Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 53-77)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي خلطهما وحلّى وأفاض أحدهما في الآخر ، وأصل المرج : الخلط والإرسال ، ومنه قوله سبحانه { فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ ق : 5 ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عمر : " كيف بك يا عبد الله إذا كنت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا هكذا " وشبّك بين أصابعه ، ويقال : مرجتُ دابّتي مرجها إذا أرسلتُها في المرعى وخلّيتها تذهب حيث شاءت ، ومنه قيل للروضة مرج ، قال العجاج : @ رعى بها مرج ربيع ممّرجاً @@ قال ابن عباس والضحاك ومقاتل : مرج البحرين أي خلع أحدهما على الآخر { هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ } شديد العذوبة { وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } شديد الملوحة { وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً } حاجزاً بقدرته وحكمته لئلاّ يختلطا { وَحِجْراً مَّحْجُوراً } ستراً ممنوعاً يمنعهما فلا يبغيان ولا يفسد الملح العذب . { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً } قال علىّ بن أبي طالب : النسب ما لا يحلّ نكاحه ، والصهر ما يحلّ نكاحه ، وقال الضحّاك وقتادة ومقاتل : النسب سبعة والصهر خمسة ، وقرأوا هذه الآية { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ } [ النساء : 23 ] الى آخرها . أخبرني أبو عبد الله ( القسايني ) قال : أخبرنا أبو الحسن النصيبي القاضي قال : أخبرنا أبو بكر السبيعي الحلبي قال : حدّثنا علي بن العباس المقانعي قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن الحسين قال : حدّثنا محمد بن عمرو قال : حدّثنا حسين الأشقر قال : حدّثنا أبو قتيبة التيمي قال : سمعت ابن سيرين يقول في قول الله سبحانه وتعالى { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً } قال : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب ، زوج فاطمة عليّاً وهو ابن عمّه وزوج ابنته فكان نسباً وصهراً . { وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً * وَيَعْبُدُونَ } يعني هؤلاء المشركين { مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ } إن عبدوه { وَلاَ يَضُرُّهُمْ } إن تركوه { وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً } أي معيناً للشيطان على ربّه ، وقيل : معناه وكان الكافر على ربّه هيّناً ذليلاً من قول العرب : ظهرت به إذا جعلته خلف ظهرك فلم تتلفّت إليه . { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً * قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } على تبليغ الوحي { مِنْ أَجْرٍ } فيقولون : إنّما يطلب محمد أموالنا بما يدعونا إليه فلا نتّبعه كيلا نعطيه من أموالنا شيئاً { إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } . قال أهل المعاني : هذا أمر الاستثناء المنقطع ، مجازه لكن من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلا بإنفاقه ماله في سبيله ، { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } أي اعبده وصلّ له شكراً منك له على نعمه ، وقيل : احمده منزّهاً له عمّا لا يجوز في وصفه ، وقيل : قل : سبحان الله والحمد لله { وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً } فيجازيهم بها { ٱلَّذِي } في محل الخفض على نعت الحي { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } فقال بينهما وقد جمع السموات لأنه أراد الصنفين والشيئين كقول القطامي : @ ألم يحزنك أن حبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاعا @@ أراد وحبال تغلب فثنّى والحبال جمع لأنّه أراد الشيئين والنوعين ، وقال آخر : @ إنَّ المنيّة والحتوف كلاهما توفي المخارم يرقبان سوادي @@ { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } أي فسل خبيراً بالرحمن ، وقيل : فسل عنه خبيراً وهو الله عز وجل ، وقيل : جبرئيل ( عليه السلام ) ، الباء بمعنى عن لقول الشاعر : @ فإن تسألوني بالنساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب @@ أي عن النساء . { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } ما نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة { أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا } قرأ حمزة والكسائي بالياء يعنيان الرحمن ، وقرأ غيرهما تأمرنا بالتاء يعنون لما تأمرنا أنت يا محمد { وَزَادَهُمْ } قول القائل لهم : اسجدوا للرحمن { نُفُوراً } عن الدين والإيمان ، وكان سفيان الثوري إذا قرأ هذه الآية رفع رأسه الى السماء وقال : إلهي زادني خضوعاً ما زاد أعداءك نفوراً . { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً } يعني منازل الكواكب السبعة السيارة وهي اثنا عشر برجاً : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأَسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت ، فالحمل والعقرب بيتا المريخ ، والثور والميزان بيتا الزهرة ، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد ، والسرطان بيت القمر ، والأسد بيت الشمس ، والقوس والحوت بيتا المشتري ، والجدي والدلو بيتا زحل ، وهذه البروج مقسومة على الطبائع الاربع فيكون نصيب كل واحد منهما ثلاثة بروج تسمى المثلثات ، فالحمل والأسد والقوس مثلثة نارية ، والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية ، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية ، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية . واختلفت أقاويل أهل التأويل في تفسير البروج . فاخبرني الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني قال : حدّثني محمد بن الحسين بن أبي الشيخ قال : حدّثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال : حدّثنا عبد الله بن إدريس قال : حدّثني أبي عن عطية العوفي في قوله سبحانه { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً } قال : قصوراً فيها الحرس ، دليله قوله { وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } [ النساء : 78 ] . وقال الأخطل : @ كأنها برج رومي يشيِّده بان بجصّ وآجرَ أحجار @@ وقال مجاهد وقتادة : هي النجوم . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبة قال : حدّثنا علي بن محمد بن ماهان قال : حدّثنا علي بن محمد الطنافسي قال : حدّثنا خالي يعلى عن إسماعيل عن أبي صالح { تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً } قال : النجوم الكبائر . قال عطاء : هي الشرج وهي أبواب السماء التي تسمّى المجرّة . { وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً } يعني الشمس ، نظيره قوله سبحانه { وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجاً } [ نوح : 16 ] وقرأ حمزة والكسائي ( وَجَعَلَ فِيهَا سُرُجاً ) بالجمع يعنون النجوم وهي قراءة أصحاب عبد الله { وَقَمَراً مُّنِيراً * وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } . قال ابن عباس والحسن وقتادة : يعني عوضاً وخلفاً يقوم أحدهما مقام صاحبه فمن فاته عمله في أحدهما قضاه في الآخر . قال قتادة : فأروا الله من أعمالكم خيراً في هذا الليل والنهار ؛ فإنهما مطيّتان تقحمان الناس الى آجالهم ، وتقّربان كلّ بعيد ، وتبليان كلّ جديد ، وتجيئان بكل موعود الى يوم القيامة . روى شمر بن عطية عن شقيق قال : جاء رجل الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : فاتتني الصلاة الليلة فقال : أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك ، فإنّ الله سبحانه وتعالى جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر . وقال مجاهد : يعني جعل كلّ واحد منهما مخالفاً لصاحبه فجعل هذا أسود وهذا أبيض . وقال ابن زيد وغيره : يعني يخلف أحدهما صاحبه ، إذا ذهب أحدهما جاء الآخر ، فهما يتعاقبان في الضياء والظلام والزيادة والنقصان ، يدلّ على صحّة هذا التأويل ، قول زهير : @ بها العين والآدام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كلّ مجشم @@ وقال مقاتل : يعني جعل النهار خلفاً من الليل لمن نام بالليل ، وجعل الليل خلفاً بالنهار لمن كانت له حاجة أو كان مشغولاً { لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } قرأه العامة بتشديد الذال يعني يتذكر ويتعظ ، وقرأ حمزة وخلف بتخفيف الذال من الذكر { أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } شكر نعمة الله سبحانه وتعالى عليه . { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } يعني أفاضل العباد ، وقيل هذه الإضافة على التخصيص والتفضيل ، وقرأ الحسن : وعبيد الرَّحْمن . { ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } أي بالسكينة والوقار والطاعة والتواضع غير أشرين ولا مرحين ولا متكبّرين ولا مفسدين . أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا العباس بن محمد بن قوهبار قال : حدّثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى قال : حدّثنا يحيى بن يحيى قال : حدّثنا هشيم بن عباد بن راشد عن الحسن في قوله سبحانه { يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً } قال : حلماً وعلماً ، وقال محمد بن الحنفية : أصحاب وقار وعفّة لا يسفهون ، وإنْ سفه عليهم حلموا . الضحّاك : أتقياء أعفّاء لا يجهلون قال : وهو بالسريانية . الثمالي : بالنبطيّة ، والهون في اللغة : الرفق واللين ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما " . { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ } بما يكرهونه { قَالُواْ سَلاَماً } سداداً من القول عن مجاهد . ابن حيان : قولاً يسلمون فيه من الإثم . الحسن : سلّموا عليهم ، دليله قوله سبحانه { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } [ القصص : 55 ] . قال أبو العالية والكلبي : هذا قبل أن يؤمروا بالقتال ، ثم نسختها آية القتال . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش المقري قال : حدّثنا محمد بن صالح ( الكيلسي ) بمكة قال : حدّثنا سلمة بن شبيب قال : حدّثنا الوليد بن إسماعيل قال : حدّثنا شيبان بن مهران عن خالد أبن المغيرة بن قيس عن أبي محلز لاحق بن حميد عن أبي برزة الأسلمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت قوماً من أمتي ما خلقوا بعد ، وسيكونون فيما بعد اليوم أحبّهم ويحبّونني ، ويتناصحون ويتبادلون ، يمشون بنور الله في الناس رويداً في خفية وتقية ، يسلمون من الناس ، ويسلم الناس منهم بصبرهم وحلمهم ، قلوبهم بذكر الله يرجعون ، ومساجدهم بصلاتهم يعمرون ، يرحمون صغيرهم ويجلّون كبيرهم ويتواسون بينهم ، يعود غنيّهم على فقيرهم وقويّهم على ضعيفهم ، يعودون مرضاهم ويتبعون جنائزهم " . فقال رجل من القوم : في ذلك يرفقون برفيقهم ؟ فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " كلاّ ، إنّهم لا رفيق لهم ، هم خدّام أنفسهم ، هم أكرم على الله من أن يوسّع عليهم لهوان الدنيا عند ربهم " ثمَّ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } " . وروي أنّ الحسن كان إذا قرأ هاتين الآيتين قال : هذا وصف نهارهم . ثمَّ قال { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } هذا وصف ليلهم . قال ابن عباس : مَن صلّى بالليل ركعتين أو أكثر من ذلك فقد بات لله سبحانه وتعالى ساجداً وقائماً . قال الكلبي : يقال : الركعتان بعد المغرب وأربع بعد العشاء الآخرة . { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أي ملحّاً دائماً لازماً غير مفارق من عذّب به من الكفار ، ومنه سمّي الغريم لطلبه حقّه وإلحاحه على صاحبه وملازمته إيّاه ، وفلانا مغرم بفلان إذا كان مولعاً به لا يصبر عنه ولا يفارقه ، قال الأعشى : @ إن يعاقب يكن غراماً وإن يعط جزيلاً فإنّه لا يبالي @@ قال الحسن : قد علموا أنّ كلّ غريم يفارق غريمه إلاّ غريم جهنم . ابن زيد : الغرام الشرّ ، أبو عبيد : الهلاك ، قال بشر بن أبي حازم : @ ويوم النسار ويوم الجفا ركانا عذاباً وكانا غراما @@ أي هلاكاً . { إِنَّهَا } يعني جهنم { سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } أي إقامة ، من أقام يقيم . وقال سلامة بن جندل : @ يومان يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الاعداء تأويب @@ فإذا فتحت الميم فهو المجلس من قام يقوم ، ومنه قول عباس بن مرداس : @ فأتي ما وأيك كان شرّاً فقيد إلى المقامة لا يراها @@ { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } واختلف القرّاء فيه فقرأ أهل المدينة والشام : يُقتروا بضم الياء وكسر التاء ، وقرأ أهل الكوفة بفتح الياء وضم التاء ، غيرهم بفتح الياء وكسر التاء وكلّها لغات صحيحة ، يقال : أقتَر وقَتَر يَقتِرُ ويَقتُر مثل يعرشون ويعكفون ، واختلف المفسرون في معنى الإسراف والإقتار ، فقال بعضهم : الإسراف : النفقة في معصية الله وإن قلّت ، والاقتار : منع حق الله سبحانه وتعالى ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج وابن زيد . أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري قال : حدّثنا محمد بن عمر بن إسحاق الكلوادي قال : حدّثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال : حدّثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء الرملي قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا سهيل بن أبي حزم عن كثير بن زياد أبي سهل عن الحسن في هذه الآية قال : لم يُنفقوا في معاصي الله ولم يمسكوا عن فرائض الله . وقال بعضهم : الإسراف أن تأكل مال غيرك بغير حق . قال عون بن عبد الله بن عتبة : ليس المسرف من أكل ماله ، إنما المسرف من يأكل مال غيره . وقال قوم : السرف : مجاوزة الحد في النفقة ، والإقتار : التقصير عما ينبغي مما لابد منه ، وهذا الاختيار لقوله { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ } أي وكان إنفاقهم بين ذلك { قَوَاماً } عدلاً وقصداً وسطاً بين الإسراف والإقتار . قال إبراهيم : لا يجيعهم ولا يعريهم ، ولا ينفق نفقة تقول الناس : قد أسرف . مقاتل : كسبوا طيّباً ، وانفقوا قصداً ، وقدموا فضلاً ، فربحوا فأنجحوا . وقال يزيد بن أبي حبيب في هذه الآية : أُولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ، ولا يلبسون ثوباً للجمال ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدُّ عنهم الجوع ويقويهم على عبادة ربّهم ، ومن الثياب ما يَسترُ عوراتهم ويكنّهم من الحرّ والقرّ . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش قال : حدّثنا ابن زنجويه قال : حدّثنا سلمة قال : حدّثنا عبد الرزاق عن أبي عيينة عن رجل عن الحسن في قوله سبحانه { يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ } إنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : كفى سرفاً ان لا يشتهي رجل شيئاً إلا اشتراه فأكله . { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ } الآية . أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي قال : أخبرنا المؤمّل بن الحسن بن عيسى قال : حدّثنا الحسن بن محمد قال : حدّثنا حجاج عن أبي جريح قال : أخبرني يعلى يعني ابن مسلم عن سعيد بن جبير سمعه يحدّث عن ابن عباس أنّ ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة فنزل { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ } ونزل { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ } [ الزمر : 53 ] وقيل : نزلت في وحشي غلام ابن مطعم . وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن الحسين قال : حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي قال : حدّثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر والثوري عن منصور والأعمش عن أبي وائل . وأخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان وعبد الله بن عبد الرحمن قالا : حدّثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان قال : حدّثنا محمد بن كثير قال : حدّثنا سفيان بن الأعمش ومنصور وواصل الأحدب عن أبي وائل . وأخبرنا عبد الله بن حامد الوزان قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدّثنا عبد الله بن هاشم قال : حدّثنا عبد الله بن نمير قال : أخبرنا الأعمش عن شقيق عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال : " قلت يا رسول الله أيّ الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك " ، قلتُ : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك ، قلت : ثم أيّ ؟ قال : إن ترى حليلة جارك ، فأنزل الله سبحانه تصديق ذلك { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ } " . قال مسافع : { وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ } الآية . أخبرنا ابن فنجويه قال : حدثنا ابن حنش ، قال : أخبرنا ابن زنجويه قال : أخبرنا سلمة بن عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : ذُكر لنا أنّ لقمان كان يقول : يا بُني إياك والزنا فإن أوله مخافة وآخره ندامة { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } الذي ذكرت { يَلْقَ أَثَاماً } قال ابن عباس : إثماً ، ومجازه : تلق جزاء الآثام . وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن حفصويه ، قال : حدّثنا محمد بن موسى قال : حدّثنا زهير بن محمد ، قال : حدّثنا محمد بن زياد قال : حدّثنا الكلبي ، قال : حدّثنا شرقي القطامي ، قال : حدّثني لقمان بن عامر ، قال : حدّثني أبو أُمامة الباهلي صدي بن عجلان ، فقلت : حدّثني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فدعا لي بطلاء ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لو أن صخرة زنة عشر عشروات قذف بها في شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفاً ، ثم ينتهي إلى غيّ وأثام ، قال : قلت : وما غيّ وأثام " ؟ قال : نيران يسيل فيها صديد أهل النار ، وهما اللتان قال اللّه سبحانه في كتابه { فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً } [ مريم : 59 ] و { يَلْقَ أَثَاماً } " . وأخبرنا بو عمرو سعيد بن عبد اللّه بن إسماعيل الحيري قال : أخبرنا العباس بن محمد بن قوهباد قال : حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن زرين السلمي . قال : أخبرنا حفص بن عبد الرحمن ، قال : حدّثنا سعيد عن قتادة ، عن أبي أيوب عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن أثاماً واد فى جهنم ، وهو قول مجاهد ، وقال أبو عبيد : الأثام : العقوبة . قال الليثي : @ جزى الله ابن عروة حيث أمسى عقوقاً والعقوق له اثاماً @@ أي عقوبة . { يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } قرأهُ العامة بجزم الفاء والدال ، ورفعهما ابن عامر وابن عباس على الابتداء . ثمَّ قال { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } الآية . أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله قال : حدّثنا موسى بن محمد قال : حدّثنا موسى بن هارون الجّمال قال : حدّثنا إبراهيم بن محمد الشافعي قال : حدّثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله ابن عمر بن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ } الآية . ثمَّ نزلت { إِلاَّ مَن تَابَ } فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فرح بشيء قط فرحه بها وفرحه بـ { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 1 - 2 ] . وأخبرني الحسين بن محمد الفنجوي قال : حدّثنا محمد بن الحسين بن علي اليقطيني قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يزيد العقيلي قال : حدَّثنا صفوان بن صالح قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : حدّثنا عبد العزيز بن الحصين عن ابن أبي نجيح قال : حدّثني القاسم بن أبي برة قال : قلت لسعيد بن جبير : أبا عبد الله أرأيت قول الله سبحانه وتعالى { وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } إلى قوله { إِلاَّ مَن تَابَ } قال : سمعت ابن عباس يقول : هذه مكيّة نسختها الآية المدنية التي في سورة النساء { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا } [ النساء : 93 ] ولا توبة له . وروى أبو الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت أنّه دخل على أبيه وعنده رجل من أهل العراق وهو يسأله عن هذه الآية التي في الفرقان والتي في سورة النساء { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } [ النساء : 93 ] ، فقال زيد بن ثابت : قد عرفت الناسخة من المنسوخة نسختها التي في النساء بعدها ستّة أشهر . وروى حجاج عن أبي جريج قال : قال الضحّاك بن مزاحم : هذه السورة بينها وبين النساء { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً } ثماني حجج ، والصحيح أنّها محكمة . روى جعفر بن سليمان عن عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء قال : اختلفتُ إلى ابن عباس ثلاث عشرة سنة فما شيء من القرآن إلاّ سألته عنه ورسولي يختلف إلى عائشة ، فما سمعته ولا أحد من العلماء يقول : إنّ الله سبحانه يقول لذنب : لا أغفره . { فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } . قال ابن عباس وابن جبير والضحّاك وابن زيد : يعني فأُولئك يبدّلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام ، فيبدّلهم بالشرك إيماناً ، وبقتل المؤمنين قتل المشركين ، وبالزنا عفة وإحصاناً ، وقال الآخرون : يعني يبدّل الله سيّئاتهم التي عملوها في حال إسلامهم حسنات يوم القيامة ، يدلّ على صحّة هذا التأويل ما أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ في داري قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن برزة قال : حدّثنا أبو حفص المستملي قال : حدّثنا محمد بن عبد العزيز أبي رزمة قال : حدّثنا الفضل بن موسى القطيعي عن أبي العنبس عن ابنه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليتمنّينّ أقوام أنّهم أكثروا من السيئات » . قيل : مَن هم ؟ قال : الذين بدّل الله سيئاتهم حسنات " . وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو بكر بن مالك القطيعي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال : حدّثني أبي قال : حدّثنا وكيع قال : حدّثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال : أعرضوا عليه صغار ذنوبه قال : فيعرض عليه ويخفى عنه كبارُها فيقال : عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، وهو مقرّ لا ينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال : أعطوه مكان كلّ سيئة عملها حسنة . قال : فيقول إنّ لي ذنوباً ما أراها ، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتّى بدت نواجذه " . وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا عبيد الله عن عبد الله بن أبي سمرة البغوي ببغداد قال : حدّثنا محمد بن أحمد الطالقاني قال : حدّثنا محمد بن هارون أبو نشيط قال : حدّثنا أبو المغيرة قال : حدّثنا صفوان قال : حدّثني عبد الرحمن بن جبير " عن أبي الطويل شطب الممدود أنّه أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلّها ولم يترك منها شيئاً ، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلاّ اقتطعها بيمينه ، فهل لذلك مِن توبة ؟ قال : " هل أسلمت ؟ قال : أنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّك رسوله ، قال : نعم تفعل الخيرات وتترك الشهوات يجعلهنّ الله خيرات كلهن . قال : وغدراتي وفجراتي قال : نعم قال : الله أكبر ، فما زال يكبّر حتى توارى " . وأخبرني ابن فنجويه في عصبة قال : حدّثنا محمد بن علي بن الحسن قال : حدّثنا عبد الرَّحْمن بن أبي حاتم قال : حدّثنا أبو نشيط قال : حدّثنا أبو المغيرة قال : سمعت مبشر بن عبيد وكان عارفاً بالنحو والعربية يقول : الحاجة الذي يقطع على الحُجّاج إذا توجهوا ، والداجة الذي يقطع عليهم إذا قفلوا { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً } رجوعاً حسناً . { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال الضحاك : يعني الشرك وتعظيم الأنداد ، علي بن أبي طلحة : يعني شهادة الزور ، وكان عمر بن الخّطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة ، ويسخم وجهه ، ويطوف به في السوق ، يحيى بن اليمان عن مجاهد : أعياد المشركين ليث عنه : الغناء وهو قول محمد بن الحنفية بإسناد الصالحي عن إبراهيم بن محمد بن المنكدر قال : بلغني انَّ اللّه تعالى يقول يوم القيامة : أين الذين كانوا ينزّهون أنفسهم وأسماعهم عن اللهو ومزامير الشيطان أدخلوهم رياض المسك ، أسمعوا عبادي تحميدي وثنائي وتمجيدي ، وأخبروهم أن لا خوف عليهم ولاهم يحزنون . أخبرنا أبو بكر الجوزقي قال : حدّثنا عبد الواحد بن محمد الارعياني قال : حدّثنا الأحمسي قال : حدّثنا عمرو العبقري قال : حدّثنا مسلمة بن جعفر عن عمرو بن قيس في قوله سبحانه { وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قال : مجالس الخنا ، ابن جريج : الكذب ، قتادة : مجالس الباطل ، وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيّل إلى مَن سمعه أو يراه أنّه بخلاف ما هو به ، فهو تمويه الباطل لما توهّم أنّه حقّ . { وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً } قال مقاتل : إذا سمعوا من الكفّار الشتم والأذى أعرضوا وصفحوا ، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد ، نظيره { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } [ القصص : 55 ] الآية ، وقال السدّي : وهي منسوخة بآية القتال ، العوّام بن حوشب عن مجاهد : إذا أتوا على ذكر النكاح كنّوا عنه ، ابن زيد : إذا مرّوا بما كان المشركون فيه من الباطل مرّوا منكرين له معرضين عنه ، وقال الحسن والكلبي : اللغو : المعاصي كلّها ، يعني إذا مرّوا بمجالس اللهو والباطل مرّوا كراماً مسرعين معرضين ، يدل عليه ما روى إبراهيم بن ميسرة أنَّ " ابن مسعود مرَّ بلهو مسرعاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أصبح ابن مسعود لكريماً " " . وقال أهل اللغة : أصله من قول العرب ناقة كريمة ، وبقرة كريمة ، وشاة كريمة إذا كانت تعرض عن الحليب تكرّماً كأنّها لا تبالي بما يحلب منها . { وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ } لم يقعوا ولم يسقطوا { عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً } كأنّهم صمّ عمي ، بل يسمعون ما يذكرون به فيفهمونه ويرون الحق فيه فيتبعونه . قال الفرّاء : ومعنى قوله { لَمْ يَخِرُّواْ } أي لم يقيموا ولم يصيروا ، تقول العرب : شتمتُ فلاناً فقام يبكي يعني فظلّ وأقبل يبكي ولا قيام هنالك ولعلّه بكى قاعداً ، وقعد فلان يشتمني أي أقبل وجعل وصار يشتمني ، وذلك جائز على ألسن العرب . { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا } بغير ألف أبو عمرو وأهل الكوفة ، الباقون : ذّرياتنا بالألف { قُرَّةَ أَعْيُنٍ } بأن يراهم مؤمنين صالحين مطيعين لك ، ووحّد قرّة لأنها مصدر ، وأصلها من البرد لأنّ العرب تتأذّى بالحر وتستروح إلى البرد . { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } أي أئمة يقتدى بها . قال ابن عباس : اجعلنا أئمة هداية كما قال { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [ الأنبياء : 73 ] ولا تجعلنا أئمة ضلالة كقوله { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } [ القصص : 41 ] . قتادة : هُداة دعاة خير . أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يوسف الفقيه قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون ابن خالد قال : حدّثني أبو جعفر أحمد بن عبد الله العازي الطبري المعروف بابن فيروز قال : حدّثنا الحكم بن موسى قال : حدّثنا يحيى بن حمزة عن عبد الرَّحْمن بن زيد بن جابر عن مكحول في قول الله عزَّ وجل { وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } قال : أئمّة في التّقوى يقتدي بها المتّقون ، وقال بعضهم : هذا من المقلوب واجعل المتّقين لنا إماماً واجعلنا مؤتمّين مقتدين بهم ، وهو قول مجاهد ، ولم يقل أئمة لأنّ الإمام مصدر ، يقال : أمّ فلان فلاناً مثل الصيام والقيام ، ومَن جعله أئمة فلأنّه قد كثر حتى صار بمعنى الصفة . وقال بعضهم : أراد أئمة كما يقول القائل : أميرنا هؤلاء يعني أمراؤنا ، وقال الله سبحانه عزّ وجلّ { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي } [ الشعراء : 77 ] ، وقال الشاعر : @ يا عاذلاتي لا تزدن ملامتي إنّ العواذل لسن لي بأمين @@ أي أمناء . { أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ } يثابون الدرجة الرفيعة في الجنة { بِمَا صَبَرُواْ } على أمر ربهم وطاعة نبيّهم ، وقال الباقر : على الفقر . { وَيُلَقَّوْنَ } قرأ أهل الكوفة بفتح الياء وتخفيف القاف ، واختاره أبو عبيد لقوله { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } [ الإنسان : 11 ] . { خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي } أي ما يصنع وما يفعل ، عن مجاهد وابن زيد . وقال أبو عبيد : يقال : ما عبأت به شيئاً أي لم أعدّه ، فوجوده وعدمه سواء ، مجازه : أي مقدار لكم ، وأصل هذه الكلمة تهيئة الشيء يقال : عبّأت الجيش وعبأت الطيب أُعبّئه عبؤاً وعبواً إذا هيّأته وعملته ، قال الشاعر : @ كأن بنحره وبمنكبيه عبيراًبات يعبؤه عروس @@ { لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ } إيّاه ، وقيل : لولا عبادتكم ، وقيل : لولا إيمانكم . واختلف العلماء في معنى هذه الآية قال قوم : معناها قل ما يعبأ بخلقكم ربّي لولا عبادتكم وطاعتكم إيّاه ، يعني أنّه خلقكم لعبادته نظيرها قوله سبحانه { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد ، قال ابن عباس في رواية الوالبي : أخبر الله سبحانه الكفّار أنّه لا حاجة لربهم بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ، ولو كان له بهم حاجة لحبّب إليهم الإيمان كما حبّب إلى المؤمنين . وقال آخرون : قل ما يعبأ بعذابكم ربّي لولا دعاؤكم إيّاه في الشدائد ، بيانه { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [ العنكبوت : 65 ] ونحوها من الآيات . وقال بعضهم : قل مايعبأ بمغفرتكم ربّي لولا دعاؤكم معه آلهة وشركاء ، بيانه قوله سبحانه وتعالى { مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ } [ النساء : 147 ] وهذا المعنى قول الضحّاك . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حبيش قال : حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال : حدّثنا أبو حاتم قال : حدّثنا أبو طاهر بن السرج قال : حدّثنا موسى بن ربيعة الجمحي قال : سمعت الوليد بن الوليد يقول : بلغني أنّ تفسير هذه الآية { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ } يقول : ما خلقتكم وبي إليكم حاجة إلاّ أن تسألوني فأغفر لكم ، وتسألوني فأعطيكم . { فَقَدْ كَذَّبْتُمْ } يا أهل مكة . وأخبرنا شعيب بن محمد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدّثنا أحمد بن الأزهر قال : حدّثنا روح بن عبادة قال : حدّثنا شعبة بن عبد الحميد بن واصل قال : سمعت مسلم بن عمّار قال : سمعت ابن عباس يقرأ : فقد كذّب الكافرون { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } . وبه شعبة عن أدهم يعني السدوسي عن أنّه كان خلف بن الزبير يقرأ { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } [ الفرقان : 1 ] فلمّا أتى على هذه الآية قرأها : فقد كذّب الكافر فسوف يكون لزاماً ، ومعنى الآية فسوف يكون تكذيبهم لزاماً . قال ابن عباس : موتاً . ابن زيد : قتالاً ، أبو عبيدة : هلاكاً . وأنشد : @ فاماينجوا من حتف أرضي فقد لقيا حتوفهما لزاما @@ وقال بعض أهل المعاني : يعني فسوف يكون جزاء يلزم كل عامل ما عمل من خير أو شر ، وقال ابن جرير : يعني عذاباً دائماً لازماً وهلاكاً مفنياً يلحق بعضكم بعضاً كقول أبي ذؤيب . @ ففاجأه بعادية لزام كما يتفجّر الحوض اللقيف @@ يعني باللزام الكثير الذي يتبع بعضه بعضاً وباللفيف الحجار المنهد ، واختلفوا في اللزام ههنا فقال قوم : هو يوم بدر قُتل منهم سبعون وأُسر سبعون ، وهو قول عبد الله بن مسعود وأُبي ابن كعب وأبي مالك ومجاهد ومقاتل . روى الأعمش عن مسلم عن مسروق قال : قال عبد الله : خمس قد مضين : الدخان واللزام والبطشة والقمر والروم . وقال آخرون : هو عذاب الآخرة .