Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 85-86)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ } يعني يا هؤلاء فحذف النّداء للإستغناء بدلالة الكلام عليه كقوله : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا } [ الإسراء : 3 ] فهؤلاء للتنبيه ومبني على الكسرة مثل أنتم { تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } قرآءة العامّة بالتخفيف من القتل . وقرأ الحسن : تقتلون بالتثقيل من التقتيل . { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ } قراءة العامّة وهم أهل الحجاز والشّام وأبو عمرو ويعقوب : تظاهرون بتشديد الظاء ، واختاره أبو حاتم ومعناه تتظاهرون فأدغم التّاء في الظاء مثل : أثاقلتم وادّاركوا . وقرأ عاصم والأعمش وحمزة وطلحة والحسن وأبو عبد الرحمن وأبو رجاء والكسائي : تظاهرون بتخفيف الظاء ، واختاره أبو عبيد ووجه هذه القراءة : إنّهم حذفوا تّاء الفاعل وأبقوا تاء الخطاب كقوله { وَلاَ تَعَاوَنُواْ } [ المائدة : 2 ] وقوله { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } [ الصافات : 25 ] . وقال الشّاعر : @ تعاطسون جميعاً حول داركم فكلّكم يا بني حمّان مزكوم . @@ وقرأ أُبي ومجاهد : تظهّرون مشدداً بغير ألف أي تتظهّرون [ … ] جميعاً تعاونون ، والظهر : العون سمّي بذلك لإسناد ظهره إلى ظهر صاحبه . وقال الشّاعر : @ تكثّر من الاخوان ما اسطعت [ … ] اذا إستنجدتهم فظهيرُ وما بكثير ألف خل وصاحب وانّ عدوّاً واحداً لكثيرُ @@ { بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } بالمعصية والظلم . { وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ } قرأ عبد الرحمن السّلمي ومجاهد وابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل والجحدري وأبو عمرو وابن عامر : ( أُسارى تفدوهم ) بغير ألف ، وقرأ الحسن : ( أسرى ) بغير ألف ( تفادوهم ) بألالف ، وقرأ النخعي وطلحة والأعمش ويحيى بن رئاب وحمزة وعيسى بن عمرو وابن أبي إسحاق : ( أسرى تفدوهم ) كلاهما بغير ألف وهي إختيار أبي عبيدة . وقرأ أبو رجاء وأبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وقتادة والكسائي ويعقوب : ( أُسارى تفادوهم ) كلاهما بالألف ، واختاره أبو حاتم . فالأسرى : جمع أسير مثل جريح وجرحى ، ومريض ومرضى ، وصريع وصرعى ، والأسارى : جمع أسير أيضاً مثل كُسالى وسُكارى ، ويجوز أن يكون جمع أسرى نحو قولك : أمرأة سكرى ونساءٌ سُكارى ، ولم يفرق بينهما أحد من العلماء الأثبات إلاّ أبو عمرو . روى أبو هشام عن جبير الجعفي عن أبي عمرو قال : ما أُسر فهو أُسارى ومالم يؤسر فهو أُسرى ، وروي عنه من وجه آخر قال : ما صار في أيديهم فهم أُسارى ، وما جاء مستأسراً فهو أسرى . عن أبي بكر النقاش قال : سمعت أحمد بن يحيى ثعلب وقد قيل له هذا الكلام عن أبي عمرو فقال : هذا كلام المجانين . يعني لافرق بينهما . وحُكي عن أبي سعيد الضرير إنّه قال : الأُسارى : هم المقيدّون المشدَّدون والأسرى : هم المأسورون غير المقيدين . فأما قولهم تفدوهم بالمال وتنقذوهم بفدية أو بشىء آخر ، وتفادوهم : تبادلوهم اراد مفاداة الأسير بالأسير ، وأسرى : في محل نصب على الحال . فأما معنى الآية قال السّدي : إنّ الله عزّ وجلّ أخذ على بني إسرئيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضاً ، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم فأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام ثمنه فاعتقوه . فكانت قريظة خُلفاء الأوس ، والنّضير خُلفاء الخزرج وكانوا يقتتلون في حرب نمير . فيُقاتل بنو قريظة مع حلفائهم ، وبنو النّضير مع حلفائهم ، وإذا غلبوا خرّبوا ديارهم وأخرجوهم منها فإذا أُسر رجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتّى يفدوه وإن كان الاسير من عدوهم فيُعيّرهم العرب بذلك وتقول : كيف يقاتلونهم ويفدونهم … ويقولن : إنّا قد أمرنا أنْ نفديهم وحُرّم علينا قتالهم . قالوا : فَلِمَ تقاتلونهم ؟ قالوا : نستحي أن تستذل حلفاؤنا فذلك حين عيّرهم الله تعالى فقال : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ } الآية ، وفي الآية تقديم وتأخير نظمها : وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالأثمّ والعدوان { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } وأن يأتوكم أُسارى تفدوهم . وكان الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود : ترك القتل ، وترك الأخراج ، وترك المظاهرة عليهم مع اعدائهم وفداء أُسرائهم . فأعرضوا عن كل ما أُمروا إلاّ الفداء . فقال الله عزّ وجلّ : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } فأيمانهم بالفداء وكفرهم بالقتل والأخراج والمظاهرة . قال مجاهد : يقول : إن وجدته في يد غيرك فديته ، وأنت تقتله بيدك ، وقيل : معناه يستعملون البعض ويتركون البعض ، تفادون أُسراء قبيلتكم وتتركون أُسراء أهل ملّتكم فلا تفادونهم . قال الله عزّ وجلّ { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ } يا معشر اليهود { إِلاَّ خِزْيٌ } عذاب هوان . { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } فكان خزي قريظة القتل والسّبي ، وخزي بني النضير الجلاء والنفي عن منازلهم وجنانهم إلى أذرعات وريحا من الشّام . { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ } وهو عذاب النّار وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمي وأبو رجاء والحسن : تُردّون بالتاء ، لقوله { أَفَتُؤْمِنُونَ } . { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } بالتاء مدني وأبو بكر ويعقوب الباقون : بالتاء . { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ } استبدلوا . { ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ } يهوّن ويُرفّه . { عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } يمنعون من عذاب الله .