن فسلوه الفردوس " . [ وأخبرنا عبد الله بن حامد عن مكّي بن عبدان عن مسلم بن الحجاج عن نصر بن علي وإسحاق بن إبراهيم وأبي غسان واللفظ له قالوا : قال أبو عبد الصمد : قال ] عمران الجويني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبّي صلى الله عليه وسلم قال : " جنّات الفردوس أربع : جنتان من ذهب أبنيتهما ومافيهما ، وجنتان من فضّة أبنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاّ رداء الكبرياء على وجهه " . وقال شهر : خلق الله جنّة الفردوس بيده فهو يفتحها في كل يوم خميس فيقول : ازدادي حسناً وطيباً لأوليائي . وقال قتادة : الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها وأرفعها . وقال أبو أُمامة : الفردوس سرة الجنّة . وقال كعب : ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس وفيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر . وقال مجاهد : هو البستان بالرومية . وقال كعب : هو البستان فيه الأعناب . وقال الضحاك : هي الجنّة الملتفة الأشجار . وقيل : هي الروضة المستحسنة . وقيل : هي الأودية التي تنبت ضروباً من النبات ، وجمعها فراديس : وقال أُمية : @ كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة فيها الفراديس والفومان والبصل @@ { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } أي يطلبون عنها تحولاً إلى غيرها ، وهو مصدر مثل الصعَر والعِوج . قال مخلد بن الحسين : سمعت بعض أصحاب أنس قال : يقول أولهم دخولاً : إنما أدخلني الله أولهم ؛ لأنه ليس أحد أفضل منّي . ويقول آخرهم دخولاً : إنما أخّرني الله ، لأنه ليس أحد أعطاه مثل الذي أعطاني . { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ } الآية ، قال ابن عباس : قالت اليهود : يا محمد تزعم أنا قد أوتينا الحكمة ، وفي كتابك : { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [ البقرة : 269 ] ثمّ يقول : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [ الإسراء : 85 ] فكيف يكون هذا ؟ فأنزل الله تعالى { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ } أي ماؤه { قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } حكمه وعجائبه . وقرأ أهل الكوفة ( قبل أن ينفد ) بالياء ؛ لتقدم الفعل ، { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } : عوناً وزيادة . وفي مصحف أُبي : ( ولو جئنا بمثله مداداً ) ونظيرها قوله عزّ وجلّ { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } [ لقمان : 27 ] الآية . { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } قال ابن عباس : نزلت في جندب بن زهير العامري ، وذلك أنه قال للنبّي صلى الله عليه وسلم إنّي أعمل لله ، فإذا اطّلع عليه سرنّي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ الطيب ولا يقبل ما شورك فيه " ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال أنس : قال رجل : يانبي الله ، إنّي أُحب الجهاد في سبيل الله ، وأُحب أن يُرى مكاني ، فأنزل الله : { قُلْ } يا محمد : { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } : خلق آدمي مثلكم . قال ابن عباس : علّم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه ، { يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } لا شريك له { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } : المصير إليه . وقيل : معناه يأمل رؤية ربّه ، فالرجاء يتضمّن معنيين : الخوف والأمل ، قال الشاعر : @ فلا كل ما ترجو من الخير كائن ولا كل ما ترجو من الشر واقع @@ فجمع المعنيين في بيت واحد . { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً } : خالصاً { وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } ، أي ولا يراءِ . قال شهر ابن حوشب : جاء رجل إلى عبادة بن الصامت ، فقال : أرأيت رجلاً يصلي يبتغي وجه الله عزّ وجلّ ويحب أن يحمد عليه ، ويصوم يبتغي وجه الله عزّ وجلّ ويحب أن يحمد ، ويتصدّق يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد عليه ، ويحجّ يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد عليه ؟ فقال عبادة : ليس له شيء ، إن الله عزّ وجلّ يقول : " أنا خير شريك ، فمن كان له معي شريك فهو له كله ولا حاجة لي منه " . [ أخبرنا عبد الله بن حامد عن محمد بن عبد الله الجوهري عن حامد بن شعيب البجلي عن شريح بن يونس عن إسماعيل بن جعفر قال : أخبرني العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقوا الشرك الأصغر » . قالوا : وما الشرك الأصغر ؟ قال : « الرياء يوم يجازي الله النّاس بأعمالهم " أخبرنا عبد الله بن حامد عن مكّي بن عبدان عن عبد الله بن هاشم عن عبد الرحمن عن ] سفيان عن سلمة قال : سمعت جندباً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سمّع سمّع الله به ، ومن يراءِ يراءِ الله به " . وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبّي صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا الشرك الأصغر " . قالوا : وما الشرك الأصغر ؟ قال : " الرياء يوم يجازي الله الناس بأعمالهم " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا نزلت هذه الآية : " إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفيّ ، وإيّاكم وشرك السرائر فإن الشرك أخفى في أُمتي من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء . ومن صلى يرائي فقد أشرك ، ومن صام يرائي فقد أشرك ، ومن تصدّق يرائي فقد أشرك " . قال : فشقّ ذلك على القوم ، فقال رسول الله : " أولا أدلّكم على ما يُذهب عنكم صغير الشرك وكبيره ؟ » . قالوا : بلى يا رسول الله . قال : قولوا : « اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم " . وقال عمرو بن قيس الكندي : سمعت معاوية بن أبي سفيان على المنبر تلا هذه الآية ، { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } الآية ، فقال : إنها آخر آية نزلت من القرآن . وروى سعيد بن المسيب عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أوحي إلّي أن من قرأ : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } الآية رفع له نور ما بين عدن أبين إلى مكة حشوه الملائكة " . [ وأخبرني محمد بن القاسم عن محمد بن زيد قال : أبو يحيى البزاز عن أحمد بن يوسف عن محمد بن العلا عن زياد بن قايد عن ] سهل بن معاذ عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نوراً من قرنه إلى قدمه ، ومن قرأها كلّها كانت له نوراً من الأرض إلى السماء " .