Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 142-143)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ } الجهال . { مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ } صرفهم وحوّلهم . { عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا } من بيت المقدس . نزلت في اليهود ومشركي العرب بمكّة ومنافقي المدينة طعنوا في تحويل القبلة وقال مشركوا مكّة : قد تردّد على محمّد أمره واشتاق إلى مولده ومولد آباءه قد توجّه نحو قبلتكم وهو راجع إلى دينكم عاجلاً . قال الله { قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } ملكاً والخلق عبيدهُ يحولهم كيف شاء . { يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } عدلاً خياراً . تقول العرب : إنزل وسط الوادي : أي تخيّر موضعاً فيه ، ويُقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو وسط قريش نسباً أي خيرهم : قال الله تعالى و { قَالَ أَوْسَطُهُمْ } [ القلم : 28 ] ، أي أخيرهم وأعدلهم ، وأصله هو أنّ خير الأشياء أوسطها . قال زهير : @ هم وسط ترضى الأنام لحكمهم إذا نزلت احدى الليالي بمعظم @@ وقال الكلبي : يعني متوسطة أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنّهما مذمومان في الدّين . قال ثعلب : يُقال : جلس وسط القوم ووسط الدّار ، وكذلك فيما يُحتمل البينونة ( واحتمل وسطاً له ) بالفتح وكذلك فيما لا يحتمل البينونة . نزلت هذه الآية في مرحب وربيع وأصحابهما من رؤساء اليهود قالوا لمعاذ بن جبل : ما ترك محمّد قبلتنا إلاّ حسدا ، وإنّ قبلتنا قبلة الأنبياء ، ولقد علم محمّد إنّا عدل بين النّاس . فقال معاذ : إنّا على حق وعدل . فأنزل الله { وَكَذَلِكَ } أي وهكذا ، وقيل الكاف فيه للتشبيه تقديره : وكما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم كذلك جعلناكم أُمّة وسطاً . مردودة على قوله { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا } [ البقرة : 130 ] الآية . { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } يوم القيامة أنّ الرُّسل قد أبلغتهم . { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ } محمّد صلى الله عليه وسلم . { عَلَيْكُمْ شَهِيداً } معدلاً مزكيّاً لكم ؛ وذلك إنّ الله تعالى جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد يُسمعهم الدّاعي ، وينقذهم البصر ثمّ يقول كفّار الأُمم . ألم يأتكم نذير فتشكرون ، ويقولون : ما جاءنا من نذير . فيُسأل الأنبياء عن ذلك فيقولون : قد كذّبوا ، قد بلغناهم وأُعذرنا إليهم : فيسألهم البينّة ، وهو أعلم بأقامة الحجة . فيُوتى بأمّة محمّد صلى الله عليه وسلم فيشهدون لهم . إنّهم قد بلغوا فتقول الأُمم الماضية : من أين علموا بذلك وبيننا وبينهم مدة مريدة ؟ فيقولون : علمنا ذلك باخبار الله أيانا في كتابه الناطق على لسان رسوله الصادق . فيؤتى محمّد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أُمّته . فيزكّيهم ويشهد لصدقهم . { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ } يعني التحويل عن القبلة الّتي كنت عليها وهي بيت المقدس . وقيل : معناه القبلة الّتي أنت عليها أي الكعبة كقوله { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } [ آل عمران : 110 ] أي أنتم . { إِلاَّ لِنَعْلَمَ } لنرى ونميّز { مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ } في القبله . { مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } فيرتد ويرجع إلى قبلته الأولى هذا قول المفسرين وقال أهل المعاني : معناه إلاّ لعلمنا مَن يتبع الرسول ممّن ينقلب على عقبيه كأنّه سبق ذلك في علمه إنّ تحويل القبلة سبب هداية قوم وضلالة أخرين ، وقد تضع العرب لفظ الاستقبال موضع المضي كقوله : { فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ } [ البقرة : 91 ] أي قتلتم . وأنزل بعض أهل اللّغة : للعلم منزلتين : علماً بالشيء قبل وجوده وعلماً به بعد وجوده والحكم للعلم الموجود لأنّه يوجب الثواب والعقاب فمعنى قوله { لِنَعْلَمَ } أي لنعلم العلم الّذي يستحقّ به العامل الثّواب والعقاب وهذا على معنى التقدير كرجل قال لصاحبه : النّار تحرق الحطب ، وقال الآخر : لا ، فردّ عليه . هات النّار والحطب ، ليعلم إنّها تحرقه أي ليتقرر علم ذلك عندك . وقوله : لنعلم تقديره ليتقرّر علمنا عندكم ، وقيل معناه : ليعلم محمّد صلى الله عليه وسلم فأضاف علمه عليه السلام إلى نفسه سبحانه تخصيصاً وتفصيلاً كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ } [ الأحزاب : 57 ] وقوله { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا } [ الزخرف : 55 ] ونحوهما { وَإِن كَانَتْ } وقد كانت توليه القبلة وتحويلها فأنّث الفعل لتأنيث الإسم كقولهم : ذهبت بعض أصابعه وقيل : هذه الكناية راجعة إلى القبلة بعينها أراد وان كانت الكعبة . { لَكَبِيرَةً } ثقيلة شديدة . { إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ } أي هداهم الله وقال سيبويه : ( وانّ ) تأكيد منه باليمين ولذلك دخلت اللاّم في جوابها . { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } وذلك إنّ حيى بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس أكانت هدىً أم ضلاله ؟ فإن كانت هدىً فقد تحولتم عنها وان كانت ضلالة لقد دنتم الله بها فإن من مات منكم عليها لقد مات على الضلالة . قال المسلمون : إنّما الهدى ما أمر الله تعالى به والضلالة ما نهى الله عنه . قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا ؟ وكان مات قبل أن تحوّل القبلة ؟ أسعد بن زرارة من بني النجّار والبراء بن معرور من بني سلمة وكانا من النقباء ومات رجال آخرون . فانطلقت عشائرهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } أي صلاتكم إلى بيت المقدس . { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } وفي رؤوف ثلاث قراءات : مهموز مثقّل وهي قراءة نافع وابن عامر وحفص واختيار أبو حاتم قال : لأنّ أكثر أسماء الله على فعول وفعيل . قال الشاعر : @ نطيع رسولنا ونطيع ربّاً هو الرّحمن كان بنا رؤوفا @@ وروف غير مهموز مثقّل قراءة أبي جعفر . ورؤف مهموز مخفف وهي قراءة الباقين واختيار أبي عبيد . قال جرير : @ ترى للمسلمين عليك حقّاً كفعل الوالد الرؤف الرّحيم @@ فالرأفة أشدّ الرحمة .