Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 9-22)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } قال ابن عباس : وذلك أنّ الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكثروا ، حتى شقّوا عليه وأحفوه بالمسألة فأدبّهم الله سبحانه وفطّنهم عن ذلك بهذه الآية ، وأمرهم أن لا يناجوه حتى يقدّموا صدقة . وقال مقاتل بن حيّان : نزلت في الأغنياء ، وذلك أنّهم كانوا يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على ( المجالس ) حتى كره النبي صلى الله عليه وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم فأمر الله تعالى بالصدقة عند المناجاة ، فلمّا رأوا ذلك انتهوا عن المناجاة ، فأمّا أهل العسرة فلم يجدوا شيئاً ، وأمّا أهل الميسرة فبخلوا ومنعوا ، فاشتدّ ذلك على أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت الرخصة ، قال مجاهد : نهوا عن مناجاة النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى يتصدّقوا ، فلم يناجه إلاّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قدّم ديناراً فتصدّق به ثمّ نزلت الرخصة . وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } فإنّها فرضت ثم نسخت . أخبرني عبد الله بن حامد إجازة قال : أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه قال : أخبرنا علي بن صقر بن نصر قال : حدّثنا يحيى بن عبد الحميد قال : حدّثنا أبو عبد الرحمن الأشجعي ، عن سفيان عن عثمان بن المغيرة ، عن [ سالم ] بن أبي الجعد ، عن عليّ بن علقمة الأنماري ، عن علىّ بن أبي طالب قال : " لمّا نزلت { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما ترى بذي دينار " ؟ . قلت : لا يطيقونه . قال : " كم " ؟ . قلت : حبّة أو شعيرة . قال : " إنك لزهيد " . فنزلت { أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ } " الآية . قال عليّ رضي الله عنه : فِيّ خفَّف الله سبحانه عن هذه الأمّة ، ولم تنزل في أحد قبلي ولن تنزل في أحد بعدي . قال ابن عمر : كان لعليّ بن أبي طالب ثلاث لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ من حمر النعم : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى . { أَأَشْفَقْتُمْ } أبخلتم وخفتم بالصدقة الفاقة { أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } فتجاوز عنكم ولم يعاقبكم بترك الصدقة ، وقيل : الواو صلة . مجازه ( وإذ لم تفعلوا تاب الله عليكم ) تجاوز عنكم وخفّف ونسخ الصدقة . قال مقاتل بن حيّان : إنّما كان ذلك عشر ليال ثم نسخ . وقال الكلبي : ما كانت إلاّ ساعة من النهار . { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } نزلت في المنافقين تولّوا اليهود وناصحوهم ونقلوا إليهم أسرار المسلمين { مَّا هُم مِّنكُمْ } يا معشر المسلمين { وَلاَ مِنْهُمْ } يعني اليهود والكافرين . نظيره { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ } [ النساء : 143 ] . " { وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . قال السدّي ومقاتل : خاصّة في عبد الله بن نبتل المنافق ، كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجره إذ قال : " يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبّار وينظر بعيني شيطان " فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم " على ما تشتمني أنت وأصحابك " ؟ فحلف بالله ما فعل ، وقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم " فعلت " . وانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبّوه ، فأنزل الله سبحانه ذكر هذه الآية . { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * ٱتَّخَذْوۤاْ أَيْمَانَهُمْ } " الكاذبة ، وقرأ الحسن بكسر الألف ، أي إقرارهم { جُنَّةً } يستجنّون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } . { لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ } يوم القيامة { أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ } كارهين ، ما كانوا كاذبين { كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } ، قال قتادة : إنّ المنافق يحلف له يوم القيامة كما حلف لأوليائه في الدنيا { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } ، أخبرنا الحسن بن محمّد قال : حدّثنا أحمد بن يعقوب الأنباري قال : حدّثنا أبو حنيفة محمّد بن حنيفة بن ماهان الواسطي قال : حدّثنا إبراهيم بن سليم الهجمي قال : حدّثنا ابراهيم بن سليمان الدبّاس قال : حدّثنا ابن أخي روّاد ، عن الحكم عن عيينة عن مقسم عن ابن عباس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ينادي مناد يوم القيامة : أين خصماء الله ؟ فيقوم القدرية وجوههم مسودّة ، مزرقّة أعينهم ، مائل شدقهم ، يسيل لعابهم ، فيقولون : والله ماعبدنا من دونك شمساً ولا قمراً ولا صنماً ولا وثناً ولا اتّخذنا من دونك إلهاً " . فقال ابن عباس : صدقوا والله ، أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون ، ثم تلا ابن عباس هذه الآية { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } ، هم والله القدريون ، هم والله القدريون . { ٱسْتَحْوَذَ } : غلب واستولى { عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } : الأسفلين . { كَتَبَ ٱللَّهُ } : قضى الله سبحانه { لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } ، وذلك أنّ المؤمنين قالوا : لئن فتح الله لنا مكّة وخيبر وما حولها فإنّا لنرجو أن يظفرنا الله على الروم وفارس . فقال عبد الله بن أُبىّ : أتظنّون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها ؟ والله لهم أكثر عدداً وأشدّ بطشاً من ذلك . فأنزل الله سبحانه : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } نظيره قوله سبحانه : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] . { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } الآية نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة . وسنذكر القصة في سورة الامتحان إن شاء الله . وقال السدّي : " نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أُبي ، وذلك أنّه كان جالساً إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشرب رسول الله ( عليه السلام ) الماء ، فقال عبد الله : يا رسول الله ، أبقِ فضلة من شرابك . قال : " وما تصنع بها " ؟ قال : أسقيها أبي لعلّ الله يطهّر قلبه . ففعل فأتى بها أباه ، فقال : ما هذا ؟ قال من شراب رسول الله ( عليه السلام ) جئتك بها لتشربها لعلّ الله سبحانه وتعالى يطهّر قلبك . فقال أبوه : هلاّ جئتني ببول أُمّك . فرجع إلى النبي ( عليه السلام ) ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي في قتل أبي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم « بل ترفّق به وتحسّن إليه " " . وقال ابن جريح : " حدّثت أنّ أبا قحافة سبّ النبي صلى الله عليه وسلم فصكّه أبو بكر صكّة سقط منها ، ثم ذكر ذلك للنبيّ ( عليه السلام ) فقال : " أوَفعلته ؟ " . فقال : نعم . قال : " فلا تعد إليه " " . فقال أبو بكر رضي الله عنه : والله لو كان السيف منّي قريباً لقتلته ، فأنزل الله سبحانه هذه الآية : { يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ } . وروى مقاتل بن حيّان ، عن مرّة الهمذاني ، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية : { وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ } يعني أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد " { أَوْ أَبْنَآءَهُمْ } يعني أبا بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز ، وقال : يا رسول الله : دعني أكرّ في الرعلة الأولى . فقال له رسول الله : " متّعنا بنفسك يا أبا بكر ، أما تعلم أنّك عندي بمنزلة سمعي وبصري ؟ " " . { أَوْ إِخْوَانَهُمْ } يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم أحد { أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } يعني عمر قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر ، وعليّاً وحمزة وعبيدة قتلوا عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر . { أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } قراءة العامّة بفتح الكاف والنون ، وروى المفضّل عن عاصم بضمّهما على المجهول ، والأوّل أجود ؛ لقوله : { وَأَيَّدَهُمْ } و { وَنُدْخِلُهُمْ } [ النساء : 57 ] . قال الربيع بن أنس : يعني أثبت الإيمان في قلوبهم فهي موقنة مخلصة . وقيل : معناه كتب في قلوبهم الإيمان ، كقوله : { فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [ طه : 71 ] . وقيل : حكم لهم بالإيمان فذكر القلوب لأنّها موضعه . { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } : وقوّاهم بنصر منه ، قاله الحسن ، وقال السدّي : يعني بالإيمان . ربيع ، بالقرآن وحجّته ، نظيره : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] . ابن جرير : بنور وبرهان وهدى . وقيل : برحمة . وقيل : أمدّهم بجبريل ( عليه السلام ) . { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : حدّثنا محمّد بن حمدان بن سفيان قال : حدّثنا محمّد بن يزيد بن عبد الله بن سلمان قال : حدّثنا المرداس أبو بلال قال : حدّثنا إسماعيل ، عن سعد بن سعيد الجرجاني ، عن بعض مشيخته قال : قال داود ( عليه السلام ) : " إلهي ، من حزبك وحول عرشك ؟ " . فأوحى الله سبحانه إليه : " يا داود ، الغاضّة أبصارهم ، النقيّة قلوبهم ، السليمة أكفّهم ، أولئك حزبي وحول عرشي " .