Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 86-92)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } : لفظه استفهام ومعناه جحد ، أي لا يهدي الله . قال الشاعر : @ كيف نومي على الفراش ولمّا تشمل الشام غارة شعواء @@ أي لا نوم لي ، نظير قوله : { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ } [ التوبة : 7 ] : أي لا يكون لهم عهد ، وقيل : معناه كيف يستحقون العبادة ؟ وقيل : معناه كيف يهديهم الله للمغفرة إلى الجنّة والثواب ؟ { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ التوبة : 19 ] أي لا يرشدهم ولا يوفقهم ، وهو خاص فيمن علم الله عز وجل منهم ، وأراد ذلك منهم ، وقيل : معناه : لا يثيبهم ولا ينجيهم [ إلى الجنة ] . { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ … } [ آل عمران : 87 ] إلى قوله : { إِلا الَّذِينَ تَابُوا } وذلك أنّ الحرث بن سويد لما لحق بالكفار ندم ، فأرسل إلى قومه أن اسألوا رسول الله هل له من توبة ؟ ففعلوا ذلك فأنزل الله تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ آل عمران : 89 ] لما كان ، فحملها إليه رجل من قومه وقرأها عليه ، فقال الحرث : إنّك والله ما علمت لصدوق ، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك ، وأنّ الله عز وجل لأصدق الثلاثة ، فرجع الحرث إلى المدينة وأسلم وحسن إسلامه . وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه ولحق بالروم فتنصّر ، فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآيات : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً … } . قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني : نزلت هذه الآية في اليهود ، كفروا بعيسى ( عليه السلام ) والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم وكتبهم ، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن . أبو العالية : نزلت في اليهود والنصارى ، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لما رأوه وعرفوه بعد إيمانهم بنعته وصفته في كتبهم ، ثم ازدادوا ذنوباً في حال كفرهم . مجاهد : نزلت في الكفار كلهم ، أشركوا بعد إقرارهم بأنّ الله خالقهم ، ثم ازدادوا كفراً أي أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه . الحسن : كلّما نزلت عليم آية كفروا بها فازدادوا كفراً . قطرب : كما ازدادوا كفراً بقولهم نتربص بمحمد ريب المنون . الكلبي : نزلت في أحد عشر أصحاب الحرث بن سويد ، لما رجع الحرث قالوا : نقيم بمكة على الكفر ما بدا لنا ، فمتى ما أردنا الرجعة رجعنا ، فينزل فينا ما نزل في الحرث ، فلمّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل في الإسلام من دخل منهم فقبلتْ توبته ، فنزل فيمن مات منهم كافراً { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ } الآية ، فإن قيل : فما معنى قوله تعالى : { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } وقد سبقت حكمة الله تعالى في قبول توبة من تاب ؟ قلنا : اختلف العلماء فيه ، فقال بعضهم : لن يقبل توبتهم عند الغرغرة والحشرجة . قال الحسن وقتادة وعطاء : لن يقبل توبتهم لأنّهم لا يؤمنون إلاّ عند حضور الموت ، قال الله تعالى : { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ … } [ النساء : 18 ] الآية . مجاهد : لن يقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر . ابن عباس وأبو العالية : لن يقبل توبتهم ما أقاموا على كفرهم { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً } أي حشوها ، وقدر ما يملأ الأرض من شرقها إلى غربها ذهباً ، نصب على التفسير في قول الفراء . وقال المفضّل : ومعنى التفسير أن يكون الكلام تاماً وهو مبهم ، كقولك : عندي عشرون ، فالعدد معلوم والمعدود مبهم ، وإذا قلت : عشرون درهماً فسّرت العدد ، وكذلك إذا قلت : هو أحسن الناس ، فقد أخبرت عن حسنه ولم تبين في أي شيء هو ، فإذا قلت : وجهاً أو فعلا منه فإنّك بيّنته ونصبته على التفسير ، وإنّما نصبته لأنّه ليس له ما يخفضه ولا ما يرفعه ، فلمّا خلا من هذين نصب لأنّ النصب أخف الحركات فجُعل لكل ما لا عامل فيه ، وقال الكسائي : نصب ذهباً على إضمار من ، أي من ذهب كقولهم : وعدل ذلك صياماً أي من صيام . { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } : روى قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت مفتدياً به ؟ فيقول : نعم ، فيقال لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك " ، قال الله : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ آل عمران : 91 ] . { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ } : يعني الجنّة ، قاله ابن عباس ومجاهد وعمر بن ميمون والسدّي ، وقال عطية : يعني الطاعة . أبو روق : يعني الخير ، مقاتل بن حيان : التقوى ، الحسن : لن يكونوا أبرارا . { حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } : أي مما تهوون ويعجبكم من كرائم أموالكم وأحبّها إليكم طيّبة بها أنفسكم ، صغيرة في أعينكم . مجاهد والكلبي : هذه الآية منسوخة ، نسختها آية الزكاة . وروى الضحاك عن ابن عباس قال : أراد بهذه الآية الزكاة يعني : حتى تخرجوا زكاة أموالكم ، وقال عطاء : لن تنالوا شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحّاء أشحّاء ، تأملون العيش ، وتخشون الفقر ، وقال الحسن : كل شيء أنفقه المسلم من ماله يبتغي به وجه الله تعالى فإنّه من الذي عنى الله سبحانه بقوله : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } حتى التمرة . " وروي أنّ أبا طلحة الأنصاري كان من أكثر الأنصار نخلا بالمدينة ، وكان أحب أمواله إليه بئر ماء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، فلمّا نزلت { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } قام أبو طلحة فقال : يا رسول الله إنّ الله يقول : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وإنّ أحبّ أموالي إليّ بئر ماء وإنّها صدقة أرجو برّها وذخرها عند الله عز وجل ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بخ بخ ، ذلك مال رابح لك وقد عرفت ما قلت ، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين " " . فقال له : أفعل يا رسول الله ، فقسّمها في أقاربه وبني عمّه . وروى معمّر عن أيوب وغيره قال : لما نزلت : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } " جاء زيد بن حارثة بفرس كانت له يحبّها وقال : هذه في سبيل الله ، فحمل عليها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد . فكان زيداً واجداً في نفسه وقال : إنّما أردت أن أتصدق به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إنّ الله قد قبلها منك " " . وقال حوشب : " لمّا نزلت { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ } قالت امرأة لجارية لها لا تملك غيرها : أعتقك وتقيمين معي غير أنّي لست أشرط عليك ذلك ، فقالت : نعم ، فلمّا أعتقتها ذهبت وتركتها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته به فقال النبي صلى الله عليه وسلم " دعيها فقد حجبتك عن النار ، وإذا سمعت بسبيي قد جاءني فأتيني " " . وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قالوا : كتب عمر بن الخطّاب ( رضي الله عنه ) أن يبتاع جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى ، فقال سعد بن أبي وقاص : فدعا بها عمر فأعجبته فقال : إنّ الله عز وجل يقول : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } فأعتقها . وروى حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال : خطرت على قلبي هذه الآية : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ … } فتذكرت ما أعطاني الله ، فما كان شيء أعجب إليّ من فلانة فقلت : هي حرة لوجه الله ، ولولا أنني لا أعود في شيء جعلته لله عز وجل لنكحتها . ويقال : ضاف أبا ذر الغفاري ضيف فقال للضيف : إنّي مشغول فاخرج إلى أبواء فإنّ لي بها إبلا فأتني بخيرها ، فذهب وجاء بناقة مهزولة فقال له أبو ذر : جئتني بشرها ، فقال : وجدت خير الإبل فحلها فتذكرت يوم حاجتكم إليه ، فقال أبو ذر : إنّ يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي مع أنّ الله عز وجل يقول : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } . وعن رجل من بني سليم يقال له عبد الله بن سيدان عن أبي ذر قال : في المال ثلاث شركاء : القدر لا يستأمرك أن تذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت أو فعل ، والوارث ينتظرك أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم ، والثالث أنت فإن استطعت أن لا يكون أعجب إليك مالا فإنّ الله عز وجل يقول : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } ، وإنّ هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدّمه لنفسي . وروي عن ربيع بن خيثم أنّه وقف سائل على بابه ، فقال : أطعموه سكراً فقيل : ما يصنع هذا بالسكّر فنطعمه خبزاً فهو أنفع له ، فقال : ويحكم أطعموه سكّراً ؛ فإنّ الربيع يحب السكّر . وروي عن الربيع بن خيثم أيضاً أنّه جاءه سائل في ليلة باردة ، فخرج إليه فرآه كأنّه مقرور قال : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } فنزع برتشاً له وأعطاه إياه وذكر أنّه كساه عروة . وبلغنا أن زبيدة أم جعفر اتخذت مصحفاً في تسعين قطعة كتب بالذهب على الرق وجعلت ظهورها من الذهب مرصعة بالجواهر ، فبينما هي تقرأ القرآن ذات يوم فقرأت هذه الآية ، فلم يكن شيء أحبّ إليها من المصحف ، فقالت : عليَّ بالصاغة ، فأمرت بالذهب والجواهر حتى بيعت وأمرت حتى حفرت الآبار وأشرف الحياض بالبادية . وقال أبو بكر الورّاق : دلّهم بهذه الآية على الفتوة ، وقال : لن تنالوا برّي بكم إلاّ ببرّكم أخوانكم والإنفاق عليهم من أموالكم وجاهكم وما تحبّون ، فإذا فعلتم ذلك نالكم برّي وعطفي . { وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } : أي فإنّ الله يجازي عليه لأنّه إذا علمه جازى عليه ، وتأويل ( ما ) تأويل الشرط والجزاء وموضعها نصب لينفقوا ، المعنى : وأي شيء ينفقون فإنّ الله به عليم .