Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 76-88)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ } كان ابن عمه لأنّه قارون بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب ، وموسى بن عمران بن فاهث ، هذا قول أكثر المفسرين ، وقال ابن إسحاق : تزوّج يصهر ابن فاهث شميت بنت تباويت بن بركيا بن يقشان بن إبراهيم فولدت له عمران بن يصهر وقارون ابن يصهر ، فنكح ( عمران ) نجيب بنت سمويا بن بركيا بن رمنان بن بركيا فولدت له هارون ابن عمران وموسى بن عمران ( عليهم السلام ) ، فموسى على قول ابن إسحاق : ابن اخي قارون وقارون عمه لأبيه وأُمه ، قال قتادة : وكان يسمّى المنوّر لحسن صورته ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة منه ، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري . { فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا موسى بن محمد ، قال : حدّثنا الحسن بن علوية ، قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، عن المسيّب أنّ قارون كان من قوم موسى { فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } قال : كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل وكان يبغي عليهم ويظلمهم ، قال ابن عباس : كان فرعون قد ملّكه على بني إسرائيل حين كان بمصر ، سعيد ، عن قتادة : { َبَغَىٰ عَلَيْهِمْ } بكثرة ماله وولده ، سفيان عنه : بالكبر والبذخ ، عطاء الخراساني وشهر بن حوشب : زاد عليهم في الثياب شبراً { وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ } وهي جمع المفتح ، وهو الذي يفتح به الباب { لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ } أي لتثقل بهم إذا حملوها لثقلها ، يقال : ناء ينوء نوْءاً إذا نهض بثقل ، قال الشاعر : @ تنوء بأخراها فلأيا قيامها وتمشي الهوينا عن قريب فتبهر @@ واختلفوا في مبلغ عدد العصبة في هذا الموضع ، فقال مجاهد : ما بين العشرة إلى خمسة عشر ، قتادة : ما بين العشرة إلى أربعين ، أبو صالح : أربعون رجلا ، عكرمة منهم من يقول : أربعون ، ومنهم من يقول : سبعون ، الضحّاك عن ابن عباس : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : ستون . روى جرير ، عن منصور ، عن خيثمة ، قال : وجدت في الإنجيل أنّ مفاتيح خزائن قارون توقر ستين بغلا غرّاء محجّلة ، ما يزيد منها مفتاح على أصبع ، لكل مفتاح منها كنز ، مجاهد : كانت المفاتيح من جلود الإبل ، ويقال : كان قارون ( أينما ) ذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه ، وكانت من حديد ، فلمّا ثقلت عليه جعلت من خشب ، فثقلت عليه فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع ، وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا . وقال بعضهم : أراد بالمفاتيح الحرَّاس وإليه ذهب أبو صالح . وروى حصين ، عن أبي زرين قال : لو كان مفتاح واحد لأهل الكوفة كان كافياً إنّما يعني كنوزه ، فإن قيل : فما وجه قوله : { لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ } وإنّما العصبة هي التي تنوء بها ، قيل فيه قولان : أحدهما يميل بهم ويثقلهم حملها ، والآخر قال أهل البصرة : قد يفعل العرب هذا ، تقول للمرأة : إنّها لتنوء بها عجيزتها ، وإنّما هي تنوء بعجيزتها كما ينوء البعير بحمله ، وقال الشاعر : @ فديت بنفسه نفسي ومالي وما آلوك إلاّ ما أطيق @@ والمعنى فديت بنفسي ومالي نفسه ، وقال آخر : @ وتركب خيلا لا هوادة بينها وتشقي الرماح بالضياطرة الحمر @@ وإنّما يشقي الضياطرة بالرماح ، والخيل هاهنا : الرجال . { إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ } من بني إسرائيل { لاَ تَفْرَحْ } لا تأشر ولا تمرح ، ومنه قول الله سبحانه : { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } ، وقال الشاعر : @ ولست بمفراح إذا الدهر سرّني ولا جازع من صرفه المتحول @@ أراد : لست بأشر ؛ لأن السرور غير مكروه ولا مذموم { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } الأشِرين البطِرين المتكبِرين الذين لا يشكرون الله سبحانه على ما أعطاهم . أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا منصور بن جعفر النهاوندي ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى النهاوندي ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن الجارود ، قال : حدّثنا محمد بن عمرو بن حيان عن نفته قال : حدّثنا مبشر بن عبد الله في قول الله سبحانه وتعالى : { لاَ تَفْرَحْ } قال : لا تفسد إنّ الله لا يحب الفرحين المفسدين ، وقال الشاعر : @ إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة وتحمل أُخرى أفرحتك الودائع @@ يعني أفسدتك . { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } قال مجاهد وابن زيد : لا تترك أن تعمل في دنياك لآخرتك حتى تنجو من عذاب الله ، وهي رواية علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وقال علي " رضي الله عنه " : لا تنس صحتك وقوتك وشبابك ونشاطك وغناك أن تطلب به الآخرة ، وقال الحسن : ولا تنس أن تطلب فيها كفايتك وغناك مما أحل الله لك منها . وأنبأني عبد الله بن حامد قال : أخبرنا حامد بن محمد ، قال : حدّثنا أحمد بن علي الحران ، قال : حدّثنا سعيد بن سلمة ، قال : حدّثنا خلف بن خليفة ، عن منصور بن زادان في قوله : { وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا } قال : قوتك وقوة أهلك . وقيل : هو الكفن لأنّه حظه من الدنيا عند خروجه منها . { وَأَحْسِن } إلى الناس { كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ } ولا تطلب { ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ * قَالَ } قارون { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } على فضل علم { عِندِيۤ } علمنيه الله ، ورآني لذلك أهلا ، ففضلني بهذا المال عليكم لفضلي عليكم بالعلم وغيره ، وقيل : هو علم الكيمياء ، قال سعيد بن المسيب : كان موسى ( عليه السلام ) يعلم الكيمياء ، فعلّم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم ، وعلّم كالب بن نوفيا ثلثه ، وعلم قارون ثلثه ، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه ، وفي خبر آخر أنّ الله سبحانه وتعالى علّم موسى علم الكيمياء ، فعلّم موسى أُخته ، فعلّمت أخته قارون ، فكان ذلك سبب أقواله ، وقيل : على علم عندي بالتصرف في التجارات والزراعات وسائر أنواع المكاسب والمطالب ، وقيل : في سبب جمعه تلك الأموال ، ما أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد الله قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد قال : حدّثنا محمد بن موسى الحلواني قال : حدّثنا خزيمة بن أحمد ، قال : حدّثنا أحمد بن أبي الجواري ، قال : سمعت أبا سلمان الداراني يقول : يبدي إبليس قارون وكان قارون قد أقام في جبل أربعين سنة يتعبد حتى إذا غلب بني إسرائيل في العبادة بعث إليه إبليس شياطينه ، فلم يقدروا عليه ، فتبدى هو له وجعل يتعبد ، وجعل قارون وجعل إبليس يقهره بالعبادة ويفوقه ، فخضع له قارون ، فقال له إبليس : يا قارون قد رضينا بهذا الذي نحن فيه ، لا تشهد لبني إسرائيل جماعة ، ولا تعود مريضاً ، ولا تشهد جنازة ، قال : فحذره من الجبل إلى البيعة ، فكانوا يؤتون بالطعام ، فقال إبليس : يا قارون قد رضينا الآن أن يكون هكذا كلا على بني إسرائيل ، فقال له قارون : فأي شيء الرأي عندك ؟ قال : نكسب يوم الجمعة ونتعبد بقية الجمعة ، قال : فكسبوا يوم الجمعة وتعبدوا بقية الجمعة . فقال : إبليس لقارون : قد رضينا أن يكون هكذي . فقال له قارون : فأي شيء الرأي عندك ، قال : نكسب يوماً ونتعبد يوماً ونتصدق ونعطي ، قال : فلمّا كسبوا يوماً وتعبدوا يوماً خنس إبليس وتركه ، ففتحت على قارون الدنيا ، فبلغ ماله ، ما أخبرنا ابن فنجويه ، قال : أخبرنا موسى ، قال : حدّثنا الحسن ابن علويه ، قال : حدّثنا إسماعيل بن موسى ، عن المسيب بن شريك { مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ } قال : أوعيته وكانت أربعمائة ألف ألف في أربعين جراباً . قال الله سبحانه : { أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ } الكافرة { مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } قال قتادة : يدخلون النار بغير حساب ، مجاهد : يعني : إنّ الملائكة لا تسأل عنهم لأنّهم يعرفونهم بسيمائهم ، الحسن : لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ليعلم ذلك من قبلهم فأن سئلوا سؤال تقريع وتوبيخ . { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } قال جابر بن عبد الله : في القرمز ، النخعي والحسن : في ثياب حمراء ، مجاهد : على براذين بيض عليها سروج الأُرجوان ، عليهم المعصفرات ، قتادة : على أربعة ألف دابة عليهم وعلى دوابهم ( الأُرجوان ) ، ابن زيد : في سبعين ألفاً عليهم المعصفرات ، قال : وكان ذلك أول يوم رؤيتْ المعصفرات فيما كان يذكر لنا ، مقاتل : على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأُرجوان ومعه أربعة آلاف فارس وعلى دوابهم الأُرجوان ، ومعه ثلاثمائة جارية بيض عليهن الحليّ والثياب الحمر على البغال الشهب . { قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } من المال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ } ولا يلقن ويوفق لهذه الكلمة { إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ } على طاعة الله وعن زينة الدنيا . { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } قال العلماء بأخبار القدماء : كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون ، وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم ولكنه نافق كما نافق السامري فبغى على قومه ، واختلف في معنى هذا البغي ، فقال ابن عباس : كان فرعون قد ملك قارون على بني إسرائيل حين كان بمصر ، وعن المسيب بن شريك : أنه كان عاملاً على بني إسرائيل وكان يظلمهم ، وقيل : زاد عليهم في الثياب شبرا ، وقيل : بغى عليهم بالكبر ، وقيل : بكثرة ماله ، وكان أغنى أهل زمانه وأثراهم . واختلف في مبلغ عدة العصبة في هذا الموضع فقال مجاهد : ما بين العشرة إلى خمسة عشر ، وقال قتادة : ما بين العشرة إلى أربعين ، وقال عكرمة : منهم من يقول أربعون ومنهم من يقول سبعون ، وقال الضحاك : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : هم ستون . وروي عن خثيمة قال : وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقر ستين بغلاً غراء محجلة ما يزيد منها مفتاح على إصبع لكل مفتاح منها كنز ، ويقال : كان أينما يذهب تحمل معه وكانت من حديد ، فلمّا ثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت عليه فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع ، فكانت تحمل معه على أربعين بغلا ، وكان أول طغيانه أنه تكبر واستطال على الناس بكثرة الأموال فكان يخرج في زينته ويختال كما قال تعالى { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } . قال مجاهد : خرج على براذين بيض عليها سروج الأرجوان وعليهم المعصفرات . وقال عبد الرحمن : خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات ، وقال مقاتل : على بغلة شهباء عليها سرج من الذهب عليها الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلاثة آلاف جارية بيض عليهن الحلي والثياب الحمر على البغال الشهب ، فتمنى أهل الجهالة مثل الذي أوتيه كما حكى الله فوعظهم أهل العلم بالله أن اتقوا الله فإن ثواب الله ( خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ) . قال : ثم إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطا أربعة في كل طرف خيطاً أخضر لونه لون السماء ، فدعا موسى بني إسرائيل وقال لهم : إن الله تعالى يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطاً خضراً كَلَون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها ، وإنه تعالى ينزل من السماء كلامه عليكم ، فاستكبر قارون وقال : إنما تفعل هذه الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا من غيرهم . ولما قطع موسى ( عليه السلام ) ببني إسرائيل البحر جعل الحبورة وهي رئاسة المذبح وبيت القربان لهارون فكان بنو إسرائيل يأتون بهديتهم ويدفعونه إلى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله ، فوجد قارون في نفسه من ذلك وأتى موسى وقال : يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء من ذلك ، وأنا أقرأ للتوراة منكما لا صبر لي على هذا ، فقال موسى : والله ما أنا جعلتها في هارون بل الله تعالى جعلها له فقال قارون : والله لا أصدقك في ذلك حتى تريني بيانه ، قال : فجمع موسى ( عليه السلام ) رؤساء بني إسرائيل وقال : هاتوا عصيكم ، فجاءوا بها فحزمها وألقاها في قبته التي كان يعبد الله تعالى فيها وجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا ، فأصبحت عصا هارون ( عليه السلام ) قد اهتز لها ورقٌ أخضر ، وكانت من ورق شجر اللوز ، فقال موسى : يا قارون ترى هذا ؟ فقال قارون : والله ما هذا أعجب مما تصنع من السحر . فذهب قارون مغاضباً واعتزل موسى بأتباعه وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما ، وهو يؤذيه في كل وقت ولا يزيد كل يوم إلا كبراً ومخالفة ومعاداة لموسى ( عليه السلام ) حتى بنى داراً وجعل بابها من الذهب وضرب على جدرانها صفائح الذهب ، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه . قال ابن عباس : ثم إن الله سبحانه وتعالى أنزل الزكاة على موسى ( عليه السلام ) فلمّا أوجب الله سبحانه الزكاة عليهم أبى قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم ، وعن كل ألف شاة على شاة ، وعن كل ألف شيء شيئاً ، ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل وقال لهم : يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم ، فقالوا له : أنت كبيرنا وسيدنا فمرنا بما شئت ، فقال : آمركم أن يجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلاً على أن تقذفه بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فاسترحنا منه ، فأتوا بها فجعل لها قارون ألف درهم وقيل : ألف دينار ، وقيل : طستا من ذهب ، وقيل : حكمها ، وقال لها : إني أُموّلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غداً إذا حضر بنو إسرائيل ، فلمّا أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل ، ثم أتى موسى فقال له : إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم وتبين لهم أعلام دينهم وأحكام شريعتهم فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض فقام فيهم خطيباً ووعظهم ( فكان ) فيما قال : يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة ، ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت ، فقال له قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا ، قال قارون : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال : أنا ، قال : نعم ، قال : ادعوها فإن قالت فهو كما قالت ، فلمّا أن جاءت قال لها موسى : يا فلانة إنما أنا فعلت لك ما يقول هؤلاء ، وعظم عليها وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت ، فلمّا ناشدها تداركها الله بالتوفيق وقالت في نفسها : لئن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله ، قالت : لا كذبوا ، ولكن جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي ، فلمّا تكلمت بهذا الكلام سقط في يده قارون ونكس رأسه وسكت الملأ وعرف أنه وقع في مهلكة وخرّ ) موسى ساجداً يبكي ويقول : اللهم إن كنت رسولك ، فاغضب لي ، فأوحى الله سبحانه إليه : مُر الأرض بما شئت ، فإنها مطيعة لك ، فقال موسى : يا بني إسرائيل إنّ الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون ، فمن كان معه فليثبت مكانه ، ومن كان معي فليعتزل ، فاعتزل قارون ولم يبق معه إلاّ رجلان ، ثم قال موسى : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الركَب ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الأوساط ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الأعناق ، وقارون وأصحابه في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدّة غضبه عليه . ثم قال : يا أرض خذيهم ، فانطبقت عليهم الإرض ، وأوحى الله تعالى إلى موسى : يا موسى ماأفظك . استغاثوا بك سبعين مرة فلم ترحمهم ولم تغثهم ، أما وعزتي لو إياي دعوا لوجدوني قريباً مجيباً . قال قتادة : وذكر [ لنا ] أنّه يخسف به كلّ يوم قامة وأنّه يتخلخل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة ، قالوا : وأصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أنّ ( موسى ) إنّما دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله ، فدعا اللهَ موسى حتى يخسف بداره وأمواله الأرض . وأوحى الله سبحانه إلى موسى : إنّي لا أعبّد الأرض لأحد بعدك أبداً ، فذلك قوله تعالى : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } ، { فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } الممتنعين { وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ } العرب تعبّر بأضحى وأمسى وأصبح عن الصيرورة والفعل ، فتقول : أصبح فلان عاملا وأمسى حزيناً وأضحى معدماً ، إذا صاروا بهذه الأحوال وليس ثَمَّ من الصبح والمساء والضحى شيء . { يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ } اختلف العلماء في هذه اللفظة ، فقال مجاهد : معناه : ألم تعلم ؟ قتادة : ألم تر ؟ ، الفرّاء : هي كلمة تقرير كقول الرجل : أما ترى إلى صنع الله وإحسانه ؟ وذكر أنّه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها : أين ابنك ؟ فقال : ويكأنّه وراء البيت ، يعني أما ترينه وراء البيت ؟ ابن عباس والحسن : هي كلمة ابتداء وتحقيق ، تقديره إنّ الله { يَبْسُطُ الرِّزْقَ } المؤرّخ : هو تعجّب ، قطرب : إنّما هو ويلك فأسقط منه اللام ، قال عنترة : @ ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قول الفوارس ويك عنتر أقدم @@ وقيل : هو تنبيه بمنزلة ألا وأما . قال بعض الشعراء : @ ويكأن من يكن له نشب يحبب ومن يفتقر يعشْ عيش ضرّ @@ وقال القتيبى : معناه رحمة بلغة حمير ، وقال سيبويه : سألت الخليل عنه ، فقال : وي كلمة تنبيه منفصلة من كأن فكأنْ في معنى الطب والعلم . { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ } يقتَّر { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا } قرأ يعقوب وبعض أهل الشام والكوفة بفتح الخاء والسين ، وقراءة العامة بضم الخاء وكسر السين ، { وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ * تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ } تكبراً وتجبراً فيها ، { وَلاَ فَسَاداً } عملا بالمعاصي عن ابن جريج ومقاتل وعكرمة ومسلم البطين : الفساد : أخذ المال بغير حق ، الكلبي : الدعاء إلى غير عبادة الله . { وَٱلْعَاقِبَةُ } المحمودة { لِلْمُتَّقِينَ } قال قتادة : الجنة { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ } أي أنزله عن أكثر المفسرين ، وقال عطاء بن أبي رباح : فرض عليك العمل بالقرآن { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } قال ( الضحاك و ) مجاهد : إلى مكة ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، قال ( ابن قتيبة ) : معاد الرجل : بلده لأنّه ينصرف ثم يعود إلى بلده . قال مقاتل : خرج النبي ( عليه السلام ) من الغار ليلا ثم هاجر من وجهه إلى المدينة ، فسار في غير الطريق مخافة الطلب ، فلمّا أمن ورجع إلى الطريق نزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة ، فاشتاق إليها وذكر مولده ومولد آبائه ، فأتاه جبريل ( عليهما السلام ) ، فقال : أتشتاق إلى بلدك ومولدك ؟ قال : « نعم » ، قال : فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول : { إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } إلى مكة ظاهراً عليها . قال مقاتل : قال الضحاك : قال ابن عباس : إنّما نزلت بالجحفة ليس بمكة ولا المدينة ، وروي جابر عن أبي جعفر ، قال : انطلقت أنا وأبي إلى أبي سعيد الخدري ، فسأله عن هذه الآية : { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } ، قال : إلى الموت . وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال الحسن والزهري وعكرمة : إلى يوم القيامة ، وقال أبو مالك وأبو صالح : إلى الجنة . أخبرنا عبد الخالق بن علي ، قال : أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، قال : حدّثنا يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا عمار بن كثير ، قال : أخبرنا فضيلة ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ } قال : إلى الجنة . { قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } قال بعض أهل المعاني : في الكلام تقديم وتأخير تقديره : إنّ الذي فرض عليك القرآن وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب لرادك إلى معاد . { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ * وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ } وهذا حين دعا إلى دين آبائه { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَه } يعني إلاّ هو ، عن مجاهد ، الصادق : دينه ، أبو العالية : إلاّ ما أريد به وجهه . أخبرنا ابن شاذان ، قال : أخبرنا جيعويه ، قال : حدّثنا صالح بن محمد ، عن جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبادة بن الصامت ، قال : يُجاء بالدنيا يوم القيامة ، فيقال : ميزوا ما كان لله منها ، قال : فيماز ما كان لله منها ، ثم يؤمر بسائرها فيلقى في النار . وبه عن صالح ، عن سليمان بن عمرو ، عن سالم الأفطس ، عن الحسن وسعيد بن جبير ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّ رجلا سأله ، فلم يعطه شيئاً ، فقال : أسألك بوجه الله ، فقال له علي : كذبت ، ليس بوجه الله سألتني ، إنّما وجه الله الحق ، ألا ترى قوله سبحانه وتعالى : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَه } يعني الحق ؟ ولكن سألتني بوجهك الخالق كلّ شيء هالك إلاّ الله والجنة والنار والعرش . ابن كيسان : إلاّ ملكه . { لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .