Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 130-134)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } أي يترك دينه وشريعته . يقال : رغب في الشيء إذا أردته ورغبت عنه إذا تركته . وأصل الرّغبة : رفع الهمّة عن الشيء وإليه يقال : رغب فلان في فلان وإليه إذا همّت نفسه إليه ، والأصل فيه الكرة فمعنى قوله تعالى { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ } أي يرفع همّته عنها { إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } . قال ابن عبّاس : حيّر نفسه . حيّان عن الكلبي : ظلّ من [ جهة ] نفسه . أبو روق : عجَّز رأيه عن نفسه . يمان : حمق رأيه ، ونفسه منصوب في هذه الأقاويل بنزع حرف الصّفة . وقال الفرّاء : نصب على التفسير ، والأصل : سفهت نفسه فلمّا أضاف الفعل إلى صاحبها خرجت النفس مفسَّرة ليعلم موضع السفه كما يقال : ضقت به ذرعاً معناه : ضاق ذرعي به ، ويقال : ألم زيدُ رأسه ووجع بطنه . وقال أبو عبيدة : سفه نفسه : أي أوبق نفسه وأهلكها . هشام وابن كيسان : جهل نفسه . وحكى المفضّل بن سلمة عن بعضهم سفه . حقّر نفسه . والنفس على هذه الأقوال نصب لوقوع الفعل عليه وهذا كما جاء في الخبر : " من عرف نفسه فقد عرف ربّه " . وأصل السفه والسفاهة : الخفّة والجهل وضعف الرأي يقال سفه يسفه وسفه يسفه . { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ } اخترناه { فِي ٱلدُّنْيَا } وأصل الطاء فيه تاء حوّلت طاء لقرب مخرجيها ولتطوع اللسان به . { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } الفائزين . قال الزجّاج وقال ابن عبّاس : يعني مع آبائه الأنبياء في الجنّة بيانه قوله : خطابه عن يوسف { تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } [ يوسف : 101 ] . وقال الحسين بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير تقديرها لقد إصطفيناه في الدنياّ والأخرة بأنّه لمن الصالحين نظيرها في سورة النحل . { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } أي استقم على الإسلام أو اثبت عليه لأنّه كان مُسلماً كقوله تعالى { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ محمد : 19 ] أي أثبت على علمك . وقال ابن عبّاس : إنّما قال له ذلك حين ألُقي في النّار ، وعن ابن كيسان : أخلص دينك لله بالتوحيد . عطاء : أسلم نفسك إلى الله ، وفوّض أمورك لله ، وقيل : إخضع وإخشع . { قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } { وَوَصَّىٰ } في مصحف عبد الله : فوّصى ، وقال أهل المدينة والشام : وأوصى بالألف ، وكذلك هو في مصاحفهم . قال أبو عبيد : وكذلك رأيت في مصحف عثمان ، وقرأ الباقون " ووصّى " مشدداً ، وهما لغتان ، يُقال : أوصيته قد وصيته به إذا أمرته به مثل : أنزل ونزّل . قال الله { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } [ الطارق : 17 ] ، وتصديق الأيصاء قوله { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } [ النساء : 11 ] ، وقوله { يُوصِينَ } [ النساء : 12 ] ، ودليل التوصية قوله { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [ العنكبوت : 8 ] ، وقوله { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } [ يس : 50 ] . الكلبي ومقاتل : يعني كلمة الأحاد لا إله إلاّ الله ، وقال أبو عبيدة : إن شئت رددت الكناية إلى الملّة لأنّه ذكر ملّة إبراهيم وأن شئت رددتها إلى الوصية . وقال المفضل : بالطاعة كناية عن غير مذكور ، كقوله { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ ص : 32 ] ، وقال طرفة : @ على مثلها الحواء إذا قال صاحبي ألا ليتني أفديك عنها وافتدي @@ أي من الفلاة . { بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ } التمنية : إسماعيل وأمّه هاجر القبطية ، وإسحاق وأمّه سارة ، ومدين و [ … سراين ] ونقشان ، وآتون ، ويشبق ، وشوخ ، وأمّهم جميعاً قطورا بنت يقطن الكنعانية تزوّجها إبراهيم بعد وفاة سارة . وقوله تعالى { وَيَعْقُوبُ } وسُمي بذلك لأنه والعيص كانا توأمين فتقدّم عيص في الخروج من بطن أمّه وخرج يعقوب على أثره فأخذ يعقبه . قاله ابن عبّاس وقد مضت القصّة . وقيل : سُمّي يعقوب لكثرة عقبه ، وعن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بُعثت على أثر ثمانية الآف نبيّ أربعة آلاف من بني إسرائيل " . ومعنى الآية : ووصى بها أيضاً ، ويعقوب : بنيه الأثني عشر وهم روفيل أكبر ولده وشمعون ولاوي وهودا وفريالون وسجر ودان ومفتالي وجاد واشرب ويوسف وابن يافين . { يَابَنِيَّ } معناه أن يا بنيّ ، وكذلك في قراءة أُبي وابن مسعود ، وقال الفراء : إنّما قال ذلك لأنّ الوصية قول وكان تقديره وقال : يا بنيّ كقوله { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } [ المائدة : 9 ] أي وقال لهم لأنّ العبرة بالقول وقال { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ } [ النساء : 11 ] معناه ويقول للذكر مثل حظ الأنثيين . وقال الشاعر : @ إنّي سأبدي لك فيما أُبدي من شجنان شجن نجد وشجن لي ببلاد الهند @@ أي وأقول لأنّ الابداء في المعنى كالقول باللسان . وحكى ابن مجاهد عن بعضهم ويعقوب أيضاً نسقاً على بنيه لأنه في جملة الموصّين . { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ } اختار لكم الإسلام . { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } مؤمنون وقيل : مخلصون وقيل : مفوضون وعن الفضيل ابن عياض في قوله : { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } أي محسنون بربّكم الظن . { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ } حضوراً . { إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ } الآية نزلت في اليهود حين قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم ألست تعلم إنّ يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية ؟ وعلى هذا القول [ … ] بن الخطاب لليهود . وقال الكلبي : لمّا دخل يعقوب مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيّران فجمع ولده وخاف عليهم ذلك . { إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي } قال عطاء : إنّ الله لم يقبض نبيّاً حتّى يخيّره بين الموت والحياة فلمّا خيّر يعقوب قال : أنظرني حتّى أسأل ولدي وأوصيهم ففعل الله ذلك به ، فجمع ولده وولد ولده وقال لهم : قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي ؟ أي من بعد موتي . { قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ } الآية ، وقرأ أُبي : إلهك وإله إبراهيم وإسماعيل . وقرأ يحيى بن يعمر الجحدري : وإله أبيك على الواحد ، قالوا : لأنّ إسماعيل عم يعقوب لا أبوه . وقرأ العامّة : آبائك على الجمع وقالوا : عم الرّجل صنو أبيه . قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " هذا بقية آبائي " ، وقال أيضاً : " ردّوا عليّ أبي فإني أخشى أن يفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود " يعني العبّاس . والعرب تسمّي العمّ أباً وتسمّي الخالة أمّاً قال الله تعالى { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [ يوسف : 100 ] يعني يعقوب وليّا وهي خالة يوسف . { إِلَـٰهاً وَاحِداً } أي نعرفه ونعبده إلهاً واحداً . { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } { تِلْكَ أُمَّةٌ } جماعة { قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ } من الدين والعمل . { وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } منها . { وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وإنّما تسألون عمّا تعملون أنتم .