Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 36-45)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } أي لا يقبضون فيستريحون . وذكر عن الحسن : فيموتون ، و { لاَ } يكون حينئذ جواباً للنفي ، والمعنى : لا يقضى عليهم ولا يموتون . كقوله : { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 36 ] . { وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } قراءة العامة بنصب النون واللام وقرأ أبو عمرو بضم الياء واللام وفتح الزاي على غير تسمية الفاعل . { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ } : يدعون ويستغيثون ويصيحون فيها ، وهو افتعال من الصراخ ، ويُقال للمغيث : صارخ وللمستغيث : صارخ . { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا } من النار { نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } في الدُّنيا ، فيقول الله عز وجل : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } . اختلفوا في هذه المدة ، فقال قتادة والكلبي : ثماني عشرة سنة ، وقال الحسن : أربعون سنة ، وقال ابن عباس : ستون سنة . أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه وأحمد بن جعفر بن حمدان قالا : حدّثنا إبراهيم بن سهلويه قال : حدّثنا أبو سلمة يحيى بن المغيرة حدّثنا ابن أبي فديك عن عبد الله بن عبد الرَّحْمن بن أبي حصين عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : " إذا كان يوم القيامة نُودي أين أبناء الستين ؟ وهو الذي قال الله عز وجل فيه : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو بكر بن حرجة قال : حدّثنا محمد بن أيوب قال : حدّثنا الحجبي عن عبد العزيز بن أبي حازم قال : سمعت أبي يُحدث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : " من عمّره الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر " . وأخبرني ابن فنجويه عن أحمد بن جعفر بن حمدان عن إبراهيم بن سهلويه عن الحسين بن عرفة ، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعمار أُمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " معترك منايا أُمتي ما بين الستين إلى السبعين " . { وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ } أي الرسول ، وقال زيد بن علي : القرآن ، وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع والحسين بن الفضل : يعني الشيب ، وفيه قيل : @ رأيت الشيب من نُذُر المنايا لصاحبها وحسبك من نذيرِ فحدّ الشيبِ أُهبة ذي وقار فلا خلفٌ يكون مع القتير @@ وقال آخر : @ وقائلة تبيض والغواني نوافر عن معاينة القتير فقلت لها المشيب نذير عمري ولستُ مسوداً وجه النذير @@ { فَذُوقُواْ } أي العذاب { فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ * إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ * هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً } غضباً { وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً * قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } أي في الأرض { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً } يأمرهم بذلك { فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ } . قرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعمش وحمزة { بَيِّنَةٍ } على الواحد ، وقرأ غيرهم ( بينات ) بالجمع ، وهو اختيار أبي عبيد قال : لموافقة الخط . فإني قد رأيتها في بعض المصاحف بالألف والتاء . { بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً * إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } ، روى مغيرة عن إبراهيم قال : جاء من أصحاب عبد الله بن مسعود إلى كعب ليتعلم من علمه ، فلما رجع قال عبد الله : هات الذي أصبت من كعب . قال : سمعت كعباً يقول : إنّ السماء تدور في قطبة مثل قطبة الرحا في عمود على منكب ملك . فقال عبد الله : وددت أنك انفلتّ من رحلتك براحلتك ورحلها ، كذب كعب ما ترك يهوديته بعدُ ، إنّ الله عز وجل يقول : { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ } الآية ، إن السماوات لاتدور ، ولو كانت تدور لكانت قد زالت . { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } وذلك أنّ قريشاً لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا : لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم ، فوالله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى ديناً منهم ، وهذا قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم فلما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم كذبوه فأنزل الله عز وجل : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } ، يعني اليهود والنصارى ، { فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } : محمد صلى الله عليه وسلم { مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } بعداً ونفاراً . { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ } ونصب { ٱسْتِكْبَاراً } على البدل من النفور ، قاله الأخفش ، وقيل : على المصدر ، وقيل : نزع الخافض . { وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } يعني العمل القبيح ، وقال الكلبي : هو إجماعهم على الشرك وقتل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } ، أي لا يحل ولا ينزل ، ويحيط ويلحق فقتلوا يوم بدر ، وقراءة العامة { ٱلسَّيِّىءِ } : بإشباع الإعراب فيها ، وجزم الأعمش وحمزة ( ومكر السَّيْ ) تخفيفاً وكراهة لالتقاء الحركات ولم يعملا ذلك في الأُخرى ، والقراءة المرضية ما عليه العامة . وفي الحديث أنّ كعباً قال لابن عباس : قرأت في التوراة : من حفر حفرة وقع فيها . فقال ابن عباس : أنا أوجد لك ذلك في القرآن ، ثم قرأ قوله سبحانه وتعالى : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } . وأخبرني أبو عبد الله الحسين بن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا محمد بن الحسن البلخي قال : حدّثنا عبد الله بن المبارك قال : أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري قال : بلغنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تمكر ولا تعن ماكراً ؛ فإن : الله سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } ، ولا تبغ ولا تعن باغياً ، بقول الله سبحانه وتعالى : { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } [ يونس : 23 ] ولا تنكث ولا تلعن ناكثاً فإنّ الله سبحانه يقول : { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } [ الفتح : 10 ] " . { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ } يعني العذاب إذا كفروا { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } . { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً * وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ } من الجرائم { مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا } ، يعني الأرض كناية عن غير مذكور { مِن دَآبَّةٍ } . قال الأخفش والحسين بن الفضل : أراد بالدابة : الناس دون غيرهم ، وأجراها الآخرون على العموم . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه [ عن ] الفربابي قال : حدّثني أبو مسعود أحمد بن الفرات قال : أخبرنا أبو عوانة قال : حدّثنا عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أصاب الله عز وجل قوماً بعذاب أصاب به من بين ظهرانيهم ثم يبعثون على أعمالهم يوم القيامة " . وقال قتادة في هذه الآية : قد فعل الله ذلك في زمن نوح فأهلك الله ما على ظهر الأرض من دابة إلاّ ما حُمل في سفينة نوح ، وقال ابن مسعود : كاد الجعل يُعذب في جحره بذنب ابن آدم ثم قرأ هذه الآية ، وقال أنس : إنّ الضب ليموت هزلاً في جحره بذنب ابن آدم ، وقال يحيى ابن أبي كثير : أمر رجل بمعروف ونهى عن منكر ، فقال له رجل : عليك نفسك فإنّ الظالم لا يضر إلاّ نفسه . فقال أبو هريرة : كذبت والذي نفسي بيده ، إنّ الحباري لتموت هزلاً في وكرها بظلم الظالم . وقال أبو حمزة الثمالي في هذه الآية : يحبس المطر فيهلك كل شيء . { وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } .