Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 73-82)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً } يُقتدى بهم في الخير { يَهْدُونَ } يدعون الناس إلى ديننا . { بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ } وإقامة { ٱلصَّلاَة وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ وَلُوطاً } أي وآتينا لوطاً ، وقيل واذكر لوطاً { آتَيْنَاهُ حُكْماً } أي الفصل بين الخصوم بالحقّ { وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ } يعني سدّ وما كان أهلها يأتون الذكران في أدبارهم ويتضارطون في أنديتهم مع أشياء أُخر كانوا يعملونها من المنكرات . { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ * وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ } دعا { مِن قَبْلُ } أي من قبل إبراهيم ولوط { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } أتباعه { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } الطوفان ، والكرب أشد الغم . { وَنَصَرْنَاهُ } منعناه { مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } أن يصلوا إليه بسوء ، وقال أبو عبيد : أي على القوم . { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ } قال مرّة وقتادة : كان الحرث زرعاً ، وقال ابن مسعود وشريح : كان كرماً قد نبتت عناقيد { إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } أي رعته ليلاً فأفسدته ، والنفش بالليل ، والهمل بالنهار ، وهما الرعي بلا راع { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } لا يخفى علينا منه شيء ، ولا يغيب عنّا علمه . { فَفَهَّمْنَاهَا } أي علّمناها وألهمناها يعني القضيّة { سُلَيْمَانَ } دون داود . { وَكُلاًّ } يعني داود وسليمان { آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً } . قال ابن عباس وقتادة والزهري ومرّة : وذلك أنّ رجلين دخلا على داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم ، فقال صاحب الزرع : هذا انفلتت غنمه ليلاً فوقعت في حرثي ، فلم تبق منه شيئاً ، فقال له داود : اذهب فإنّ الغنم لك ، فأعطاه رقاب الغنم بالحرث ، فخرجا فمرّا على سليمان فقال : كيف قضى بينكما ، فأخبراه فقال سليمان : لو ولّيت أمرهم لقضيت بغيره ، فأخبر بذلك داود فدعاه فقال : كيف تقضي بينهما ؟ قال : ادفع الغنم إلى صاحب الحرث فيكون له نسلها ورسلها وحرثها وعوارضها ومنافعها ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرث مثل حرثهم ، فإذا كان العام المقبل وصار الحرث كهيئته يوم أُكل دفع إلى أهله وأُخذ صاحب الغنم غنمه . وقال ابن مسعود وشريح ومقاتل : إنّ راعياً نزل ذات ليلة بجنب كرم ، فدخلت الأغنام الكرم وهو لا يشعر فأكلت القضبان وأفسدت الكرم ، فصار صاحب الكرم من الغد إلى داود ، فقضى بالأغنام لصاحب الكرم لأنه لم يكن بين ثمن الكرم وثمن الأغنام تفاوت ، فمرّوا بسليمان وهو ابن إحدى عشرة سنة فقال : ما قضى الملك في أمركم ؟ فقصّوا عليه القصّة فقال سليمان : غير هذا أرفق بالفريقين ، فعادوا إلى داود فأخبروه بذلك فدعا سليمان وقال له : بحقّ النبوّة والأُبوّة إلاّ أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين ، فقال سليمان : تسلّم الأغنام إلى صاحب الكرم حتى يرتفق برسلها ونسلها وصوفها ومنافعها ، ويعمل الراعي في إصلاح الكرم إلى أن يعود كهيئته ، ثم يرد الاغنام إلى صاحبها فقال : القضاء ما قضيت . وحكم بذلك . قال الحسن : كان الحكم بما قضى به سليمان ، ولم يعنف الله داود في حكمه وهذا يدلّ على أنّ كلّ مجتهد مصيب . وروى الزهري عن حرام بن محيصة قال : دخلت ناقة للبراء بن عازب حائطاً لبعض الأنصار فأفسدته ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ هذه الآية ، ثم قضى على البراء بما أفسدت الناقة وقال : " على أصحاب الماشية حفظ الماشية بالليل ، وعلى أصحاب الحوائط حفظ حيطانهم وزروعهم بالنهار " . { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ } أي وسخّرنا الجبال والطّير يسبّحن مع داود إذا سبّح . قال وهب : كان داود يمرّ بالجبال مسبّحاً وهي تجاوبه وكذلك الطير . قتادة : « يسبّحن » أي يصلّين معه إذا صلّى . { وَكُنَّا فَاعِلِينَ } ذلك { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } اللبوس عند العرب : السلاح كلّه درعاً كان أو جوشناً أو سيفاً أو رمحاً ، يدلّ عليه قول الهذلي يصف رُمحاً : @ ومعي لبوس للبئيس كأنّه روق بجبهة ذي نعاج مُجفل @@ يريد باللبوس الرمح ، وإنّما عنى الله سبحانه في هذا الموضع الدرع وهو بمعنى الملبوس كالحلوب والركوب . قال قتادة : أول من صنع الدروع داود ( عليه السلام ) وإنّما كانت صفائح ، فهو أوّل من سردها وحلقها . { لِتُحْصِنَكُمْ } لتحرزكم وتمنعكم { مِّن بَأْسِكُمْ } حربكم ، واختلف القرّاء فيه ، فقرأ شيبة وعاصم برواية أبي بكر ، ويعقوب برواية رويس ، لنحصنكم بالنون ، لقوله « وعلّمناه » وقرأ أبو جعفر وابن عامر وحفص وروح ، بالتاء يعني الصنعة . { وَلِسُلَيْمَانَ } أي وسخّرنا لسليمان { ٱلرِّيحَ } وهو هواء محرّك وهو جسم لطيف يمتنع بلطفه من القبض عليه ويظهر الحسن بحركته ، والريح تذكّر وتؤنّث . { عَاصِفَةً } شديدة الهبوب { تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } يعني الشام وذلك أنّها كانت تجري لسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان ثم تعود به إلى منزله بالشام . قال وهب بن منبه : كان سليمان إذا خرج إلى مجلسه عكفت عليه الطير وقام له الإنس والجنّ حتى يجلس على سريره وكان إمرأً غزاً قلّ ما يقعد عن الغزو ، ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك إلاّ أتاه حتى يذلّه ، وكان فيما يزعمون إذا أراد الغزو أمر بمعسكره فضرب له بخشب ، ثم نصب له على الخشب ، ثم حمل عليه الناس والدوابّ وآلة الحرب كلّها حتى إذا حمل معه ما يريد أمر العاصف من الريح فدخلت تحت ذلك الخشب ، فاحتملته حتى إذا استقلت أمر الرخاء فمدّته شهراً في روحته وشهراً في غدوته إلى حيث أراد . قال : فذكر لي منزل بناحية دجلة مكتوب فيه كتاب كتبه بعض صحابة سليمان إمّا من الجنّ وإمّا من الإنس : نحن نزلناه وما بنينا ومبنيّاً وجدناه ، غزونا من اصطخر فقلناه ، ونحن رائحون منه إن شاء الله فآتون الشام . قال الله سبحانه { وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ } يعني وسخّرنا لسليمان أيضاً من الشياطين { مَن يَغُوصُونَ لَهُ } أي يدخلون تحت الماء فيخرجون له الجواهر من البحر { وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ } يعني دون الغوص { وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } حتى لا يخرجوا من أمره .