Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 69-73)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ } فطهّره الله سبحانه { مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } كريماً مقبولاً ذا جاه ، واختلفوا فيما آذوا به موسى . فأخبرنا محمّد بن عبد الله بن حمدون قال : أخبرني أبو حامد بن الشرفي ، عن محمد ويحيى بن عبد الرحمن بن بشير وأحمد بن يوسف قالوا : أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرني أبو بكر المطيري قال : أخبرني أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب ، عن عبد الرزاق ، عن معمر عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال : " كان بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض ، وكان موسى ( عليه السلام ) يغتسل وحده ، فقالوا : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنّه آدر ، فذهب مرّة يغتسل وحده فوضع ثوبه على الحجر ففرّ الحجر بثوبه فجمح في أثره يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر حتى نظر بنو إسرائيل إلى سوأة موسى فقالوا : والله ما بموسى من بأس ، فقام الحجر من بعدما نظروا إليه ، فأخذ ثوبه وطفق بالحجر ضرباً " . قال أبو هريرة : إنّ بالحجر ندباً ستّة أو سبعة أثر ضرب موسى ( عليه السلام ) . وروى الحسن وابن سيرين عن أبي هريرة في هذه الآية قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : " إنَّ موسى كان رجلاً حيّياً ستيراً لا يكاد يُري من جلده شيئاً يستحيي منه ، فآذاه مَن آذاه من بني إسرائيل فقالوا : ما يستر هذا الستر إلاّ من عيب بجلده ، إمّا برص وإمّا أدرة ، فأراد الله أن يبرءه ممّا قالوا : وإنّ موسى خلا يوماً وحده ، فوضع ثوبه على حَجر ثمّ اغتسل ، فلمّا فرغ من غسله أقبل على ثوبه ليأخذه بَعُد الحجر بثوبه ، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، وجعل يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل ، فنظروا إلى أحسن الناس خلقاً وأعدلهم صورة ، وإنّ الحجر قام فأخذ ثوبه فلبسه ، فطفق بالحجر ضرباً ، وقال الملأ : قاتل الله أفّاكي بني إسرائيل فكانت براءته التي برّأه الله منها " . وقال قوم : كان إيذاؤهم إيّاه ادّعاءهم عليه قتل أخيه هارون . أخبرني عقيل بن محمد بن أحمد الفقيه أنّ المعافى بن زكريا القاضي أخبره عن محمد بن جرير بن يزيد الطبري ، حدّثني علي بن مسلم الطوسي ، عن عبّاد عن سفيان بن حصين ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، عن علي بن أبي طالب في قول الله تعالى : { كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ } قال : صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون ، فقال بنو إسرائيل : أنت قتلته ، وكان أشدّ حبّاً لنا منك وألين لنا منك ، فآذوه بذلك ، فأمر الله الملائكة فحملته حتى مرّوا به على بني إسرائيل ، وتكلّمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنّه مات ، فبرّأه الله من ذلك ، فانطلقوا به فدفنوه ، فلم يطّلع على قبره أحد من خلق الله إلاّ الرّخم فجعله الله أصمّ أبكم . وقال أبو العالية : هو أنّ قارون استأجر مومسة لتقذف موسى ( عليه السلام ) بنفسها على رأس الملأ ، فعصمها الله منه وبرّأ موسى من ذلك وأهلك هارون . وقد مضت هذه القصّة . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } أي حقّاً قصداً . ابن عبّاس : صواباً . قتادة ومقاتل : عدلاً . المؤرخ : مستقيماً . عكرمة : هو قول : لا إله إلاّ الله . ابن حيان : يعني قولوا في شأن زينب وزيد سديداً ولا تنسبوا رسول الله صلّى الله عليه إلى ما لا يحمل . { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } . قوله : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ } قيل : كان العَرْض على أعيان هذه الأشياء ، فأفهمهنّ الله خطابه وأنطقهنّ . وقيل : عرضها على من فيها من الملائكة . وقيل : عرضها على أهلها كلّها دون أعيانها ، وهذا كقوله : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] [ أي أهلها ] . { فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا } مخافةً وخشيةً لا معصية ومخالفة ، وكان العَرض تخييراً لا إلزاماً { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } واختلفوا في الأمانة ، فقال أكثر المفسّرين : هي الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده ، عَرَضها على السماوات والأرض والجبال ، إنْ أدّوها أثابهم وإنْ ضيّعوها عذّبهم ، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ، ولكن تعظيماً لدين الله أن لا يقوموا بها وقالوا : لا ، نحن مسخّرات لأمرك لا نريد ثواباً ولا عقاباً . فقال الله تعالى لآدم : إنّي عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها ، فهل أنت آخذها بما فيها ؟ قال : يا ربّ وما فيها ؟ قال : إنْ أحسنت جُزيت ، وإنْ أسأت عوقبت ، فتحمّلها آدم صلوات الله عليه وقال : بين أُذني وعاتقي ، فقال الله تعالى : أمّا إذا تحمّلت فسأُعينك فاجعل لبصرك حجاباً ، فإذا خشيت أنْ تنظر إلى ما لايحلّ لك فأرخِ عليه حجابه واجعل للسانك لحيين وغلقاً ، فإذا خشيت فاغلق ، واجعل لفرجك لباساً فلا تكشفه على ما حرَّمتُ عليك . قالوا : فما لبث آدم إلاّ مقداراً ما بين الظهر والعصر حتى أُخرج من الجنّه . وقال مجاهد : الأمانة الفرائض وحدود الدين . وأبو العالية : هي ما أُمروا به ونُهوا عنه . وقال زيد بن أسلم وغيره : هي الصوم والغسل من الجنابة وما يخفى من شرائع الدين . أنبأني عقيل بن محمد ، عن المعافى بن زكريا ، عن محمد بن جرير الطبري ، عن محمد بن خالد العسقلاني عن عبد الله بن عبد المجيد الحنفي قال : أخبرنا أبو العوام القطان عن قتادة وأبان بن أبي عبّاس عن خليد العصري عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم : خمس مَنْ جاء بهنّ يوم القيامة مع إيمان دخل الجنّة : من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهنّ ومواقيتهنّ ، وأعطى الزكاة من ماله عن طيب نفس وكان يقول : [ وأيم ] الله لا يفعل ذلك إلاّ مؤمن وأدّى الأمانة . قالوا : يا أبا الدرداء ، وما أداء الأمانة ؟ قال : الغسل من الجنابة . قال : الله عزّ وجلّ لم يأتمن ابن آدم على شيء من دينه غيره . وبه عن ابن جرير عن ابن بشّار ، عن عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن أُبيّ بن كعب قال : من الأمانة أنّ المرأة أُئتمنت على فرجها . وقال عبد الله بن عمر بن العاص : أول ما خلق الله تعالى من الإنسان فرجه ، وقال : هذه أمانة استودعتكها . فالفرج أمانة ، والأُذن أمانة ، والعين أمانة ، واليد أمانة ، والرجل أمانة ، ولا إيمان لمن لا أمانة له . وقال بعضهم : هي أمانات الناس ، والوفاء بالعهد ، فحق على كل مؤمن ألاّ يغش مؤمناً ، ولا معاهداً في شيء قليل ولا كثير ، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس ، وقال السدي بإسناده : هي ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله وولده ، وخيانته إياه في قتل أخيه وذكر القصة إلى أن قال : قال الله عز وجل لآدم : يا آدم هل تعلم أنّ لي في الأرض بيتاً ؟ قال : اللهم لا . قال : فإن لي بيتاً بمكة فأته . فقال آدم للسماء : " احفظي ولدي بالأمانة " ، فأبت ، وقال للأرض فأبت ، وقال للجبال فأبت ، وقال لقابيل فقال : نعم تذهب وترجع تجد أهلك كما يسرك . فانطلق آدم ( عليه السلام ) ، فرجع وقد قتل قابيل هابيل ، فذلك قوله عز وجل : { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ } يعني قابيل حين حمل أمانة آدم ثم لم يحفظ له أهله . وقال الآخرون : { وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ } يعني آدم . ثم اختلفت عباراتهم في معنى ( الظلوم ) و ( الجهول ) ؛ فقال ابن عباس والضحاك : { ظَلُوماً } لنفسه { جَهُولاً } غِرّاً بأمر الله وما احتمل من الأمانة . قتادة : { ظَلُوماً } للأمانة { جَهُولاً } عن حقها . الكلبي : { ظَلُوماً } حين عصى ربه ، { جَهُولاً } لا يدري ما العقاب في تركه الأمانة . الحسين بن الفضل : { إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } عند الملائكة لا عند الله . { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } .