Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 28-48)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً } عامة { لِّلنَّاسِ } كلهم ؛ العرب والعجم وسائر الأُمم . أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن جعفر قال : حدثنا علي بن حرب قال : حدثنا ابن فضيل قال : حدثنا ( يزيد بن أبي زياد عن مجاهد ومقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيتُ خمساً ولا أقول فخراً : بُعثت إلى الأحمر والأسود ، وجُعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ، وأُحل لي المغنم ولم يحل لأحد كان قبلي ، ونُصرت بالرعب فهو يسير أمامي مسيرة شهر وأُعطيت الشفاعة فادّخرتها لأُمتي يوم القيامة ، وهي إن شاء الله نائلة من لم يشرك بالله شيئاً " . وقيل : معناه كافّ للناس . يكفّهم عما هم عليه من الكفر ، ويدعوهم إلى الإسلام ، والهاء فيه للمبالغة . { بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب ، ثم أخبر حالهم في مآلهم ، فقال : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ } : الكافرون { مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ } يتلاومون ويحاور بعضهم بعضاً { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } أي مكركم بنا . فهما كما يُقال : عزم الأمر وفلان نهاره صائم وليله قائم . قال الشاعر : @ ونمت وما ليل المطي بنائم @@ وقيل : مكر الليل والنهار بهم طول السلامة فيهما كقوله : { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ } ، ونحوه . { إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ } : أظهروا { ٱلنَّدَامَةَ } ، وهو من الأضداد ؛ يكون بمعنى الإخفاء ، والإبداء { لَمَّا رَأَوُاْ ٱْلَعَذَابَ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ } : الجوامع من النار { فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا } : الأتباع والمتبوعين ، { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في الدنيا ؟ { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ } : رسول { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } : رؤساؤها وأغنياؤها { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } منكم ، ولو لم يكن راضياً بما نحن عليه من الدين والعمل لم يخوّلنا الأموال والأولاد . { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } ، وليس يدل ذلك على العواقب والمنقلب ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أنها كذلك . { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ } : لكن من آمن { وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ } من الثواب بالواحد عشرة ، و { من } يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون محله نصباً بوقوع { تقرب } عليه ، والآخر : رفع تقديره : وما هو إلاّ من آمن . { وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ } الدرجات { آمِنُونَ } . وقراءة العامة : { جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ } بالإضافة ، وقرأ يعقوب : ( جزاءً ) منصوباً منّوناً . الضعف رفع مجازه : فأُولئك لهم الضعف جزاء على التقديم والتأخير ، وقراءة العامة : الغرفات بالجمع ، واختاره أبو عبيد قال : لقوله : { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } ، وقرأ الأعمش وحمزة : ( في الغرفة ) على الواحدة . { وَٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ } : يعملون { فِيۤ آيَاتِنَا } بإبطال حججنا وكتابنا ، و { مُعَاجِزِينَ } معاونين معاندين يحسبون أنهم يفوتوننا بأنفسهم ويعجزوننا ، { أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } . قال سعيد بن جبير : ما كان من غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه ، وقال الكلبي : ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم في الخير والبر من نفقة فهو يخلفه إما أن يعجله في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة . أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن عبد الله قال : حدثنا أبي قال : حدثنا علي بن داوُد القنطري قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا الليث بن سعد ، عن عمرو بن الحرث عن أبي يونس مولى أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنّ الله عزّ وجل قال لي : أنفق أُنفق عليك " . وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا ابن شاذان عن جعونة بن محمد قال : حدثنا صالح ابن محمد عن سُليمان بن عمرو عن ابن حزم عن أنس بن مالك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُنادي مناد كلّ ليلة : لدوا للموت وينادي مناد : ابنوا للخراب ، ويُنادي مُناد : اللهمّ هب للمنفق خلفاً ، ويُنادي مناد : اللهم هب للممسك تلفاً ، وينادي مناد : ليت الناس لم يخلقوا ، وينادي مناد : ليتهم إذ خُلقوا فكروا فيما له خُلقوا " . وأخبرني الحسين بن محمد الحافظ قال : حدثنا موسى بن محمد قال : حدثنا الحسن بن علويه قال : حدثنا إسماعيل بن عيسى قال : حدثنا المسيب ، قال : حدثنا محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرَّحْمن عن أبيه قال : قال عمر لصهيب : إنك رجل لا تمسك شيئاً ، قال : إني سمعت الله عز وجل يقول : { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } . { وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } ، وأخبرني أبو سُفيان الثقفي قال : حدثنا الفضل بن الفضل الكندي قال : حدثنا الحسن بن داوُد الخشاب قال : حدثنا سُويد بن سعيد قال : حدثنا عبد الحميد بن الحسن عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل معروف صدقة وما أنفق الرجل على نفسه وأهله فهو له صدقة وما وقى به عرضه فهو صدقة ، وما أنفق المؤمن من نفقة فإنّ خلفها على الله ضامن إلاّ ما كان نفقة في بنيان أو معصية " . قال عبد الحميد : فقلت لمحمد : ما معنى " ما يقي به الرجل عرضه " ؟ قال : يُعطي الشاعر أو ذا اللسان المتّقى . وقال مجاهد : إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد ولا يتأول هذه الآية { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } فإنّ الرزق مقسوم ، فلعل رزقه قليل وهو يُنفق نفقة الموسع عليه ، ومعنى الآية ( ما كان من خلف فهو منه ) ، وربما أنفق الإنسان ماله أجمع في الخير ثم لم يزل عائلاً حتى يموت ، ولكن ما كان من خلف فهو منه ، ودليل تأويل مجاهد ما أخبرني أبو سُفيان الحسين بن محمد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن الحسين بن بشير قال : أخبرني أبو بكر بن أبي الخصيب قال : حدثنا معاذ بن المثنى قال : حدثنا عمرو بن الحصين قال : حدثنا ابن علانة وهو محمد عن الأوزاعي عن ابن أبي موسى عن أبي أُمامة قال : إنكم تؤوّلون هذه الآية على غير تأويلها { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } . وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وإلاّ فصُمتا : " إياكم والسّرف في المال والنفقة ، وعليكم بالاقتصاد ، فما افتقر قوم قط اقتصدوا " . وقال ( عليه السلام ) : " ما عال من اقتصد " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم بن هاشم البغوي قال : حدثنا أحمد بن حنبل قال : حدثنا عاصم بن خالد قال : أخبرني أبو بكر قال : حدثنا حمزة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من فقه الرجل رفقه في معيشته " . { وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } وإنما جاز الجمع ؛ لأنه يُقال : رزق السلطان الجند ، وفلان يرزق عياله ، كأنه قال : وهو خير المعطين . { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } يعني هؤلاء الكفّار { ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } في الدُّنيا ؟ فتتبرأ منهم الملائكة فتقول : { سُبْحَانَكَ } : تنزيهاً لك . { أَنتَ وَلِيُّنَا } : ربنا { مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } أي يطيعون إبليس وذريته وأعوانه في معصيتك . { أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } : مصدقون . قال قتادة : هو استفهام تقديره كقوله لعيسى : { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي … } [ المائدة : 116 ] . { فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً } : شفاعة ولا عذاباً ، { وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } في الدُّنيا فقد وردتموها . { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا } يعني محمداً ( عليه السلام ) { إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } يعنون القرآن { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَآ آتَيْنَاهُمْ } هؤلاء المشركين { مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا } يقرؤونها { وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ } من الأُمم رسلنا وتنزيلنا { وَمَا بَلَغُواْ } يعني هؤلاء المشركين { مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ } يعني مكذبي الأُمم الخالية من القوة والنعمة وطول العمر { فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } : إنكاري وتغيري عليهم ، يحذر كفار هذه الأُمة عذاب الأُمم الماضية . قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ } آمركم وأُوصيكم { بِوَاحِدَةٍ } بخصلة واحدة وهي { أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ } لأجل الله و { أَن } في محل الخفض على البيان من { بِوَاحِدَةٍ } والترجمة عنها { مَثْنَىٰ } يعني اثنين اثنين متناظرين ، { وَفُرَادَىٰ } واحداً واحداً متفكرين { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } جميعاً ، والفكر : طلب المعنى بالقلب ، فتعلموا ، { مَا بِصَاحِبِكُمْ } محمد { مِّن جِنَّةٍ } جنون كما تقولون ، و { مَآ } جحْد ونفي . { إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * قُلْ مَا سَأَلْتُكُم } على تبليغ الرسالة والنصيحة { مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } أي ما ثوابي إلاّ على الله { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ } : يرمي ويأتي { بِٱلْحَقِّ } ينزله من السماء إلى خير الأنبياء ، { عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } رفع بخبر { إنّ } .