Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 55-59)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } الآية ، وذلك أنّ الله أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ، فاختار سبعين رجلا من خيارهم ، وقال لهم : صوموا وتطهّروا وطهّروا ثيابكم ، ففعلوا ذلك ، فخرج بهم موسى الى طور سيناء لميقات ربّه ، فلمّا وصل ذلك الموضع قالوا : اطلب لنا نسمع كلام ربّنا ، فقال : أفعل ، فلمّا دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام وتغشّى الجبل كلّه فدخل في الغمام وقال القوم : ادنوا ، وكان موسى إذا كلّمه ربّه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني إسرائيل أن ينظر إليه ، فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتى دخلوا في الغمام وخرّوا سجّدا ، وسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه ، وأسمعهم الله تعالى : إنّي أنا الله لا اله إلاّ أنا ذو بكة أخرجتكم من أرض مصر فأعبدوني ولا تعبدوا غيري . فلمّا فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم ، فقالوا له : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة . { فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } وهي نارٌ جاءت من السماء فأحرقتهم جميعاً . وقال وهب : أرسل الله عزّ وجلّ عليهم جنداً من السماء فلما سمعوا بحسّها ماتوا يوماً وليلة . والصاعقة : المهلكة ، فذلك قوله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ } لن نصدّقك { حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } . قرأه العامّة بجزم الهاء ، وقرأ ابن عباس : ( جهرة ) بفتح الهاء وهما لغتان مثل زُهْره وزَهَره . { جَهْرَةً } أي معاينة بلا ساتر بيننا وبينه ، وأصل الجهر من الكشف . قال الشاعر : @ يجهر أجواف المياه السّدم [ وانتحابها على الحان ] @@ { فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } قرأ عمر وعثمان وعلي ( رضي الله عنهم ) : ( الصعقة ) بغير ألف ، وقرأ الباقون ( الصاعقة ) بالألف وهما لغتان . { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } وذلك أنهم لما هلكوا جعل [ موسى ] يبكي ويتضرّع ويقول : يا ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ولو شئت أهلكتهم من قبل ، ويا ربّي { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ } [ الأعراف : 155 ] فلم يزل يناشد ربّه حتى أحياهم الله تعالى جميعاً رجلا بعد رجل ينظر بعضهم الى بعض كيف يحيون ، فذلك قوله تعالى : { ثُمَّ بَعَثْنَاكُم } أحييناكم { مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ } لتستوفوا بقيّة آجالكم وأرزاقكم ، وأصل البعث : إثارة الشيء من [ مكمنه ] . يقال : بعثت البعير ، وبعثت النائم فانبعث . { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ } في التيه تقيكم حرّ الشمس ، وذلك أنّهم كانوا في التّيه ولم يكن لهم كنّ يسترهم فشكوا ذلك الى موسى ، فأنزل الله عليهم غماماً أبيضاً رقيقاً وليس بغمام المطر بل أرقّ وأطيب وأبرد والغمام : ما يغمّ الشيء أي يستره وأظلّهم فقالوا : هذا الظّل قد جعل لنا فأين الطعام ، فأنزل الله عليهم المنّ . واختلفوا فيه ، فقال مجاهد : وهو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد . الضحّاك : هو الطرنجبين . وقال وهب : الخبز الرّقاق . السدي : عسل كان يقع على الشجر من الليل فيأكلون منه . عكرمة : شيء أنزله الله عليهم مثل الزّيت الغليظ ، ويقال : هو الزنجبيل . وقال الزجاج : جملة المنّ ما يمنّ الله مما لا تعب فيه ولا نصب . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " الكماة من المنّ وماءوها شفاء للعين " . وكان ينزل عليهم هذا المنّ كل ليلة تقع على أشجارهم مثل الملح ، لكلّ إنسان منهم صاع كل ليلة قالوا يا موسى : مللنا هذا المنّ بحلاوته ، فادع لنا ربّك أن يطعمنا اللحم ، فدعا عليه السلام ، فأنزل الله عليهم السلوى . واختلفوا فيه ، فقال ابن عباس وأكثر المفسرين : هو طائر يشبه السّماني . أبو العالية ومقاتل : هو طير أحمر ، بعث الله سحابة فمطرت ذلك الطير في عرض ميل وقدر طول رمح في السماء بعضه على بعض . عكرمة : طير يكون بالهند أكبر من عصفور ، المؤرّخ : هو [ المعسل ] بلغه كنانه . وقال شاعرهم : @ وقاسمها بالله حقّاً لأنتم الّذّ من السلوى إذا ما نشورها @@ وكان يرسل عليهم المنّ والسلوى ، فيأخذ كل واحد منه ما يكفيه يوماً وليلة ، وإذا كان يوم الجمعة أخذ ما يكفيه ليومين لأنّه لم يكن ينزل إليهم يوم السبت ، فذلك قوله : { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ } أي وقلنا لهم كلوا . { مِن طَيِّبَاتِ } حلالات . { مَا رَزَقْنَاكُمْ } ولا تدّخروا لغد فخبأوا لغد فقطع الله عزّ وجلّ ذلك عنهم ودوّد وفسد ما ادّخروا ، فذلك قوله عزّ وجلّ { وَمَا ظَلَمُونَا } ضرّونا بالمعصية . { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } يصرّون باستيجابهم عذابي وقطع مادة الرزق الذي كان ينزّل عليهم بلا كلفة ولا مؤونة ، ولا مشقّة في الدنيا ، ولا تبعه ولا حساب في العقبى . خلاس بن عمرو عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا بني إسرائيل لم يخنز الطعام ولم يخبث اللّحم ، ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها " . { وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } ابن عباس : هي أريحا وهي قرية الجبّارين ، وكان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم عوج بن عناق ، وقيل : هي بلقا . وقال ابن كيسان : هي الشام . الضّحاك : هي الرّملة والاردن وفلسطين وتدمر . مجاهد : بيت المقدس . مقاتل : إيليا . { فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً } موسعاً عليكم . { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ } يعني باباً من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب . { سُجَّداً } منحنين متواضعين وأصل السجود الخضوع . قال الشاعر : @ بجمع يضل البلق في حجراته ترى الأكْم فيه سجّداً للحوافر @@ وقال وهب : قيل لهم ادخلوا الباب ، فاذا دخلتموه فاسجدوا شكراً لله عزّ وجلّ ، وذلك أنّهم أذنبوا بإبائهم دخول أريحا ، فلما فصلوا من التيه أحبّ الله عزّ وجلّ أن يستنقذهم من الخطيئة . { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } قال قتادة : حطّ عنّا خطايانا وهو أمرٌ بالاستغفار . وقال ابن عباس : يعني لا اله الاّ الله ؛ لأنّها تحطّ الذنوب ، وهي رفع على الحكاية في قول أبي عبيدة . وقال الزجاج : سألتنا حطّة . { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } وقرأ أهل المدينة بياء مضمومة وأهل الشام بتاء مضمومة . { وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } إحساناً وثواباً والسلام . { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أنفسهم بالمعصية ، وقيل كفروا . وقال مجاهد : كموطيء لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم ، فلم يخفضوا ولم يركعوا ولم يسجدوا ، فدخلوا مترجعين على أشباههم . { قَوْلاً } يعني وقالوا قولا . { غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ } وذلك إنّهم أُمروا أن يقولوا ( حطّة ) فقالوا : ( حطا ) [ … ] يعنون حنطه حمراء استخفافاً بأمر الله . { فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً } عذاباً { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } وذلك أنّ الله تعالى أرسل الله عليهم ظلمة وطاعوناً فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً . { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } يعني يلعبون ويخرجون من أمر الله عزّ وجلّ .