Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 283-286)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً } . قرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد : كتاباً ، وقالوا : ربّما وجد الكاتب ولم يجد المداد ولا الصحيفة ، وقالوا : لم تكن [ قبيلة ] من العرب إلاّ كان فيهم كاتب ولكن كانوا لا يقدرون على القلم والدواة . وقرأ الضحاك : كُتّاباً على جمع الكاتب . وقرأ الباقون : كاتباً على الواحد وهو الأنسب مع المصحف . { فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } . قرأ ابن عباس وإبراهيم وزر بن حبيش ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو : فرهن بضم الراء والهاء . وقرأ عكرمة والمنهال وعبد الوارث : فرُهن بضم الراء وجزم الهاء ، وقرأ الباقون : فرهان وهو جمع الرهن ، ذلك [ نحو ] فعل وفعال ، وحبل وحبال وكبش وكباش ، وكعب وكعّاب . والرهن جمع الرهان : جمع الجمع ، قاله الفراء والكسائي . وقال غيرهما وأبو عبيدة : هو جمع الرهن . قالوا : ولم نجد فعلاً يجمع على فُعَل إلاّ ثمانية أحرف : خَلق وخُلق ، وسَقف وسُقف ، وقَلب وقُلب ، [ وجَد وجُد بمعنى الحظ ، وثط وثُط ، وورد ووُرد ، ] ونَسر ونُسر . ورَهن ورهن . قال الأخطل وعمرو بن أبي عوف : [ … ] به حتّى يغادره العقبان والنسُر . وأنشد الفراء : @ حتّى إذا بلّت حلاقيم الحلق أهوى لأدنى فقرة على شفق @@ وقال أبو عمرو : وإنّما قرأنا ( فرُهُن ) ليكون قرفاً [ بينها وبين ] رهان الخيل ، وأنشد لقعنب ابن أم الصاحب : @ بانت سعاد وأمسى دونها عدن وغلّقت عندها من قلبك الرهن @@ أي وحب لها . والتخفيف والتثقيل في الرهن لغتان مثل كُتبّ وكتب ورسلّ ورسل . ومعنى الآية : وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً الآن للكتابة فارتهنوا ممن تداينونه رهوناً ليكون وثيقة لكم بأموالكم . وأجمعوا : إن الرهن لا يصح إلاّ بالقبض ، وقال مجاهد : ليس الرهن إلاّ في السفر عند عدم الكاتب . وأجاز غيره في جميع الأحوال . ورهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهوديّ . { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً } . مدني . حرف أُبيّ ، { فَإِنْ أَمِنَ } . يعني : فإن كان الذي عليه الحق أميناً عند صاحب الحق فلم يرتهن منه شيئاً لثقته وحسن ظنّه { فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ } . أفتعل من الأمانة ، وهي الثقة كتبت همزتها واواً لاضمام ماقبلها { أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ } . في أداء الحق . ثم رجع إلى خطاب الشهود فقال : { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ } . إذا دُعيتم إلى إقامتها ، وقرأ السلمي : ولا يكتموا بالياء ومثله يعملون . ثم ذكر وعيد كتمان الشهادة فقال عزّ مَنْ قائل : { وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } . فاجر قلبه وهو ابتداء وخبر . وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة : فإنّه أثم قلبه على وزن أفعل أي جعل قلبه أثماً . { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } . من بيان الشهادة وكتمانها . روى مكحول عن أبي بردة عن أبيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ كتم الشهادة إذا دُعي ، كان كمن شهد بالزور " . { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . الآية . اختلف العلماء في هذه الآية ، فقال قوم : هي خاصة . ثم اختلفوا في وجه خصوصهاً ، فقال بعضهم : نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها يعني : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } . أيّها الشهود من كتمان الشهادة { أَوْ تُخْفُوهُ } . الكتمان { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } . وهو قول الشعبي وعكرمة ورواية مجاهد ومقسم عن ابن عباس ، يدلّ عليه قوله فيما قبله : { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ } . وقال بعضهم : نزلت هذه الآية فيمن يتولّى الكافرين من المؤمنين . يعني : وإن تعلنوا ما في أنفسكم من ولاية الكفّار أو تستروه يُحاسبكم الله . وهو قول مقاتل والواقدي . يدلّ عليه قوله في آل عمران : [ { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ } من ولاية الكفّار { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } [ 29 ] يدلّ عليه ماقبله . وقال آخرون : هذه الآية عامّة . ثم اختلفوا في وجه عمومها ، فقال بعضهم : هي منسوخة . روت الرواية بألفاظ مختلفة . قال : لمّا نزلت هذه الآية " جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس من الأنصار إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب وقالوا : يارسول الله والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية وإنّا لا نسر أن يكون لأحدنا الدنيا وما فيها وإنّا لمأخوذون ما نحدّث به أنفسنا هلكنا والله ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم " هكذا نزلت " . قالوا : هكلنا وكُلّفنا من العمل ما لا نطيق . قال : " فلعلّكم تقولون كما قال بنو إسرائيل لموسى عليه السلام سمعنا وعصينا ، بل قولوا : سمعنا وأطعنا " . واشتد ذلك عليهم فمكثوا بذلك حولا ، فأنزل الله عزّ وجلّ الفرج والراحة بقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . فنسخت الآية ماقبلها . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم إنّ الله عزّ وجلّ قد تجاوز لأمّتي ما حدّثوا به أنفسهم مالم يعملوا أو يتكلّموا به " وهذا قول ابن مسعود وأبي هريرة وعائشة وابن عباس برواية سعيد بن جبير وعطاء ، ومن التابعين وأتباعهم محمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة وقتادة والكلبي وشيبة . قال سعيد بن مرجانة : بينما نحن جلوس عند عبد الله بن عمر إذ تلا هذه الآية { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } . فقال ابن عمر : إن أخذنا الله بها لنهلكن ، ثم بكا حتى سُمع . قال ابن مرجانة : فذكرت ذلك لابن عباس فقال : يغفر الله لأبي عبد الرحمن فقد وجد المسلمون منها حين نزلت مثل ما وجد فأنزل الله { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . وكانت الوسوسة ممّا لا طاقة للمسلمين بها ، فصار الأمر إلى القول والفعل به فنسخت تلك الآية . وقال بعضهم : هذه الآية محكمة غير منسوخة ، لأن النسخ والأخبار غير جائز إلاّ في خبر فيه أمر أو نهي أو شرط . ثم اختلفوا في وجه تأويلها فقال قوم من أهل المعاني : قد اثبت الله عزّ وجلّ للقلب كسبا فقال : { بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } [ البقرة : 225 ] . وكلّ عامل مأخوذ بكسبه ومجازى على عمله ، [ فلا تظنّ ] الله عزّ وجلّ بتارك عبداً يوم القيامة أسرّ أمراً أو أعلنه من حركة في جوارحه أو [ همسة ] في قلبه دون أن يعرّفه إياه ويخبرهُ به ، ثم يغفر ما شاء لمن يشاء ويعذّب مَنْ شاء بما يشاء . معنى الآية : وإن تظهروا مافي أنفسكم من [ المعاصي ] فتعملوه أي تضمروا إرادتها في أنفسكم فتخفوها يخبركم به ويحاسبكم عليه ، ثم يغفر لمن يشاء ويعذّب مَنْ يشاء . وهذا معنى قول الحسن ، والربيع ، وقيس بن أبي حازم ، ورواية الضحاك عن ابن عباس ، يدلّ عليه قوله تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] . وقال آخرون : معنى الآية إن الله تعالى يُحاسب خلقه بجميع ما أبدوا من أعمالهم وأخفوه ، ويعاقبهم عليه غير أن معاقبته إيّاهم على ما أخفوه ممّا لم يعملوها ، بما يحدث في الدنيا من النوائب والمصائب والأمور التي يحزنون عليها ويألمون بها ، وهذا قول عائشة ، روي بأنّها سُئلت عن هذه الآية فقالت : " ما سألت عنها أحد فقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمّى والنكبة حتّى الشوكة والبضاعة يضعها في [ جيبه ] فيفقدها فيفرغ لها فيجدها في جيبه ، حتّى أن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكيس " . يدلّ عليه قوله { مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ } [ النساء : 123 ] يعني في الدنيا . وقال مجاهد : في رواية منصور وابن أبي جريج قال : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } . يعني من اليقين والشك . وقال جعفر بن محمد : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } . يعني الإسلام { أَوْ تُخْفُوهُ } . يعني الإيمان . وقال بعضهم : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } . يعني مافي قلوبكم ممّا عرفتم وعقدتم عليه { أَوْ تُخْفُوهُ } . فلا تبدوه وأنتم مجمعون وعازمون عليه ، يحاسبكم به الله ، فأمّا ما حدّثتم به أنفسكم ممّا لم تعزموا عليه فإن ذلك ممّا لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها ولا يؤاخذ به . ودليل هذا التأويل قوله : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } [ البقرة : 225 ] . وعن عبد بن المبارك قال : قلت لسفيان : ليؤاخذ العبد بالهمّة ، قال : إذا كان عزما أخذ بها . وعن عمرو بن جرير قال : خرجت وأنا شاب لأمر هممت به ، فمررت بأبي طالب القاص والناس مجتمعون عليه وكان أوّل شيء تكلّم به أن قال : أيّها الهامّ بالمعصية علمت أن خالق الهمّة مطّلع على همّتك ، قال : فخررت والله مغشيّاً عليّ ، فما أفقت إلاّ عن توبة . وعن إسماعيل بن أبي خالد قال : أصابت بني اسرائيل مجاعة فمرّ رجل على رمل فقال : ( وددت ) أن هذا الرمل دقيق لي فأطعمه بني إسرائيل ، فأُعطي على نيّته . وعن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه قال : " كان رجل يطوف على العلماء ، يقول : مَنْ يدلّني على عمل لا أزال منه عاملاً لله عزّ وجلّ فإنّي أحب أن لا تأتي عليّ ساعة من الليل والنهار إلاّ وأنا عامل ، فقيل له : قد وجدت حاجتك فأعمل الخير ما استطعت ، فإذا فترت أو تركته فهمّ بعمله إنّ الهامّ بعمل الخير كعامله . وهذا يعني قول النبيّ صلى الله عليه وسلم " نيّة المؤمن خير من عمله " لأن العمل ينقطع والنيّة لا تنقطع " . وقال محمد بن علي : معنى الآية : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } . من الأعمال الظاهرة { أَوْ تُخْفُوهُ } من الأحوال الباطنة ، يحاسبكم به الله العابد على أفعاله والعارف على أحواله . وقال بعضهم : إنّ الله يقول يوم القيامة : [ يوم ] تُبلى السرائر وتخرج الضمائر ، وأن كتّابي لم يكتبوا من أعمالكم إلاّ ما ظهر منها ، وأنا مطّلع على سرائركم مالم يعلموه ولم يكتبوه فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم عليه لتعلموا أنّه لا يعزب عنّي مثقال ذرة من أعمالكم ثم أغفر لمَنْ شئت وأُعذّب مَنْ شئت . فأمّا المؤمنون فيخبرهم بذلك ويغفر لهم ولا يؤاخذهم بذلك إظهاراً لفضله ، وأمّا الكافرون فيخبرهم بها ويعاقبهم عليها إظهاراً لعدله . فمعنى الآية : وإن تبدوا ما في أنفسكم فتعملوا به أو تخفوه ممّا أضمرتم وأسررتم وأردتم ، يُحاسبكم به الله ويخبركم ويعرّفكم إياه ، فيغفر للمؤمنين ويعذّب الكافرين . وهذا معنى قول الضحاك والربيع ورواية العوفي والوالبي عن ابن عباس ، يدلّ عليه قوله : { يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } . ولم يقل : يؤاخذكم ، والمحاسبة غير المعاقبة ، والحساب ثابت والعقاب ساقط ، وممّا يُويّد هذا حديث النجوى وهو ما روى قتادة عن صفوان بن محرز قال : " بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمرو اذ عرض له رجل فقال : يا ابن عمر ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ، فقال : سمعت نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يقول : يدنو المؤمن من ربّه حتّى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول : هل أذنبت ببعض كذا ، فيقول : ربّ أعرف ، فيوقفه على ذنوبه ذنباً ذنباً ، فيقول الله : أنا الذي سترتها عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم لم يُطلع على ذلك مَلَكاً مقرّباً ولا نبيّاً مرسلاً . وأمّا الكفّار والمنافقون فينادون على رؤوس الأشهاد هؤلاء الذين كذّبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظالمين " . الأعمش عن معرور بن سويد عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُؤتى الرجل يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فيعرض عليه ، فيقال : عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا وهو يقرّ ولا ينكر ويخبأ عنه كبار ذنوبه وهو منها مشفق فيقول : اعطوه مكان كلّ سيّئة عملها حسنة ، فيقول : إنّ لي ذنوباً ما أراها هاهنا " . قال : قال أبو ذر : فلقد رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم ضحك حتّى بدت نواجذه . وقال الحسين بن مسلم : يحاسب الله عزّ وجلّ المؤمنين يوم القيامة بالمنّة والفضل ، والكافرين بالحجّة والعدل . { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } . رفعهما أبو جعفر وابن عامر وابن محيصن والحسن وعاصم ويعقوب وأختاره أبو حاتم ، ونصبها ابن عباس ، وجزمها الباقون فالجزم على النسق والرفع على الإبتداء أي فهو يغفر ، والنصب على الصرف ، وقيل : على إضمار ( أن ) الخفيفة . وروى طاووس عن ابن عباس : { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } . الذنب العظيم { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } . على الذنب الصغير { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] . { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } . الآية . روى طلحة بن مصرف عن مرّة عن عبد الله قال : لمّا أسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى ، فأعطى لنا الصلوات الخمس ، وخواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لا يشرك [ بالله ] من أمّته شيئاً إلاّ المقحمات . وعن علقمة بن قيس عن عقبة بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنزل الله عزّ وجلّ آيتين من كنوز العرش كتبهما الرحمن عزّ وجلّ قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة من ( يقولها ) بعد العشاء الآخرة مرّتين أجزأتا عنه قيام الليل : { آمَنَ ٱلرَّسُولُ } . إلى آخر السورة " . وروى أبو قلابة عن أبي الأشعث الهمداني عن النعمان بن بشير عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام أنزل فيه آيتين فختم بهما سورة البقرة ، فلا يقرآن في دار فيقربها شيطان ثلاث ليال " . وروى عبد الرحمن عن ابن زيد عن ابن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفياه " . موسى بن حذيفة عن ابن المنكدر قال : حدّثنا حديثاً رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " في آخر سورة البقرة آيات أنهنّ قرآن وأنّهن دعاء وأنّهن يرضين الرحمن " وفي الحديث : " أنّه قيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم إن بيت ثابت بن أويس بن شمّاس يزهر الليلة كالمصابيح ، قال : " لعلّه يقرأ سورة البقرة " ، فسئل ثابت فقال : قرأت سورة البقرة " . { آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } ، قيل : إن هذه الآية نزلت " حين شقّ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوعدهم الله عزّ وجلّ به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم ، فشكوا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : " لعلّكم تقولون سمعنا وعصينا كما قالت بنو اسرائيل ؟ " فقالوا : بل نقول سمعنا وأطعنا ، فأنزل الله عزّ وجلّ ثناءً عليهم وإخباراً عنهم : { آمَنَ ٱلرَّسُولُ } " أي صدّق { بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ } . من ربّه قال قتادة : " لمّا أنزلت { آمَنَ ٱلرَّسُولُ } ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم « وحق له أن يؤمن " . { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } . وفي قراءة عليّ وعبد الله : وآمن المؤمنون { كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ } . وحّد الفعل على لفظ كلّ ، المعنى : كلّ واحد منهم آمن ، فلو قال : آمنوا ، لجاز لأن ( كلّ ) قد تجيء في الجمع والتوحيد ، فالتوحيد قوله عزّ وجلّ : { كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } [ النور : 41 ] والجمع قوله { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } [ الأنبياء : 93 ] { وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [ النمل : 87 ] . { وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ } [ قرأ ] ابن عباس وعكرمة ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وخلف و { وكتابه } . على الواحد بالألف . وقرأ الباقون : ( كتبه ) بالجمع ، وهو ظاهر كقوله : { وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ } . والتوحيد وجهان : أحداهما : إنّهم أرادوا القرآن خاصّة ، والآخر : إنّهم أرادوا جميع الكتب . يقول العرب : كثر اللبن وكثر الدرهم والدينار في أيدي الناس ، يريدون الألبان والدراهم والدنانيير . يدلّ عليه قوله : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ } [ البقرة : 213 ] . { وَرُسُلِهِ } . جمع رسول . وقرأ الحسن وابن سلمة بسكون السين لكثرة الحركات ، وكذلك روى العباس عن ابن عمرو ، وروى عن نافع { وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } . مخفّفين ، الباقون بالاشباع فيها على الأصل . { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } . نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى ، وفي مصحف عبد الله لا نفرّقن . قرأ جرير بن عبد الله وسعيد بن جبير وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ويحيى بن يعمر والجحدري وابن أبي إسحاق ويعقوب : لا يفرّق بالياء على معنى لا نفرّق الكلّ ، فيجوز أن يكون خبراً عن الرسول . وقرأ الباقون بالنون على إضمار القول تقديره : وقالوا لا نفرّق كقوله تعالى : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 23 - 24 ] وقوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ } [ آل عمران : 106 ] يعني فيقال لهم : أكفرتم . وقوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } [ السجدة : 12 ] أي يقولون : ربّنا . { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ } [ الزمر : 3 ] أي يقولون : ما نعبدهم . وما يقتضي شيئين فصاعداً ، وإنّما قال ( بين أحد ) ولم يقل آحاد لأن الآحد يكون للواحد والجميع . قال الله { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 47 ] . وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " ما أحلّت الغنائم لأحد سود الرؤوس غيركم " . قال رؤبة : @ ماذا ( أمور ) الناس ديكت دوكاً لا يرهبون أحداً رواكاً @@ { وَقَالُواْ سَمِعْنَا } . قولك { وَأَطَعْنَا } . أمرك خلاف قول اليهود . وروى حكيم بن جابر أن جبرائيل عليه السلام أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم حين نزلت { آمَنَ ٱلرَّسُولُ } . فقال : إن الله عزّ وجلّ قد منَّ عليك وعلى أمّتك فاسأل تعطى ، فسأل رسول الله عزّ وجلّ فقال : غفرانك . { غُفْرَانَكَ } . وهو نصب على المصدر أي أغفر غفرانك ، مثل قولنا : سبحانك أي نسبّحك سبحانك . وقيل معناه : نسألك غفرانك . { رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . ظاهر الآية قضاء الحوائج ، وفيها إضمار السؤال والحاجة ، كأنّه قال لهم : تكلّفنا إلاّ وسعنا ، فأجاب الله فقال : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . والوسع : اسم لما يسع الإنسان وما [ يشقّ ] عليه . وقيل : [ يشق ] ويجهد . وقرأ إبراهيم ابن أبي عبلة الشامي : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . بفتح الواو وكسر السين على الفعل ، يريد : إلاّ وسعها أمره ، أو أراد إلاّ ما وسعها فحذف ( ما ) . واختلفوا في تأويله ، فقال ابن عطاء والسدي وأكثر المفسّرين : أراد به حديث النفس ، وذلك أنّ الله تعالى لمّا أنزل : { وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ } . جاء المؤمنون [ عامة ] وقالوا : يارسول الله هذا لنتوب من عمل الجوارح ، فكيف نتوب من الوسوسة وكيف نمتنع من حديث النفس ؟ فأنزل الله : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . أي طاقتها ، وكان حديث النفس مما لم يطيقوا . قال ابن عباس في رواية آخرى : [ … ] المؤمنون خاصّة وسّع الله عليهم أمر دينهم . ولم يكلّفهم إلاّ ماهم له مستطيعون ، فقال : { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ } [ البقرة : 185 ] ، وقال : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] ، وقال : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] . قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن نافع السجري بهراة قال : سمعت أبا يزيد حاتم بن محبوب الشامي قال : سمعت عبد الجبّار بن العلاء العطّار يقول : سُئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . فقال : إلاّ يسرها لا عسرها ، ولم يكلّفها طاقتها ولو كلّفها طاقتها لبلغ المجهود منها . قال الثعلبي : وهذا قول حسن لأنّ الوسع ما دون الطاقة ، فقال بعض أهل الكلام : يعني إلاّ ما يسعها ويحل لها ، كقول القائل : ما يسعك هذا الأمر ؟ أي ما يحلّ الله لك ؟ فبيّن الله تعالى أن ما كلّف عباده فقد وسعه لهم والله أعلم . { لَهَا مَا كَسَبَتْ } . أي للنفس ما عملت من الخير والعمل الصالح ، لها أجره وثوابه { وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } . من الشرّ بالعمل السيء عليها وزره . { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا } . لا تعاقبنا . قال أهل المعاني : وإنّما خرج على لفظ المفاعلة وهو فعل واحد ؛ لأنّ المسيء قد أمكر وَطَرَق السبيل إليها وكأنّه أعان عليه مَنْ يعاقبه بذنبه ويأخذه به فشاركه في أخذه { إِن نَّسِينَآ } . جعله بعضهم من النسيان الذي هو السهو . قال الكلبي : كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئاً ممّا أُمروا به وأخطأوا ، عجّلت لهم العقوبة فيحرّم عليهم شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب ، فأمر الله تعالى نبيّه والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك . وقال بعضهم : هو من النسيان الذي هو الترك والإغفال . قال الله تعالى : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] . والأوّل أجود . { أَوْ أَخْطَأْنَا } . جعله بعضهم من القصد والعمد ، يقال : خطيء فلان إذا تعمّد يخطأ خطأً وخطأ . قال الله : { إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } [ الإسراء : 31 ] . وأنشد [ أمية بن أبي الصلت ] : @ عبادك يخطئون وأنت ربٌّ يكفّيك المنايا والحتوم @@ وجعله الآخرون من الخطأ الذي هو الجهل والسهو وهو الأصح ؛ لأن ما كان عمداً من الذنب غير معفو عنه ، بل هو في مشيئة الله تعالى مالم يكن كفراً . قال عطاء : { إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } . يعني إن جهلنا أو تعمّدنا له . وقال ابن زيد : إن نسينا شيئاً ممّا أفترضته علينا ، أو أخطأنا شيئاً ممّا حرّمته علينا . وقال الزهري : سمع عمر رجلاً يقول : اللّهمّ [ اغفر ] لي خطاياي ، فقال : إن الخطايا مغفور ولكن قل : اللّهمّ أغفر لي عمدي . قال النبطي : وحدّثنا ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن شنبة قال : حدّثنا عبد الله بن المصفّى السكري قال : حدّثنا محمد بن المصلّى المحمدي ، قال : حدّثنا الوليد قال : حدّثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : " رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما أُكرهوا عليه " . { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً } . قال بعضهم : يعني عهداً وعقداً وميثاقاً لا نطيق ذلك ولا نستطيع القيام به فتعذبنا بنقصه { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } . يعني اليهود فلم يقوموا به فأهلكتهم وعذّبتهم ، هذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل والسدي والكلبي وابن جريج والفراء ، ورواية عطيّة وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، يدلّ عليه قوله : { وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي } [ آل عمران : 81 ] أي عهدي . وقال بعضهم : الأصر : الثقل ، أي لا تشقق علينا ولا تشدد ولا تغلظ الأصر علينا كما شددت على مَنْ كان قبلنا من اليهود ، وذلك أن الله تعالى فرض عليهم خمسين صلاة ، وأمرهم بأداء ربح أموالهم في الزكاة ، ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها ، ومن أصاب منهم ذنباً أصبح وذنبه مكتوب على بابه ، ونحوها من الأثقال ( والأغلال ) التي كانت عليهم . وهذا معنى قول عثمان بن عطاء ومالك بن أنس وأبي عبيدة والمؤرخ والقتيبي وابن الأنباري يدلّ عليه قوله : { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [ الأعراف : 157 ] . وقال ابن زيد : معناه : لا تحمل علينا ذنباً ليس فيه توبة ولا كفّارة وإلاّ يفعل في هذه كلّها العقد والأحكام ، ويقال للشيء الذي تعقد به الأشياء : الأصر ، ويقال : بينه وبين فلان أصرة رحم ، وما تأصرني ، أي ما [ يعطفني عليه عهد ولا قرابة ] . وقال : أنشدني أبو القاسم السدوسي ، قال : أنشدني السميع بن محمد الهاشمي ، قال : أنشدنا أبو الحسن العبسي ، قال : أنشدنا العباس بن محمد الدوري الشافعي : @ إذا لم تكن لأمرىء نعمةٌ لدي ولا بيننا آصره [ ولا لي ] في ودّه حاصل ولا نفع في الدنيا ولا الآخرة وأفنيت عمري على بابه فتلك إذاً صفقة خاسرة @@ { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } . أي لا تكلّفنا من الأعمال مالا نطيق ، هذا قول قتادة والضحاك والسدي وابن زيد . وقال بعضهم : هو حديث النفس والوسوسة . وعن أبي ثوبان عن أبيه عن مكحول في قوله تعالى : { وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } . قال [ … ] وعن أبي القاسم عن مالك الشامي أن أبا إدريس الحولاني كان يأتي أصحابه ويقول : اللّهمّ أعذني و [ … ] جرف إلى جهنم . سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم في قوله تعالى { وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } . قال : المشقة . وعن أبي القاسم عبد الله بن يحيى بن عبيد قال : سمعت أبا القاسم عبد الله بن أحمد قال : سمعت محمد بن عبد الوهاب { وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } . قال : يعني العشق . قال خباب : حضرت مجلس ذي النون المصري في فسطاطه ، فتكلّم ذلك اليوم في محبّة الله فمات أحد عشر نفساً في المجلس ، فصاح لا يحل من المزيد بر فقال : يا أبا القيس ذكرت محبة الله فاذكر محبّة المخلوقين ، فتأوّه ذو النون تأوّها شديداً ومدّ يده إلى وجهه ووقف منتصباً وقال له : خلقت قلوبهم واستعبرت عيونهم وتألّفوا السهاد ، وفارقوا الرقاد فليلهم طويل نومهم وقليل أحزانهم لا تعد وهمومهم لا تعقد ، أمورهم عسيرة ودموعهم غزيرة باكية عيونهم قريحة جفونهم . ( عاداهم ) الرفاق والأهل والجيران . وقال يحيى : لو تركت العقوبة بيداي يوم القيامة ما عذّبت العشّاق ؛ لأن ذنوبهم اضطراراً لا اختياراً . قال ابن جريج : هو مسخ القردة والخنازير ، وقال بعضهم : هو شماتة الأعداء . وروى عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبّه قال : قيل لأيّوب عليه السلام : ما كان أشق عليك في طول بلائك ؟ قال : شماتة الأعداء . وأنشد ابن الأعرابي : @ كلّ المصائب قد تمرّ على الفتى فتهون غير شماتة الحُسّاد إنّ المصائب تنقضي أيامها وشماتة الأعداء بالمرصاد @@ وقيل : هو القطيعة والفرقة نعوذ بالله منها . وقيل : قطع الأوصال أيسر من قطع الوصال ، وقال النظّام : لو كان للبين صورة لما [ راع ] الذنوب ولهدّ الجبال ولجمر الغضا أقل من [ … ] ولو عذّب الله سبحانه أهل النار بالفراق لاستراحوا إلى [ حرّ العذاب ] . { وَٱعْفُ عَنَّا } . أي تجاوز واصفح عن تقصيرنا وذنوبنا . { وَٱغْفِرْ لَنَا } . واستر علينا ذنوبنا وتجاوز عنها ولا [ تعاقبنا ] { وَٱرْحَمْنَآ } . فإنا لا ننال العمل لطاعتك ولا ترك معصيتك إلاّ برحمتك ، وقيل : واعف عنّا من المسخ ، واغفر لنا عن السيئات ، وارحمنا من القذف . وقيل : واعف عنّا ، من الأفعال ، واغفر لنا من الأقوال ، وأرحمنا من العقود والأضمان . وقيل : واعف عنّا الصغائر ، وأغفر لنا الكبائر ، وأرحمنا بتثقيل الميزان مع إفلاسنا . وقيل : وأعف عنّا في سكرات الموت ، وأغفر لنا في ظلمة القبر ، وارحمنا في ظلمة القبر . { أَنتَ مَوْلاَنَا } . أي ناصرنا وحافظنا ووليّنا ووال بنا { فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } . عطاء عن سعيد عن ابن عباس في قول الله تعالى : { آمَنَ ٱلرَّسُولُ } . إلى قوله : { وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } . قال : قد غفرت لكم { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا } . قال : لا أواخذكم { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً } . قال : لا أحمل عليكم . { وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } . قال : لا أُحمّلكم { وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } . قال : قد عفوت عنكم وغفرت لكم ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكافرين . وروى سفيان عن أبي إسحاق عن رجل عن معاذ بن جبل أنّه كان إذا ختم البقرة قال : آمين . يتلوه سورة آل عمران . والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد خير الأوّلين والآخرين وعلى آله الطيّبين الطاهرين أجمعين وسلّم . قال مسروق : نعم كنز الصعلوك سورة البقرة وآل عمران يقرأهما من آخر الليل . وقال وهب بن منّبه : من قراء ليلة الجمعة سورة البقرة وآل عمران كان له نور مابين عجيباً إلى غريباً وعجيباً الأرض السابعة وغريباً العرش . وقال مسروق : مَنْ قرأ سورة البقرة في ليلة توّج بها . وفي الحديث السورة التي يذكر فيها البقرة فسطاط القرآن . سؤال : فإنّ قيل : أيجوز أن يحمّل الله أحداً مالا يطيق ؟ . قال الزجاج : قيل له : إن أردت ماليس في قدرته ، فهو محال ، وإن أردت ما يثقل عليه ، فلله تعالى أن يفعل من ذلك ما شاء لأن الذي كلّفه بني اسرائيل من قتل أنفسهم ثقل عليهم . وهذا كقولك : ما أُطيق كلام فلان ، فليس المعنى ليس في قدرتك ولكن معناه أن يثقل عليك . فإن قيل : هل يجوز على العادل أن يكلّف فوق الوسع ؟ . قيل : قد أخبر عن سعته ورحمته وعطفه على خلقه كما نفى الظلم عن نفسه ، وإن كان لا يتوهّم منه الظلم بحال . وقال قوم : لو كلّف فوق الوسع لكان له ؛ لأن الخلق خلقه والأمر أمره ، ولكنّه أخبر أنّه لا يفعله والسلام .