Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 51-67)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ } يعني أنهار النيل ومعظمها أربعة : نهر الملك ، ونهر طولون ، ونهر دمياط ، ونهر تنيس . { تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ } بين يدي وجناتي وبساتيني ، وقال ابن عباس : حولي . عطاء : في قبضتي وملكي . الحسن : بأمري . { أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَآ خَيْرٌ } بل أنا بخير . ( أم ) بمعنى بل ، وليس بحرف على قول أكثر المفسرين ، وقال الفراء : وقوم من أهل المعاني الوقوف على قوله ( أَم ) ، وعنده تمام الكلام . وفي الآية إضمار ومجازها : أفلا تبصرون أم لا تبصرون أم إبتداء ، فقال : أنا خير { مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ } ضعيف حقير يعني موسى ( عليه السلام ) . { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } يفصح بكلامه وحجته ، لعيّه ولعقدته والرنة الّتي في لسانه . { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ } إن كان صادقاً { أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ } قرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم وحفص { أَسْوِرَةٌ } على جمع السوار ، وقرأ أبي : أساور ، وقرأ إبن مسعود : أساوير ، وقرأ العامة : أساورة بالألف على جمع الأسورة وهو جمع الجمع . وقال أبو عمرو بن العلاء : واحد الأساورة والأساور والأساوير أساور ، وهي لغة في السوار . قال مجاهد : كانوا إذا استودوا رجلاً سوّروه بسوار ، وطوّقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته وعلامة لريّاسته . فقال فرعون : هلا ألقى ربّ موسى أسورة من ذهب . { أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } متابعين يقارن بعضهم بعضاً يمشون معه شاهدين له . قال الله تعالى : { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ } القبط وجدهم جهالاً . { فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } . أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه ، حدثنا ابن مالك ، حدثنا إبن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : قال الضحاك بن عبد الرحيم بن أبى حوشب : سمعت بلال بن سعد يقول : قال أبو الدرداء : لو كانت الدّنيا تزن عند الله جناح ذباب ما سقي فرِعون منها شراباً . { فَلَمَّآ آسَفُونَا } أغضبونا ، وقال الحسين بن الفضل : خالفونا { ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً } قرأ علي وابن مسعود بضم السين وفتح اللام ، وقال المؤرخ والنضر بن شميل : هي جمع سلفة ، مثل طرقة وطرق ، وغرفة وغرف ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي بضم السين واللام ، قال الفراء : هو جمع سليف ، وحكي عن القاسم بن معين إنّه سمع العرب تقول : مضى سليف من الناس ، وقال أبو حاتم : سَلف وسُلف واحد ، مثل خَشَب وخُشُب ، وثَمَر وثُمُر وقرأ الباقون فتح السين واللام على جمع السالف مثل حارس وحرس ، وراصد ورّصد ، وهم جميعاً : الماضون المتقدمون من الأمم . { وَمَثَلاً } عبرة . { لِّلآخِرِينَ } لمن يجيء بعدهم ، قال المفسرون : سلفاً لكفّار هذه الأمة إلى النّار . { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } في خلقه من غيرِ أَب . فشبه بآدم من غيرِ أَب ولا أُم . { إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } ويقولون ما يريد محمد منا إلاّ أن نعبده ونتخذه إلهاً كما عبدت النصارى عيسى . قاله قتادة . وقال ابن عباس : أَراد به مناظرة عبد الله بن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم وشأن عيسى ( عليه السلام ) ، وقد ذكرناها في الأنبياء ( عليهم السلام ) وأختلف القرّاء في قوله : { يَصِدُّونَ } فقرأ أهل المدينة والشام وجماعة من الكوفيين بضم الصاد ، وهي قراءة علي والنخعي ومعناه يعرضون ، ونظيره قوله : { رَأَيْتَ ٱلْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [ النساء : 61 ] . وقرأ الباقون بكسر الصاد ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم واختلفوا في معناه ، فقال الكسائي : هما لغتان مثل يعرشون ويعرشون ، ويعكفون ويعكفون ، ودرّت الشاة تدر وتدُرُ ، وشذ عليه يشذ ويشد ، ونمّ الحديث ينمه وينمُه ، وقال ابن عباس : معناه يضجون . سعيد بن المسيب : يصيحون ضحاك : يعجون . قتادة : يجزعون ويضحكون ، وقال القرظي : يضجرون . وقال الفراء : حدثني أبو بكر بن عياش أنَّ عاصماً قرأ يصُدُون من قراءة أبي عبد الرحمن ، وقرأ يصدُون ، وفي حديث آخر إنّ ابن عباس لقي أخي عبيد بن عمير ، فقال : إنّ عمك لعربي ، فماله يلحن في قوله سبحانه تعالى : { إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } ؟ . { وَقَالُوۤاْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم فنعبد إلهه ونطيعه ونترك آلهتنا ، هذا قول قتادة ، وقال السدي وابن زيد : أم هُوَ يعنون عيسى ( عليه السلام ) ، قالوا : يزعم محمد إنّ كلّ ما عبد من دون الله في النّار ، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عزير وعيسى والملائكة في النّار . قال الله تعالى : { مَا ضَرَبُوهُ } يعني هذا المثل . { لَكَ إِلاَّ جَدَلاً } خصومة بالباطل . { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن علي الجمشاذي الفقيه ، بقراءتي عليه ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل . حدثني أبي ، حدثنا عبد الله بن نمير الكوفي ، حدثنا حجاج بن دينار الواسطي ، أخبرنا ابن فنجويه ، حدثنا هارون بن محمد بن هارون ، حدثنا السريّ ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا عنبسة بن عبد الواحد القريشي ، عن الحجاج بن دينار ، عن أبي غالب ، عن أبي أُمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه ، إلاَّ أُتوا الجدل ، ثمّ قرأ : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } " . { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } يعني آية أو عبرة وعظه لبني إسرائيل . { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ } لأهلكناكم وجعلنا بدلاً منكم . { مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } يعني يكونون خلفاً منكم فيعمرون الأرض ويعبدونني ويطيعونني . { وَإِنَّهُ } يعني عيسى ( عليه السلام ) . { لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } بنزوله يعلم قيام الساعة ويستدل على ذهاب الدّنيا وإقبال الآخرة . أخبرنا ابن فنجويه ، حدثنا طلحة بن محمد وعبيد الله بن أحمد ، قالا : حدثنا أبو بشر بن مجاهد ، حدثنا فضل بن الحسن ، حدثنا عبيد الله بن معاد ، حدثنا أبي ، عن عمران بن جرير ، قال : سمعت أبا نضرة يقرأ { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } ، قال : هو عيسى ، وبإسناده عن ابن مجاهد ، حدثني عبد الله بن ( عمر ) بن سعد ، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا خالد بن الحرث ، حدثنا أبو مكي ، عن عكرمة { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } ، قال : ذلك عيسى ( عليه السلام ) . وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة و مالك بن دينار والضحاك { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } بفتح السين واللام ، أي إمارة وعلامة ، وفي الحديث : ينزل عيسى بن مريم على ثنية بالأرض المقدسة ، يقال لها : أفيق ، بين مُمصرّتَيْن وشعر رأسه دهين وبيده حربة يقتل بها الدجال . فيأتي بيت المقدس والنّاس في صلاة العصر ، والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام ، فيتقدّمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ثمّ يقتل الخِنزير ، ويكسر الصليب ، ويخرب البيع والكنائس ، ويقتل النصارى . إلاَّ من آمن به . وقال قوم : الهاء في قوله : { وَإِنَّهُ } كناية عن القرآن ، ومعنى الآية وإِنَّ القرآن لَعِلمٌ لِلسَّاعَةِ يعلمكم قيامها ويخبركم بأحوالها وأهوالها ، وإليه ذهب الحسن . { فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } فلا تَشكُنَّ بها أي فيها . { وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ } ولا يَصرفنّكم { ٱلشَّيْطَانُ } عن دين الله . { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ } بني إِسرائيل . { بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ } بالنبوة . { وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } من أحكام التوراة . { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ } اليهود والنصارى . { مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ } كفروا واشركوا كما في سورة مريم . { مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * ٱلأَخِلاَّءُ } على المعصية في الدنيا . { يَوْمَئِذٍ } يوم القيامة . { بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } . المتحابين في الله على طاعة الله . أخبرنا عقيل بن محمد إنّ أبا الهرج البغدادي القاضي أخبرهم ، عن محمد بن جرير ، حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أبي اسحاق ، إنّ علياً رضي الله عنه قال في هذه الآية : خليلان مؤمنان وخليلان كافران ، فمات أحد المؤمنين ، فقال : يا ربّ إنّ فلان كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير ، وينهاني عن الشرّ ، ويخبرني إنّي ملاقيك . يا ربّ فلا تضلّه بعدي واهده ، كما هديتني ، وإكرمه كما أكرمتني . وإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما ، فيقول : ليثني أحدكما على صاحبه . يقول : يا ربّ انه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشرّ ، ويخبرني أنّي ملاقيك ، فيقول : نعم الأخ ، ونعم الخليل ، ونعم الصاحب . قال : ويموت أحد الكافرين ، فيقول : إنّ فلان كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالشّر ، وينهاني عن الخير ويخبرني إنّي غير ملاقيك . فيقول : بئس الأخ ، وبئس الخليل ، وبئس الصاحب .