Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 268-271)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ } أي بالفقر فحذف الباء كقول الشاعر : @ أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نسب @@ ويقال : وعدته خيراً ووعدته شرّاً ، قال الله تعالى في الخير : { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } [ الفتح : 20 ] وفي الشر : { ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الحج : 72 ] فإذا لم يذكر الخير والشرّ قلت في الخير : وعدته ، وفي الشر : أوعدته وأنشد أبو عمرو : @ وإنّي وإن أوعدته أو وعدته لمخلف أيعادي ومنجز موعدي @@ والفقر : سوء الحال وقلّة اليد ، وفيه لغتان : الفَقر والفُقر كالضَعف والضُعْف . وأصله من كسر الفقار ، يقال : رجل فقّار وفقير ، أي مكسور فقار الظهر . قال الشاعر : @ وإذا تلسنني ألسنتها إنني لست بموهون فقر @@ ومعنى الآية : إنّ الشيطان يخوّفكم بالفقر ويقول للرجل أمسك مالك فإن تصدّقت افتقرت . { وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ } أي البخل ومنع الزكاة . وزعم مقاتل [ بن حيان ] أنّ كلّ فحشاء في القرآن فهو الزنا إلاّ في هذه الآية . { وَٱللَّهُ يَعِدُكُم } أي يجازيكم ، وعد الله إلهام وتنزيل ، ووعد الشيطان وساوس وتخيّل . { مَّغْفِرَةً مِّنْهُ } لذنوبكم { وَفَضْلاً } أي رزقاً وخلفاً { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ } غني { عَلِيمٌ } يقال : مكتوب في التوراة : عبدي أنفق من رزقي ، أبسط عليك من فضلي . { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ } قال السدي : هي النبوّة . ابن عباس وقتادة وأبو العالية : علم القرآن : ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدّمه ومؤخّره ، وحلاله وحرامه . الضحاك : القرآن والحكم فيه . وقال : في القرآن مائة وتسع آيات ناسخة ومنسوخة ، وألف ( آية ) حلال وحرام ، ولا يسع المؤمنين تركهن حتّى يتعلّموهن فيعلموهن ، ولا تكونوا كأهل النهروان تأوّلوا آيات من القرآن في أهل القبلة وإنّما نزلت في أهل الكتاب ، جهلوا علمها فسفكوا بها الدماء وشهدوا عليناً بالضلال وانتهبوا الأموال . فعليكم بعلم القرآن فإنّه مَنْ علم فيما أنزل لم يختلف في شيء منه نفع وأنتفع به . مجاهد : أما أنّها ليست بالنبوّة ولكنّها القرآن والعلم والفقه . وروى ابن أبي نجيح : الإصابة في القول والفعل . ابن زيد : العقل . ابن المقفّع : كلّ قول أو فعل شهد العقل بصحّته . إبراهيم : الفهم . عطاء : المعرفة بالله عزّ وجلّ . ربيع : خشية الله . سهل بن عبد الله التستري : الحكمة : السنة . وقال بعض أهل الاشارة : العلم الرباني . وقيل : إشارة بلا علّة ، وقيل : إشهاد الحق تعالى على جميع الأحوال . أبو عثمان : هو النور المفرّق بين الإلهام والوسواس . وقيل : تجريد السرّ لورود الإلهام . القاسم : أن يحكم عليك خاطر الحق ولا تحكم عليك شهوتك . بندار بن الحسين وقد سئل عن قوله تعالى { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ } . فقال : سرعة الجواب مع إصابة الصواب . وقال أهل اللغة : كلّ فضل جرّك من قول أو فعل وهي أحكام الشيء المفضّل . [ … ] الحكمة الرد إلى الصواب ، وحكمة الدابة من ذلك لأنّها تردّها إلى القصد . منصور بن عبد الله قال : سمعت الكتابي يقول : إنّ الله بعث الرسل بالنصح لأنفس خلقه ، فأنزل الكتب لتنبيه قلوبهم وأنزل الحكمة لسكون أرواحهم ، والرسول داع إلى الله ، والكتاب داع إلى أحكامه ، والحكمة مشيرة إلى فضله . { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ } قرأ الربيع بن خيثم : تولي الحكمة ومَنْ تؤت الحكمة بالتاء فيها . وقرأ يعقوب { وَمَن يُؤْتَ } بكسر التاء أراد مَنْ يؤته الله . وقرأ الباقون { وَمَن يُؤْتَ } بفتح التاء على الفعل المجهول . و { وَمَن } في محل الرفع على اسم مالم يسمَ فاعله ، والحكمة خبرها . الحسن بن دينار عن الحسن في قوله : { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ } هو الورع في دين الله عزّ وجلّ . { فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ } يتعظ { إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } ذوي العقول ، واللب من العقل ما صفا من دواعي الهوى . { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ } فيما فرض الله عليكم { أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ } أوما أوجبتموه أنتم على أنفسكم فوفّيتم به . والنذر نذران : نذرٌ في الطاعة ، ونذر في المعصية . فإذا كان لله فالوفاء به واجب وفي تركه الكفّارة ، وما كان للشيطان فلا وفاء ولا كفارة . { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ } ويحفظه حتّى يجازيكم به . وإنّما قال { يَعْلَمُهُ } ولم يقل يعلمها ؛ لأنّه ردّه إلى الآخر منها كقوله { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } [ النساء : 112 ] . قاله الأخفش ، وإن شئت حملته على ما ، كقوله تعالى : { وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ } [ البقرة : 231 ] ولم يقل بها . { وَمَا لِلظَّالِمِينَ } الواضعين النفقة والنذر في غير موضعها بالرياء والمعصية { مِنْ أَنْصَارٍ } أعوان يدفعون عذاب الله عزّ وجلّ عنهم ، والأنصار : جمع نصير ، مثل شريف وأشراف وحبيب وأحباب . { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } وذلك أنهم قالوا : يارسول الله صدقة السر أفضل أم صدقة العلانيّة ؟ فأنزل الله تعالى : { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ } أي تظهروها وتعلنوها { فَنِعِمَّا هِيَ } أي نعمت الخصلة هي . و { مَّا } في محل الرفع و { هِيَ } لفظ في محل النصب كما تقول : نِعم الرجل رجلاً ، فإذا عرفت رفعت فقلت : نعم الرجل زيد . فأصله نعم ما فوصلت وادغمت ، وكان الحسن يقرأها فنعم ما مفصولة على الأصل ، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع غير ورش وعاصم برواية أبي بكر . وأبو عمرو وأبو بحرية : فنِعمّا بكسر النون وجزم العين ومثله في سورة النساء ، واختاره أبو عبيدة ذكر أنّها لغة النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن العاص : " نعمّا بالمال الصالح للرجل الصالح " هكذا روي في الحديث . وقرأ ابن عامر ويحيى بن ثابت والأعمش وحمزة والكسائي وخلف بفتح النون والعين فيهما . وقرأ طلحة وابن كثير ويعقوب وأيوب بكسر النون والعين واختاره أبو حاتم ، وهي لغات صحيحة ، ونعَم ونِعم لغتان جيدتان ، ومن كسر النون والعين اتبع الكسرة الكسرة لئلا يلتقي ساكنان : سكون العين وسكون الادغام . { وَإِن تُخْفُوهَا } تسرّوها { وَتُؤْتُوهَا } تعطوها { ٱلْفُقَرَآءَ } في السر { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } وأفضل ، وكلٌّ مقبول إذا كانت النيّة صادقة ولكن صدقة السر أفضل . وفي الحديث : " صدقة السر تطفي غضب الرب وتطفي الخطيئة كما يطفيء الماء النار ، وتدفع سبعين باباً من البلاء " حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه : الإمام العدل ، وشاب نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ ، ورجل قلبه معلّق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا عليه وتفرّقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال : إنّي أخاف الله تعالى ، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لم تعلم يمينه ما ينفق شماله ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " . { وَيُكَفِّرُ عَنكُم } شهر بن حوشب عن ابن عباس أنّه قرأ ويكفّر بالياء والرفع على معنى يكفّر الله . وقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو ويعقوب : بالنون ورفع الراء على الاستئناف ، أي نحن نكفّر على التعظيم . وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع والأعمش وحمزة والكسائي وأيوب وأبو حاتم : بالنون والجزم معاً على الفاء التي في قوله { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } لأن موضعها جزم الجزاء . { مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } أدخل { مِّن } للتبعيض ، وعلّته : المشيئة ليكون العباد فيها على وجل ولا يتّكوا . وقال نحاة البصرة : معناه : الاسقاط ، تقديره : ونكفّر عنكم سيئاتكم . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } وقال أهل هذه المعاني : هذه الآية في صدقة التطوّع لإجماع العلماء ان الزكاة المفروضة أعلانها أفضل كالصلاة المكتوبة . فالجماعة أفضل من أفرادها وكذلك سائر الفرائض لمعنيين : أحدهما ليقتدي به الناس . والثاني إزالة التهمة لئلاّ يسيء الناس به الظن ولا رياء في الغرض ، فأمّا النوافل والفضائل فإخفاؤها أفضل لبعدها من الرياء والآفات ، يدل عليه ما روى عمّار الذهبي عن أبي جعفر أنّه قال في قوله { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } قال : يعني الزكاة المفروضة ، { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } يعني التطوّع . وعن معد بن سويد الكلبي يرفعه : " إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن الجهر بالقراءة والإخفاء بها فقال : هي بمنزلة الصدقة { فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } " كثير بن مرّة عن عقبة بن عامر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " المسرّ بالقرآن كالمسر بالصدقة والجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة " . وروى علي بن طلحة عن ابن عباس في هذه قال : جعل الله عزّ وجلّ صدقة التطوّع في السر تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً ، وصدقة الفريضة تفضل علانيتها بخمسة وعشرين ضعفاً ، وكذلك جميع الفرائض والنوافل .