Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 114-117)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } . الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس يعني قوم طعمة { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ } أي حثّ عليها { أَوْ مَعْرُوفٍ } يعينه بفرض أسباب { أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ } يعني بين طعمة واليهودي { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } القرض بمنح أو هدية { ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } أي طلب رضاه { فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ } في الآخرة { أَجْراً عَظِيماً } يعني جنة . وعن ابن سيرين : معنى النجوى في الكلام المفرد به الجماعة ، والانسان سراً كان أو ظاهراً ، ومعنى النجوى في لغة خاصة ومنه نجوت الجلد عن البعير وغيره أي ألقيته عنه . قال الشاعر : @ فقلت أنجوا منها نجا الجلد انه سيرضيكما منها سنام وغار به @@ ويقال : نجوت فلاناً إذا استنكهته . قال الشاعر : @ نجوت مجالداً فوجدت منه كريح الكلب مات حديث عهد @@ ونجوت وتر واستنجيته إذا أخلصه . قال الشاعر : @ فتبازت فتبازخت لها كجلسة الأعسر يستنجي الوتر @@ وأصله كله من النجوة فهو مرتفع من الأرض . قال الشاعر : @ كمن بنجوته كمن بعقوته والمستكن كمن يمشي بقرواح @@ فمعنى { لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ } يعني ما دوّن منهم من الكلام ( إلاّ من أمر بصدقة ) يجوز ان يكون في موضع الخفض والنصب والرفع ، فوجه الخفض على قولك : لاخير في كثير من نجواهم إلاّ فيمن أمر بصدقة . والنجوى ههنا الرجال المتناجون كما قال : ولاهم نجوى . وقال قائلون : النجوى لمنة فيه فالمنصوب يعلا أن يجعل النجوى فعلاً ويكون قوله إلاّ استنثاء من غير الجنس فيكون وجه النصب ظاهراً . قال النابغة : @ إلاّ الأواري لأيّا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد @@ وقد يكون في موضع رفع فمن نصب على المعرفة . وقال الشاعر : @ وبلدة ليس بها أنيس إلاّ اليعافير وإلاّ العيس @@ { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } نزلت في طعمة بن الأبرق أيضاً وذلك إنه لما نزل القرآن فيه وعلم قومه إنه ظالم وخاف هو على نفسه من القطع والفضيحة ، هرب إلى مكة فأنزل الله فيه { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } أي يخالف ( من بعد ما تبين له الهدى ) أي التوحيد بحدوده { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يقول غير دين المؤمنين دين أهل مكة عبادة الاوثان { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } نكله وما أدخره إلى ما تولى في الدنيا { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } فلم ينتهِ طعمة ولم يراجع وتعمد فأدلج على الرجل من بني سليم من أهل مكة فقال له الحجاج : كف أخلاط فنقب بيته فسقط عليه حجر من البيت فتسبب فيه فلم يستطع أن يدخل فقال رجّحني بمعنى أصبح فأخذ [ يتفل ] ، فقال بعضهم : دعوه فإنه لجأ إليكم ، فتركوه وأخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام فرد فراراً منهم فسرق بعض بضاعتهم وهرب فطلبوه وأخذوه فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فصار قبره تلك الاحجار ويقال انه ركب البحر إلى جدّة فسرق من السفينة كيساً فيه دنانير فأمسكوا به فأخذ وأُلقي في البحر ، ويقال إنه نزل في حرة بني سليم وكان يعبد صنماً لهم إلى إن مات ، فأنزل الله فيه { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } فنزل فيه { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } [ المائدة : 38 ] الآية . جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } : نزلت هذه الآية في نفر من قريش ، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ودخلوا في الإسلام ، فأعطاهم رسول الله ثم انقلبوا إلى مكة مرتدين ورجعوا إلى عبادة الاوثان ، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ ) أي يفارق الرسول ، ويعاديه ويحاربه ( مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } يعني من بعد ماوضح له إن محمد عبده ورسوله { وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي غير طريق المسلمين { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ } أي نكله إلى الأصنام يوم القيامة ، وهي لا تملك ضراً ولانفعاً ولا ينجيهم من عذاب الله ونصله جهنم بعبادة الأصنام . { وَسَآءَتْ مَصِيراً } يعني بئس المنزل حلوا به يوم القيامة . الضحاك عن ابن عباس : قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } قال : إن شيخاً من الاعراب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يانبي الله أني شيخ منهمك في الذنوب والخطايا إلاّ إني لم اشرك بالله شيئاً منذ عرفته ، وآمنت به ولم اتخذ من دونه ولياً ولم أواقع المعاصي جرأة على الله ولا مكابرة له ولا توهمت طرفة عين ، إني أعجز الله هرباً وإني لنادم تائب مستغفر فما حالي عند الله ؟ فأنزل الله عز وجل { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } والشرك ذنب لا يغفر لمن مات عليه { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } يعني فقد ذهب عن الطريق وحرم الخير كله . واعلم أن في قوله تعالى { وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ } دليل على قوة حجة الاجماع وفي قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } دليل على فساد قول الخوارج حين زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر وذلك قوله عز وجل قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } ففرّق بين الشرك وسائر الذنوب وحَتم على نفسه بأن لايغفر الشرك . لو كان الكبيرة كفراً لكان قوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } مستوعباً فلما فرّق بين الشرك وسائر الذنوب بان فساد قولهم ، وقد بيّن الله تعالى بأنه الشرك في آخر القصة وهو قوله { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } وقد علم أن صاحب الكبيرة غير مستحل لها فلم يجز أن يكون حكمه حكم الكافر ، وفيه دليل على فساد قول المعتزلة في المنزلة [ بين الشرك والإيمان ] إذ الله تعالى لم يجعل بين الشرك والإيمان منزلة ولم يجعل الذنوب ضداً للإيمان . وكان فيه فساد قول من جعل الكبيرة الكفر ، وفيه دليل على فساد قول المرجئة حين قالوا : إن المؤمن لايعذّب ، وإن كان مرتكباً للذنوب . لأن الله أخرج المشرك من المشيئة وجعل الحكم فيه حتماً ، فلو لم يجز تعذيب المؤمن المذنب لأخرجه من باب الاستثناء وأطلق الحكم فيه كما [ علّقه ] في الشرك ، وفيه دليل على فساد قول الوعيدية وقد ذكرناه من قبل . ثم نزلت في أهل مكة { إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً } من دونه كقوله تعالى { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] أي اعبدوني أستجب ، لكم يدلّ عليه قوله بعده { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } [ غافر : 60 ] من دونه ، أي من دون الله وكان في كل واحدة فيهن شيطان يتراءى للسَدنة والكهَنة يكلمهم فذلك قوله { وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً } [ النساء : 117 ] وكان المشركون يدعون اصنامهم باسمها وكان هذا قول مجاهد والكلبي وأكثر المفسرين . ويدل على صحة هذا التأويل قراءة ابن عباس : إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً جمع الوثن فصيّر الواو همزة كقوله أقب ووقب . وأصله وثن وقرئت إنثا على جمع الإناث كمثل مثال ومثل وثمار وثمر . قال الحسن وقتادة وأبو عبيدة : إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً يعني أمواتاً لاروح فيه خشبة وحجر ومدر ونحوها . وذلك إن الموات كلها يخبر عنها كما يخبر عن المؤنث يقول من ذلك الأصنام متعجبين ، فإن يدعون وما تعبدون إلاّ شيطاناً مريداً والمريد المارد فقيل : بمعنى فاعل . نحو قدير وقادر وهو الشديد العاتي الخارج من الطاعة . يقال : مرد الرجل يمرد مروداً ومراده إذا عتى وخرج من الطاعة وأصل المريد من قول العرب : حدثنا ممرد أي مملس . ويقال : شجرة مردا إذا يتناثر ورقها ، ولذلك سمي من لم تنبت لحيته أمرد ، أي أملس موضع اللحية . فالمراد : الخارج من الطاعة المتملّص منها .