Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 17-25)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ } . قرأ ابن كثير وعاصم برواية أبي بكر والمفضل بتخفيف الصادين من التصديق مجازه : إن المؤمنين والمؤمنات . وقرأ الباقون : بتشديدهما بمعنى أن المتصدقين والمتصدقات ، فأدغم التاء في الصاد كالمزمل والمدثر ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتباراً لقراءة أُبي : ( إن المتصدقين والمتصدقات واقرضوا الله قرضاً حسناً ) بالصدقة والنفقة في سبيله . قال الحسن : كل ما في القرآن من القرض الحسن فهو التطوع وإنما عطف بالفعل على الاسم لأنه في تقدير الفعل ، مجازه : إن الذين صدقوا وأقرضوا يضاعف لهم أمثالها . قراءة العامة : بالألف وفتح العين . وقرأ الأعمش : ( يضاعفه ) بكسر العين وزيادة هاء . وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو جعفر ( يضعّف ) بالتشديد . { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } وهو الجنة { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ } واحدهم : صديق وهو الكثير الصدق . قال الضحاك : هم ثمانية نفر سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام : أبو بكر وعلي وزيد وعثمان بن عفان وطلحة والزبير وسعد وحمزة بن عبد المطلب ، تاسعهم عمر بن الخطاب ألحقه الله بهم لما عرف من صدق نبيّه . { وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ } اختلف العلماء فى نظم هذه الآية وحكمها ، فقال قوم : تمام الكلام عند قوله : { ٱلصِّدِّيقُونَ } ثم ابتدأ فقال : { وَٱلشُّهَدَآءُ } وأراد بهم شهداء المؤمنين خاصة ، والواو فيه واو الاستثناء ، وهذا قول ابن عباس ومسروق وجماعة من العلماء . وقال الآخرون : هي متصلة بما قبلها ، والواو فيه واو النسق . ثم اختلفوا في معناها ، فقال الضحّاك : نزلت في قوم مخصوصين من المؤمنين ، وكانوا كلّهم شهداء ، وقد مرّ ذكرهم . وقال غيره : نزلت في المؤمنين المخلصين كلّهم . أخبرني عبد الله بن حامد إجازة قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله المزني قال : حدّثنا عبد الله ابن غنام النخعي قال : حدّثنا أبو كريب قال : حدّثنا عبيد بن سعيد ، عن شعبة ، عن أبي قيس ، عن الهرمل ، عن عبد الله قال : إنّ الرجل ليقاتل الناس ليرى مكانه ، وإنّ الرجل ليقاتل على الدنيا ، وإنّ الرجل ليقاتل ابتغاء وجه الله ، وإنّ الرجل ليموت على فراشه فيكون شهيداً ، ثم قرأ : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ } . وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمّد بن خالد قال : حدّثنا داود بن سليمان قال : حدّثنا عبد بن حميد قال : حدّثنا أبو نعيم قال : حدّثنا سفيان بن ليث ، عن مجاهد قال : كلّ مؤمن صدّيق شهيد ، ثم قرأ هذه الآية ، يعني موصولة . وقال ابن عباس في بعض الروايات : أراد بالشهداء الأنبياء خاصّة . { لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } في ظلمة القيامة . { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ * ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } : { ما } صلة مجازه { ٱعْلَمُوۤا } . { لَعِبٌ } باطل لا حاصل له { وَلَهْوٌ } : فرح ثم ينقضي { وَزِينَةٌ } منظر يتزيّنون به ، { وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } : يفخر به بعضكم على بعض ، { وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلاَدِ } أي يُتاه بكثرة الأموال والأولاد . وقال بعض المتأوّلين من المتأخّرين : لعب كلعب الصبيان ، ولهو كلهو الفتيان ، وزينة كزينة النسوان ، وتفاخر كتفاخر الأقران ، وتكاثر كتكاثر الدهقان . وقال عليّ بن ابي طالب لعمار بن ياسر : " لا تحزن على الدنيا ، فإن الدنيا ستّة أشياء : مطعوم ، ومشروب ، وملبوس ، ومشموم ، ومركوب ، ومنكوح . فأكبر طعامها العسل وهي بزقة ذبابة ، وأكبر شرابها الماء ويستوي فيه جميع الحيوان ، وأكبر الملبوس الديباج وهي نسجة دود ، وأكبر المشموم المسك ، وهي دم فأرة ظبية ، وأكبر المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال ، وأكبر المنكوح النساء وهو مبال في مبال . والله إن المرأة ليزيَّن أحسنها يراد به أقبحها " . ثم ضرب جلّ ذكره لها مثلا فقال عزّ من قائل : { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ } أي الزّرّاع { نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } فيبلى ويفنى { وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ } ، يعني : أو مغفرة { مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ * سَابِقُوۤاْ } : سارعوا { إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا } : سعتها { كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } لوصل بعضها ببعض . وقال ابن كيسان : عنى به جنّة واحدة من الجنان . { أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ * مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ } بالجدب والقحط وذهاب الزرع والثمر { وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } بالأوصاب والأسقام . وقال الشعبي : المصيبة : ما يكون من خير وشرّ وما يسيء ويسرّ . ودليل هذا التأويل قوله سبحانه : { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ } فذكر الحالتين جميعاً : { إِلاَّ فِي كِتَابٍ } يعني : اللوح المحفوظ { مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } : من قبل أن نخلق الأرض والأنفس . وقال ابن عباس : يعني المصيبة . وقال أبو العالية : يعني النسَمَة { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } إن خلق ذلك وحفظه على الله هيّن . أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمّد بن مخلد قال : أخبرنا داود قال : حدّثنا عبيد قال : حدّثنا أبو نعيم قال : حدّثنا الربيع بن أبي صالح قال : دخلت على سعيد بن جبير في نفر فبكى رجل من القوم ، فقال : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لما أرى بك ولما يذهب بك إليه . قال : فلا تبكِ ، فإنّه كان في علم الله سبحانه أن يكون ، ألم تسمع إلى قول الله عزّ وجلّ : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ } الآية . { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ } : تحزنوا { عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } من الدنيا ، { وَلاَ تَفْرَحُواْ } : تبطروا { بِمَآ آتَاكُمْ } . قراءة العامّة بمدّ الألف ، أي ( أعطاكم ) ، واختاره أبو حاتم . وقرأ أبو عمرو بقصر الألف أي : ( جاءكم ) ، واختاره أبو عبيد ، قال : لقوله سبحانه : { فَاتَكُمْ } ولم يقل : ( أفاتكم ) فجعل له ، فكذلك ( أتاكم ) جعل الفعل له ليوافق الكلام بعضه بعضاً . قال عكرمة : ما من أحد إلاّ وهو يفرح ويحزن فاجعلوا للفرح شكراً وللحزن صبراً . { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } : متكبّر بما أُوتي من الدنيا ، فخور به على الناس . وقال ابن مسعود : لأن ألحسَ جمرة أحرقت ما أحرقت ، وأبقت ما أبقت ، أحبّ إليّ من أن أقول لشيء كان : ليته لم يكن ، أو لشيء لم يكن : ليته كان . قال جعفر الصادق : " يا بن آدم ، مالك تأسّف على مفقود لا يردّه إليك الفوت ؟ ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت ؟ " . وقيل لبزرجمهر : ما لك أيها الحكيم لا تأسف على ما فات ولا تفرح بما هو آت ؟ فقال : لأنّ الفائت لا يتلافى بالعبرة ، والآتي لا يستدام بالحبرة . وقال الفضيل في هذا المعنى : الدنيا مفيد ومبيد فما أباد فلا رجعة له ، وما أفاد فقد أذن بالرحيل . وقال الحسين بن الفضل : حمل الله سبحانه بهذه الآية المؤمنين على مضض الصبر على الفائت ، وترك الفرح بالآتي ، والرضا بقضائه في الحالتين جميعاً . وقال قتيبة بن سعيد : دخلت بعض أحياء العرب فإذا أنا بفضاء من الأرض مملوء من الإبل الموتى والجيف بحيث لا أُحصي عددها ، فسألت عجوزاً : لمن كانت هذه الإبل ؟ فأشارت إلى شيخ على تلّ يغزل صوفاً ، فقلت له : يا شيخ ألك كانت هذه الإبل ؟ قال : كانت باسمي . قلت : فما أصابها ؟ قال : ارتجعها الذي أعطاها . قلت : وهل قلت في ذلك شيئاً ؟ قال : نعم : @ لا والذي أخذ [ … ] من خلائقه والمرء في الدهر نصب الرزء والمحنِ ما سرّني أنّ إبْلي في مباركها وما جرى في قضاء الله لم يكنِ @@ وقال سلم الخوّاص : من أراد أن يأكل الدارين فليدخل في مذهبنا عامين ؛ ليضع الله سبحانه الدنيا والآخرة بين يديه . قيل : وما مذهبكم ؟ قال : الرضا بالقضا ، ومخالفة الهوى . وأنشد : @ لا تطل الحزن على فائت فقلّما يجدي عليك الحزنْ سيّان محزون على ما مضى ومظهرٌ حزناً لما لم يكنْ @@ { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } ، قيل : هو في محل الخفض على نعت ( المختال ) ، وقيل : هو رفع بالابتداء وخبره ما بعده . { وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } قرأ أهل المدينة والشام بإسقاط { هُوَ } وكذلك هو في مصاحفهم . الباقون بإثباته . { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ } يعني له يعدل . وقال ابن زيد : ما يوزن به . { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } : ليعمل الناس بينهم بالعدل { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ } ، قال ابن عباس : نزل آدم من الجنّة معه خمسة أشياء من الحديد : السندان ، والكلبتان ، والمنقعة ، والمطرقة ، والأُبرة . وقال أهل المعاني : يعني أنه أخرج لهم الحديد من المعادن ، وعلمهم صنيعته بوحيه . وقال قطرب : هذا من النُزُل كما تقول : أنزل الأمر على فلان نزلا حسناً ، فمعنى الآية أنه جعل ذلك نزلا لهم ، ومثله قوله : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [ الزمر : 6 ] . ودليل تأويل السلف من المفسرين ما أخبرنا أبو سفيان الحسن بن عبد الله الدهقان قال : حدّثنا الحسن بن إسماعيل بن خلف الخيّاط قال : حدّثنا أبو بكر محمّد بن الفرج المعدّل قال : حدّثنا محمّد بن عبيد بن عبد الملك قال : حدّثنا سفيان بن محمّد أبو محمّد ( ابن أخت سفيان الثوري ) عن عبد الملك بن ملك التميمي عن عبد الله بن خليفة عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنّ الله عزّ وجلّ أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض : فأنزل الحديد ، والنّار ، والماء والملح " . { فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } ، قوّة شديدة ، يعني : السلاح والكراع ، { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } ممّا يستعملونها في مصالحهم ومعايشهم ؛ إذ هو آلة لكلّ صنعة . { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } ، يعني : أرسلنا رسلنا ، وأنزلنا معهم هذه الأشياء ؛ ليعامل الناس بالحقّ والعدل وليرى سبحانه { مَن يَنصُرُهُ } أي دينه { وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } .