Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 43-46)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ } تعجّب وفيه اختصار إلى وكيف يجعلونك حاكماً ويرضون بمحمد { وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ } وهو الرجم فلا يرضون بذلك . { ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } إلى قوله { لِلَّذِينَ هَادُواْ } فإن قيل : وهل فينا غير مسلم ؟ فالجواب أن هؤلاء نبيوا الإسلام لا على أن غيرهم من النبيين لم يتولوا المسلمين وهذا كقوله { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } [ الفتح : 29 ] { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ } [ الأعراف : 158 ] لا يريد أن غيره من الأنبياء لم يؤمنوا باللّه وكلماته . وقيل : لم يرد به الإسلام الذي هو ضد الكفر . إنما المراد به الذين انقادوا لحكم اللّه فلم يكتموه كما كتم هؤلاء ، يعرّض بأهل الكتاب . وهذا كقوله { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ آل عمران : 83 ] . وقال يزيد بن عمرو بن نفيل : أسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالاً ، وأسلمت وجهي لمن أسلمت له العيون تحمل عذباً زلالاً . وقيل : معناه الذين أسلموا أنفسهم إلى اللّه . كما روي " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أوى إلى فراشه : " أسلمت نفسي إليك " . وقيل : معناه : يحكم بها النبيون الذين أسلموا بما في التوراة من الشرائع ولم يعمل به كمثل عيسى ( عليه السلام ) وهو قوله تعالى { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [ المائدة : 48 ] وهو معنى قول ابن حيّان يحكم بما في التوراة من لدن موسى إلى عيسى عليهما السلام . وقال الحسن والسدّي أراد محمداً صلى الله عليه وسلم حكم على اليهود بالرجم وذكره بلفظ الجمع كما قال تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } [ النحل : 120 ] وقال : أم تحسدون الناس في الحياة { وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ } يعني العلماء وهم ولد هارون ( عليه السلام ) وأحدهم محبر وحبر وهو العالم المحكم للشيء ومنه الكعب بن قانع كعب الأحبار وكعب الحبر . قال الفرّاء : أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد الأحبار بكسر الحاء واختلفوا في اشتقاق هذا الإسم . فقال الكسائي وأبو عبيدة : هو من الحبر الذي يكتب به . وقال النضر بن شميل : سألت الخليل عنه ، فقال : هو من الحبار وهو الأثر الحسن . فأنشد : @ لا تملأ الدلو وعرق فيها ألا ترى حبّار من يسقيها @@ قال قطرب : هو من الحبر وهو الجمال والهيئة يدل عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يخرج رجل من النار قد ذهب حبره وسبره " [ أي جماله وبهاؤه ] . " وقال العباس لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم يا ابن أخ فيم الجمال ؟ قال : " في اللسان " . وقال مصعب بن الزبير لإبنه : يا بني تعلم العلم فإن كان لك مال كان جمالاً وإن لم يكن عندك علم كان لك مالاً ، { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ } استودعوا من كتاب اللّه { وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ } إنه كذلك { فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ } إلى قوله { ٱلْكَافِرُونَ } واختلف العلماء في معنى الآية وحكمها . فقال الضحّاك وأبو إسحاق وأبو صالح وقتادة : نزلت هذه الآيات الثلاث في اليهود وليس في أهل الإسلام منها شيء فأما هذه الأمّة فمن أساء منهم وهو يعلم إنه قد أساء وليس بدين . يدلّ على صحة هذا التأويل . ما روى الأعمش عن عبد اللّه بن مرّة عن البرّاء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } والظالمون والفاسقون . قال : كلها في الكافرين . وقال النخعي والحسن : نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضىً لهذه الآية بها فهي على الناس كلّهم واجبة . عن ابن عباس وطاووس ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعل ذلك وهو به كفر ، وليس كمن يكفر باللّه واليوم [ الآخر ] . عطاء : هو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق . عكرمة : معناه ومن لم يحكم بما أنزل اللّه جاحداً به فقد كفر . ومن أقرّ به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق . وهذه رواية الوالبي عن ابن عباس قال : وسمعت أبا القاسم الحبيبي ، قال : سمعت أبا زكريا العنبري ، يحكي عن عبد العزيز بن يحيى الكناني إنه سأل عن هذه الآيات ، قال : إنها تقع على جميع ما أنزل اللّه لا على بعضه فكل من لم يحكم بجميع ما أنزل اللّه فهو كافر ظالم فاسق . فأما من يحكم ببعض ما أنزل اللّه من التوحيد [ وترك ] الشرك ثم لم يحكم بهما [ فبين ] ما أنزل اللّه من الشرائع لم يستوجب حكم هذه الآيات . قالت الحكماء : هذا إذا ردّ بنص حكم اللّه عياناً عمداً ، فأما من جهله أو أخفي عليه أو أخطأ في تأويل ابتدعه أو دليل اتّجه له فلا ، وأجراها بعضهم على الظاهر . وقال ابن مسعود ، والسدّي : من ارتشى في الحكم وحكم فيه بغير حكم الله فهو كافر { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ } أي وأوحينا في بني إسرائيل في التوراة { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } يعني النفس القاتلة بالنفس المقتولة [ ظلماً ] { وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } بقلعهما { وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ } يجدع به { وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ } يقطع به أذنيه . نافع : في جميع الفقهاء [ وقرأ ] الباقون { وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ } يقلع به وسائر الجوارح قياس على العين والأنف والأذن { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وهذا مخصوص فيما يمكن القصاص فيه ، فأما ما كان من هيضة لحم أو هيضة عظم ويعده ركن لا يحيط العلم به وقياس أو حكومة . واختلف الفقهاء في هذه الآية ، فقرأ الكسائي : { والعين } رفعاً إلى آخره . واختار أبو عبيد لما روى ابن شهاب عن أنس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قرأه { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } نصباً ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، والجروح قصاص ، كله رفع . وأما أبو جعفر وإبن كثير وإبن عامر وأبو عمرو فكانوا يرفعون الجروح وينصبون سائرها . وقتادة ، أبو حاتم قالوا : لأن لهما نظائر في القرآن قوله { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } [ التوبة : 3 ] و { إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعراف : 128 ] { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ } [ الجاثية : 32 ] . وقرأ نافع وعاصم والأعمش وحمزة ويعقوب [ بالعطف ] كلها نصباً ودليلهم قوله تعالى : { أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ } وأن العين بالعين وأن الأنف بالأنف وأن الأذن بالأذن فإن الجروح قصاص . { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ } إختلفوا في الهاء في قوله " به " ، فقال قوم : هي كناية عن المجروح وولي القتيل ، ومعناه فمن تصدّق به فهو كفّارة له ، للمتصدق يعدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدّق . وهو قول عبد اللّه بن عباس والحسن والشعبي وقتادة وجابر بن زيد ، دليل هذا القول لحجة ما روى الشعبي عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " من تصدّق عن جسده بشيء كفّر اللّه عنه بقدر ذلك من ذنوبه " . وروى وكيع عن يوسف بن أبي إسحاق عن أبي السهر قال : " كسر رجل من قريش سنّ رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية ، فقال القريشي : إن هذا داق سني . قال معاوية : كلا أما تسترضيه ، فلمّا ألحَّ عليه الأنصاري ، قال معاوية : شأنك بصاحبك ، وأبو الدرداء جالس . فقال أبو الدرداء : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يصاب بشيء عن جسده فيتصدّق به إلاّ رفعه اللّه به درجة وحطّ به عن خطيئة " . فقال الأنصاري : أأنت سمعت بهذا من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : نعم سمعته أُذناي ووعاه قلبي فعفى عنه " . وروى عوف عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال : " جيء بالقاتل الذي قتل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جاء به ولي المقتول ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتعفو ؟ قال : لا ، قال : أتأخذ الدية ؟ قال : لا ، قال : القتل ، قال : نعم [ قال إذهب فذهب ] فدعاه فقال : أتعفو ؟ قال : لا ، قال : أتأخذ الدية ؟ قال : لا ، قال : القتل ، قال : نعم ، قال : إذهب ، فلما ذهب قال : أما لك أن عفوت فإنه يبوء بإثمك ، وإثم صاحبك . قال : فعفى عنه فأرسله ورأيته وهو يجر شسعيه " . وروى عمران عن عدي بن ثابت الأنصاري قال : طعن رجل رجلاً على عهد معاوية ، فأعطوه ديتين على أن يرضى . فلم يرضَ وأعطوه ثلاث ديات فلم يرض . وحدث رجل عن المسلمين عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال : " من تصدّق بدم فما دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق " . وعن عمر بن نبهان عن جابر بن عبد اللّه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء وتزوج من الحور العين حيث شاء من أدى ديناً [ خفياً ] وعفا عن قاتل وقرأ دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرّات قل هو اللّه أحد " . قال أبو بكر : وإحداهن يا رسول اللّه ؟ قال : وإحداهن " . وقال آخرون : عني بذلك الجارح والقاتل ، يعني إذا عفا المُجنى عليه عن الجاني فعفوه عن الجاني كفّارة لذنب الجاني لا يوآخذ به في الآخرة كما أن القصاص كفّارة له كما إن العافي المتصدق فعلى اللّه تعالى ، قال اللّه تعالى { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } [ الشورى : 40 ] وهذا قول إبراهيم ومجاهد وزيد بن أسلم ، وروي ذلك عن ابن عباس . والقول الأوّل أجود لأنّه ربما تصدّق من عليه ولم يتب الخارج من فعله فإنه كفّارة له والدليل عليه قراءة أُبي : فمن تصدّق به فهو كفّارة له . { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } . { وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم } على آثار النبيين المسلمين للتوراة العالمين به { بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } .