Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 33-35)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } لم يضعف عن إبداعهن ، ولم يعجز عن اختراعهن . { بِقَادِرٍ } قراءة العامة ( بالباء ) و ( الألف ) على الاسم واختلفوا في وجه دخول ( الباء ) فيه ، فقال أبو عبيدة والأخفش : هي صلة ، كقوله : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [ المؤمنون : 20 ] وقال الحارث بن حلزة : @ قيل ما اليوم بيّضت بعيون النّاس فيها تغيّظ وإباء @@ أراد بيضت عيون النّاس . وقال الكسائي والفراء : ( الباء ) فيه جلبت الاستفهام والجحد في أوّل الكلام ، كقوله : { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ } [ يس : 81 ] . والعرب تدخلها في الجحود ، إذا كانت رافعة لما قبلها ، كقول الشاعر : @ فما رجعتْ بخائبة ركاب حكيم بن المسيّب منتهاها @@ وقرأ الأعرج وعاصم الجحدري وابن أبي إسحاق ويعقوب بن إسحاق { يقدر } ( بالياء ) من غير ( ألف ) على الفعل ، واختار أبو عبيد قراءة العامّة لأنّها في قراءة عبد الله { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ } بغير ( باء ) . { عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ } فيقال لهم : { أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ } لهم المقرّر بذلك { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُل } قال ابن عبّاس : ذوو الحزم . ضحّاك : ذوو الجدّ والصّبر . القرظي : ذوو الرأي والصواب . واختلفوا فيهم ، فقال ابن زيد : كلّ الرسل كانوا أُولي عزم ، ولم يتّخذ الله رسولاً ، إلاّ كان ذا عزم ، وهو اختيار علي بن مهدي الطبري ، قال : وإنّما دخلت { مِنَ } للتجنيس لا للتبعيض ، كما يقال : اشتريت أكسية من الخزّ ، وأردية من البز . حكاها شيخنا أبو القاسم بن حبيب عنه . وقال بعضهم : كلّ الأنبياء ( عليهم السلام ) أُولوا عزم ، إلاّ يونس ، ألا ترى إنّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يكون مثله ، لخفّة وعجلة ظهرت منه حين ولّى من قومه مغاضباً ، فابتلاه الله بثلاث : سلّط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله وماله ، وسلّط الذئب على ولْدِهِ فأكلهم ، وسلّط الحوت عليه حتّى ابتلعه . سمعت أبا منصور الجمشاذي يحكيها ، عن أبي بكر الرازي ، عن أبي القاسم الحكيم . وقيل : هم نجباء الرّسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر ، وهو اختيار الحسين بن الفضل ، قال : لقوله في عقبه : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] . وقال الكلبي : هم الّذين أُمروا بالقتال ، فأظهروا المكاشفة ، وجاهدوا الكفرة بالبراءة ، وجاهدوهم . أخبرنا ابن منجويه الدينوري ، عن أبي علي حبش المقري ، قال : قال بعض أهل العلم : أولو العزم اثنا عشر نبيّاً أُرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم ، فأوحى الله تعالى إلى الأنبياء ( عليهم السلام ) : « إنّي مرسل عذابي على عصاة بني إسرائيل » ، فشقَّ ذلك عليهم ، فأوحى الله تعالى إليهم أن اختاروا لأنفسكم ، إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل ، وإن شئتم أنجيتكم وأنزلت ببني إسرائيل . فتشاوروا بينهم ، فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي بني إسرائيل ، فأنجى الله بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب ، وذلك إنّه سلّط عليهم ملوك الأرض ، فمنهم من نشر بالمناشير ، ومنهم من سُلخ جلد رأسه ووجهه ، ومنهم من رُفع على الخشب ، ومنهم من أُحرق بالنّار ، وقيل هم ستّة : نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، وموسى . وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراب والشعراء . وقيل أصحاب الشرائع ، وهم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمّد صلى الله عليه وسلم . وقال مقاتل : أولو العزم ستّة : نوح صبر على أذى قومه فكانوا يضربونه حتّى يغشى عليه ، وإبراهيم صبر على النّار ، وإسحاق صبر على الذبح ، ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره ، ويوسف صبر في البئر وفي السجن ، وأيّوب صبر على ضرّه . وقال الحسن البصري : هم أربعة : إبراهيم ، وموسى ، وداود ، وعيسى . فقال : إبراهيم فعزمه قيل له : أسلم ، قال : أسلمت لربّ العالمين . ثمّ ابتلي في ماله ، وولده ، ووطنه ، ونفسه ، فَوجِدَ صادقاً وافياً في جميع ما أُبتلي به ، وأمّا موسى ، فعزمه قوله حين قال له قومه : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] قال : { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] . وأمّا داود ، فعزمه أنّه أخطأ خطيئة ، فنُبّه عليها ، فبلي أربعين سنة على خطيئته حتّى نبتت من دموعه شجرة ، وقعد تحت ظلّها ، وأمّا عيسى فعزمه أنّه لم يضع في الدُّنيا لبنة على لبنة ، وقال : إنّها معبر فاعبروها ، ولا تعمروها . فكان الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } أي كن صادقاً فيما ابتليت به مثل صدق إبراهيم ، واثقاً بنصرة مولاك مثل ثقة موسى ، مهتمّاً لما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود ، زاهداً في الدنيا مثل زهد عيسى ( عليه السلام ) . حدّثنا الإمام أبو منصور محمّد بن عبد الله الجمشاذي لفظاً ، أخبرنا أبو عمرو محمد بن محمّد بن أحمد القاضي ، أخبرنا أبو عبد الرحمن ، أخبرنا ابن أبي الربيع ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله تعالى : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } ، قال : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ( عليهم السلام ) . أخبرنا أبو منصور الجمشاذي ، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن يوسف الدقّاق ، أخبرنا الحسن ابن محمّد بن جابر ، حدّثنا عبد الله بن هاشم ، حدّثنا وكيع ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع ابن أنس ، عن أبي العالية في قوله : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } ، قال : كانوا ثلاثة : نوح ، وإبراهيم ، وهود ، ومحمّد رابعهم ، أُمر أن يصبر كما صبروا . أخبرني أبو عبد الله بن منجويه ، حدّثنا محمّد بن عبد الله بن برزة ، حدّثنا الحارث بن أبي أُسامة ، حدّثنا داود بن المخبر ، حدّثنا سليمان بن الحكم ، عن الأحوص بن حكيم بن كعب الحبر ، قال : في جنّة عدن مدينة من لؤلؤ بيضاء ، تكلّ عنها الأبصار ، لم يرها نبي مرسل ولا ملك مُقرَّب ، أعدّها الله سبحانه وتعالى لأُولي العزم من الرُّسل والشهداء والمجاهدين ، لأنّهم فضّلوا الناس عقلاً وحلماً وإنابة ولبّاً . { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } العذاب . { لَهُمْ } فإنّه نازل بهم لا محالة . { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ } من العذاب في الآخرة { لَمْ يَلْبَثُوۤاْ } في الدُّنيا { إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } يعني في جنب يوم القيامة ، وقيل : لأنّه ينسيهم هول ما عاينوا قدر مكثهم في الدُّنيا . ثمّ قال : { بَلاَغٌ } أي هذا القرآن وما ذكر فيه من البيان بلاغ بلغكم محمّد صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى ، دليله ونظيره في سورة إبراهيم . ( عليه السلام ) { فَهَلْ يُهْلَكُ } بالعذاب إذا نزل { إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } الخارجون عن أمر الله تعالى . أخبرنا الحسين بن محمّد الحديثي ، حدّثنا سعد بن محمّد بن إسحاق الصيرفي ، حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شنبه ، حدّثنا منجاب بن الحارث ، حدّثنا علي بن مهير ، حدّثنا ابن أبي ليلى ، عن الحكيم عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : إذا عسر على المرأة ولدها ، فلتكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة ، ثمّ تُغسّل ، ثمّ تسقى منها : بسم الله الرّحمن الرّحيم لا إله إلاّ الله الحليم الكريم سبحان الله { مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } [ المؤمنون : 86 ] . { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ } .