Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 1-7)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ } : تخاصمك وتحاورك وتراجعك { فِي زَوْجِهَا } وهي امرأة من الأنصار ثمّ من الخزرج ، واختلفوا في اسمها ونسبها ، فقال ابن عباس : هي خولة بنت خولد . وقال أبو العالية : خويلة بنت الدليم . وقال قتادة : خويلة بنت ثعلبة . وقال المقاتلان : خولة بنت ثعلبة ابن مالك بن خزامة الخزرجية من بني عمرو بن عوف . عطية عن ابن عباس : خولة بنت الصامت . وروى هشام بن عروة ، عن أبيه ، " عن عائشة رضي الله عنها أنّ اسمها جميلة ، وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت وذلك أنّها كانت حسنة الجسم فرآها زوجها ساجدة في صلاتها فنظر إلى عجزها ، فلمّا انصرفت أرادها فأبت عليه فغضب عليها ، وكان امرءاً فيه سرعة ولمم . فقال لها : أنتِ عليَّ كظهر أُمّي . ثم ندم على ما قال ، وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية . فقال لها : ما أظنك إلاّ قد حرمتِ عليَّ . قالت : لا تقل ذلك ، ائتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله . فقال : إني أجدني استحي منه أن أسأله عن هذا . قالت : فدعني أسأله . قال : سليه . فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة تغسل شقّ رأسه ، فقالت : يا رسول الله ، إنّ زوجي أوس بن الصامت تزوّجني ، وكنت شابّة جميلة ذات مال وأهل ، حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرّق وكبرت سنّي ظاهر منّي وقد ندم ، فهل من شيء يجمعني وإيّاه ينعشني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حرمت عليه " . فقالت : يا رسول الله ، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقاً ، وإنّه أبو ولدي وأحبّ الناس إليّ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " حرمت عليه " . فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ، قد طالت صحبتي ونقصت له بطني . فقال رسول الله ( عليه السلام ) : " ما أراك إلاّ وقد حرمتِ عليه ولم أومر في شأنك بشيء " . فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قال لها رسول الله ( عليه السلام ) : " حرمت عليه " هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتي وشدّة حالي ، اللهمّ ، فأنزلْ على لسان نبيّك . وكان هذا أول ظهار في الإسلام . فقامت عائشة تغسل شقّ رأسه الآخر فقالت : انظر في أمري ، جعلني الله فداك يا نبيّ الله . فقالت عائشة : اقصري حديثك ومحادثتك ، أما ترين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزل عليه أخذه مثل السبات ؟ فلمّا قضى الوحي قال : " ادعي زوجك " . فجاء ، فقرأ ما نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } ثم بيّن حكم الظهار ، وجعل فيه الكفّارة ، فقال سبحانه : { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ } إلى آخرها ، قالت عائشة : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلّها ، إنّ المرأة لتحاور رسول الله وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها ويخفى عليَّ بعضه ، إذ أنزل سبحانه : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ } الآيات . فلمّا نزلت هذه الآيات وتلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " هل تستطيع أن تعتق رقبة ؟ " . قال : إذن يذهب مالي كلّه . الرقبة غالية وأنا قليل المال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ " . قال : والله يا رسول الله ، إني إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرات كلّ بصري وخشيت أن تعشو عيني . قال : " فهل تستطيع أن تطعم ستّين مسكيناً ؟ " . قال : لا والله ، إلاّ أن تعينني على ذلك يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنّي معينك بخمسة عشر صاعاً ، وأنا داع لك بالبركة " . فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعاً واجتمع لهما أمرهما " فذلك قوله : { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } ، قد ذكرنا اختلاف القرّاء في هذا الحرف في سورة الأحزاب . { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } قرأ العامّة بخفض التاء ومحلّه نصب ، كقوله سبحانه : { هَـٰذَا بَشَراً } [ يوسف : 31 ] . وقيل : ( بأمهاتهم ) . وقرأ المفضّل بضمِّ التاء . { إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } أي كذباً ، والمنكر : الذي لا تعرف صحّته . { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ } ، اعلم أنّ الألفاظ التي يصير المرء بها مظاهراً على ضربين : صريح ، وكناية . فالصريح هو أن يقول : أنتِ عليَّ كظهر أُمّي ، وكذلك إذا قال : أنتِ عليَّ كبطن أمّي أو كرأس أمّي أو كفرج أمّي ، وهكذا إذا قال : فرجك أو رأسك أو ظهرك أو صدرك أو بطنك أو يدك أو رجلك عليَّ كظهر أُمّي ، فإنّه يصير مظاهراً ، وكلّ ذلك محلّ قوله : يدك أو رجلك أو رأسك أو بطنك طالق فإنّها تطلق ، والخلاف في هذه المسألة بين الفريقين كالخلاف في الطلاق . ومتى ما شبّهها بأمّه أو بإحدى جدّاته من قبل أبيه وأُمّه كان ذلك ظهاراً بلا خلاف . وإن شبّهها بغير الأمّ والجدّة من ذوات المحارم التي لا تحلّ له بحال كالإبنة والأخت والعمّة والخالة ونحوها ، كان مظاهراً على الصحيح من المذاهب . فصريح الظهار هو أن يشبّه زوجته أو عضواً من أعضائها بعضو من أعضاء أُمّه ، أو أعضاء واحدة من ذوات محارمه . والكناية أن يقول : أنتِ عليَّ كأُمّي ، أو مثل أمّي أو نحوها ، فإنّه يعتبر فيه نيّته . فإن أراد ظهاراً كان مظاهراً وإن لم ينو الظهار لا يصِرْ مظاهراً . وكلّ زوج صحّ طلاقه صحّ ظهاره ، سواءً كان عبداً أو حراً أو ذمّياً أو دخل بالمرأة أو لم يدخل بها ، أو كان قادراً على جماعها أو عاجزاً عنه . وكذلك يصحّ الظهار من كلّ زوجة ، صغيرة كانت أو كبيرة ، أو عاقلة أومجنونة ، أو رتقاء أو سليمة ، أو صائمة أو محرمة ، أو ذمّية ، أو مسلمة ، أو في عدّة يملك رجعتها . وقال أبو حنيفة : لا يصحّ ظهار الذمّيّ . وقال مالك : لا يصحّ ظهار العبد ، قال بعض العلماء : لا يصحّ ظهار غير المدخول بها . وقال المزني : إذا طلّق الرجل امرأته طلقة رجعيّة ثم ظاهر فإنّه لا يصحّ . { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } اعلم أنّ الكفارة تلزم بالظهار وبالعود جميعاً ، ولا تلزم بأحدهما دون الآخر . كما أنّ الكفارة في باب اليمين تجب باليمين والحنث جميعاً معاً ، فإذا عاد في ظهاره لزمته الكفّارة . واختلف العلماء والفقهاء في معنى العود ؛ فقال الشافعي : العود الموجب للكفّارة أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار وتمضي مدّة يمكنهُ أن يطلّقها فلم يطلّقها . وقال قتادة : { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } يريد أن يغشاها ويطأها بعدما حرّمها . وإليه ذهب أبو حنيفة ، قال : إن عزم على وطئها ونوى أن يغشاها كان عوداً . وقال مالك : إن وطئها كان عوداً ، وإن لم يطأها لم يكن عوداً . وقال أصحاب الظاهر : إن كرّر اللفظ كان عوداً وإن لم يكرّر لم يكن عوداً . وهو قول أبي العالية ، وظاهر الآية يشهد له ، وهو قوله : { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } أي إلى ما قالوا ، { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } ؛ لأنّ الله سبحانه قيّد الرقبة بالإيمان في كفّارة القتل وأطلق في هذا الموضع ، ومن حكم المطلق أن يحمل على القيد . وقوله : { مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } أي يتجامعا ، فالجماع نفسه محرّم على المظاهر حتى يكفّر ، فإن وطئ قبل التكفير فقد فعل محرّماً ، ولا تسقط عنه الكفّارة بل يأتي بها على وجه القضاء ، كما لو أخّر الصلاة عن وقتها ، فإنّه لا يسقط عنه إتيانها بل يلزمه قضاؤها . وسواء كفّر بالإعتاق أو الصيام أو الإطعام فإنّه يجب عليه تقديم الكفّارة ، ولا يجوز له أن يطأها قبل الكفّارة . وقال أبو حنيفة : إن كفّر بالإطعام جاز له أن يطأ ثم يطعم ولم يخالف في العتق والصيام . فهذا حكم وطء المظاهر قبل التكفير . وأمّا غير الوطء من التقبيل والتلذّذ فإنّه لا يحرم في قول أكثر العلماء . وهو قول الحسن وسفيان ، والصحيح من مذهب الشافعي . وقال بعضهم : عنى به جميع معاني المسيس ؛ لأنّه عامّ وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه . { ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } : تؤمرون به ، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ } الرقبة ولا ثمنها ، أو يكون مالكاً للرقبة إلاّ إنّه محتاج إليها لخدمته ، أو يكون مالكاً للثمن ولكن يحتاج إليه لنفقته أو كان له مسكن يسكنه ، فله الانتقال إلى الصوم . وقال أبو حنيفة : ليس له أن يصوم وعليه أن يعتق الرقبة وإن كان محتاجاً إليها وإلى ثمنها ، فإن عجر عن الرقبة { فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } فإنْ أفطر في أثنائها بغير عذر قطع التتابع وعليه أن يستأنف شهرين متتابعين . وإن أفطر بعذر المرض أو السفر ، فاختلف الفقهاء فيه ، فقال قوم : لا ينقطع التتابع وله أن يبني ويقضي الباقي ، وإليه ذهب سعيد بن المسيّب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي ، وهو أحد قولي الشافعي . وقال آخرون : ليس له أن يبني بل يلزمه أن يستأنف ويبتدئ ، وهو قول النخعي وأصحابه ، والأصحّ من قولي الشافعي . وإن تخلّل صوم الشهرين زمان لا يصّح فيه الصوم عن الكفّارة كالعيدين وأيام التشريق وأيام شهر رمضان ، فإنّ التتابع ينقطع بذلك ويجب الاستئناف . ولو وطئ المظاهر في الشهرين ، نظرَ ؛ فإن وطِئها نهاراً بطل التتابع وعليه الابتداء ، وإن وطِئها ليلا لم يبطل التتابع . وقال أبو حنيفة : سواء وطئ ليلا أو نهاراً فإنّه يبطل التتابع وعليه أن يستأنف صوم شهرين متتابعين . { فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ } الصيام ، وعدمُ الاستطاعة مثلُ أن يخاف من الصوم لعلة أو لحوق ومشقّة شديدة ومضرّة ظاهرة ، { فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً } لكلّ مسكين مدّ من غالب قوت بلده ، والخلاف فيه بين الفريقين كالاختلاف في زكاة الفطرة . { ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ } : يخالفون ويعادون { ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ } : أُهلكوا وأُخّروا وأُحربوا { كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ } قراءة العامّة بالياء لأجل الحائل ، وقرأ أبو جعفر القارئ ( تكون ) بالتاء لتأنيث النجوى ، والأول أفصح وأصحّ { مِن نَّجْوَىٰ } متناجين { ثَلاَثَةٍ } ، قال الفراء : إن شئت خفضت الثلاثة على نعت النجوى وإن شئت أضفت النجوى إليها ، ولو نصبت على أنّها [ حال ] لكان صواباً . { إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } بالعلم يسمع نجواهم ويعلم فحواهم ، { وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ } ، قراءة العامّة بالنصب في محلّ الخفض عطفاً . وقرأ يعقوب وأبو حاتم ( أَكْثَرَ ) بالرفع على محلّ الكلام قبل دخول { مِنْ } ، وقرأ الزهري ( أَكْثَرَ ) بالباء ، { إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .