Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 11-18)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ } قال ابن عباس : خلقنا أصلكم وأباكم آدم { ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } في أرحام أُمهاتكم قال قتادة والربيع والضّحاك والسدي : أمّا خلقناكم فآدم وأمّا صوّرناكم فذرّيّته . قال مجاهد : خلقنا آدم ثمّ صوّرناكم في ظهر آدم . وقال عكرمة : خلقناكم في أصلاب الرجال وصورناكم في أرحام النساء قال عطاء : خلقوا في ظهر آدم ثمّ صوروا في الأرحام . وقال يمان : خلق الإنسان في الرحم ثمّ صوّره ففتق سمعه وبصره وأصابعه ، فإن قيل : ما وجه قوله { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } وإنّما خلقنا بعد ذلك وثمّ يوجب الترتيب والتراخي . كقول القائل : قمت ثمّ قعدت لا يكون القعود إلاّ بعد القيام . قلنا : قال قوم : على التقديم والتأخير ، قال يونس : الخلق والتصوير واحد [ … ] إلينا ، كما نقول : قد ضربناكم وإنّما ضربت سيّدهم ، قال الأخفش : ثمّ بمعنى الواو ومجازه : قلنا ، كقول الشاعر : @ سألت ربيعة من خيرها أباً ثم أُماً فقالت لمّه @@ أراد أباً وأُمّا . { فَسَجَدُوۤاْ } يعني الملائكة { إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } لآدم فقال الله لإبليس حين امتنع من السجود لآدم { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } قال بعضهم : لا زائدة [ وإن صلة ] تقدير الكلام : ما منعك السجود لآدم ، لأن المنع يتعدّى إلى مفعولين قال الله عزّ وجلّ : { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 95 ] . قال الشاعر : @ ويلحينني في اللهو أن لا أحبه وللهو داع دائب غير غافل @@ أراد : أن أُحبُّة . وقال آخر : @ فما ألوم البيض أن لا تسخروا لما رأيتي الشمط القفندرا @@ وقال آخر : @ أبى جوده لا البخل واستعجلت به نعم الفتى لا يمنع الجود قاتله @@ أراد : أبى جوده البخل . سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا الهيثم الجهني يحكي عن أحمد بن يحيى ثعلب قال : كان بعضهم يكره القالا ، وتناول في المنع بمعنى القول ، لأن القول والفعل يمنعان ، وتقديره : من قال لك لا تسجد . قال بعضهم : معنى المنع الحول بين المرء وما يريد . والممنوع مضطر إلى خلاف ما منع منه فكأنّه قال : أي شيء اضطرّك إلى أن لا تسجد . { إِذْ أَمَرْتُكَ } قال إبليس مجيباً له { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } لأنّك { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ } والنار خير وأفضل واصفى وأنور من الطين قال ابن عباس : أوّل مَنْ قاس إبليس . فأخطأ القياس فمَنْ قاس الدين بشيء من رأيه قرنه مع إبليس . وقال ابن سيرين : أوّل مَنْ [ قاس ] إبليس ، وما عبدت الشمس والقمر إلاّ بالمقاييس . وقالت الحكماء : أخطأ عدو الله حين فضّل النار على الطين ، لأن الطين أفضل من النار من وجوه : أحدها : إنّ من جوهر الطين الرزانة والسكون والوقار والاناة والحُلم والحياء والصبر ، وذلك هو الداعي لآدم في السعادة التي [ سبقت ] له إلى التوبة والتواضع والتضرّع وأدرته المغفرة والاجتباء والهداية والتوبة ومن جوهر النار الخفّة والطيش والحدّة والارتفاع والاضطراب ، وذلك الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سيقت له إلى الاستكبار والاصرار فأدركه الهلاك والعذاب واللعنة والشقاق . والثاني : إنّ الطين سبب جمع الأشياء والنار سبب تفريقها . والثالث : إن الخبر ناطق بأن تراب الجنّة مسك أذفر ولم ينطق الخبر بأن في الجنة ناراً وفي النار تراباً . والرابع : إن النار سبب العذاب وهي عذاب الله لإعدائه وليس التراب سبباً للعذاب . والخامس : إنّ الطين [ يُسقى ] من النار والنار محتاجة إلى المكان ومكانها التراب . فقال الله له : { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا } أي من الجنّة ، وقيل : من السماء إلى الأرض فألحقه بجزائر البحور وإنّما سلطانه وعظمته في خزائن البحور وعرشه في البحر الأخضر فلا يدخل في الأرض إلاّ لهبة السارق عليه أطمار تروع فيها [ مَنْ يخرج ] منها { فَمَا يَكُونُ لَكَ } فليس لك أن { أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } في الجنّة ، وليس ينبغي أن يسكن الجنّة ولا السماء [ متكبر ] ولا بخلاف أمر الله عزّ وجلّ { فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } الأذلاء والصغر الذل والمهانة قال إبليس عند ذلك { قَالَ أَنظِرْنِي } أخرّني واجلني وأمهلني ولا تمتني { إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } من قبورهم وهو النفخة الأخيرة عند قيام الساعة ، أراد الخبيث أن لا يذوق الموت ، { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } المؤخّرين . ثمّ بيّن مدّة النظر والمهلة في موضع آخر ، فقال { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [ الحجر : 38 ] وهي النفخة الأولى حين ثبوت الخلق كلّهم { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } . اختلفوا في ما قال : فبعضهم قال : هو استفهام يعني فبأي شيء أغويتني ثمّ ابتدأ فقال { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ } فقيل : هو ما الجزاء يعني فإنّك أغويتني لأجل أنك أغويتني لأقعدن ، وقيل : هو ما المصدر في موضع القسم تقديره : بإغوائك إياي لأقعدن كقوله { بِمَا غَفَرَ لِي } [ يس : 27 ] يعني بغفران ربّي . وقوله أغويتني أضللتني عن الهدى . وقيل : أهلكتني ، من قول العرب غوى الفصيل [ يعني ] غوي وذلك إذا فقد اللبن فمات . قال الشاعر : @ معطفة الأثناء ليس فصيلها برازئها دراً ولا ميّت غوى @@ وحكى عن بعض قبائل طي أنها تقول : أصبح فلان غاوياً أي مريضاً غاراً ، وقال محمد بن جرير : أصل الإغواء في كلام العرب تزيين الرجل للرجل الشيء حتّى يحسنه عنده غاراً له . قال الثعلبي : وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد الحسين بن هاني قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد [ الراوساني ] قال : حدثنا عليّ بن سلمة قال : حدثنا أبو معاوية الضرير عن رجل لم يسمّ قال : كنت [ عند ] طاووس في المسجد الحرام فجاء رجل ممّن يرمي القدر من كبار الفقهاء فجلس إليه فقال طاووس : [ يقوم أو يقام ] فقام الرجل فقال لطاووس : تقول هذا الرجل فقيه ، فقال إبليس : أفقه منه بقول إبليس ربِ بما أغويتني ويقول : هذا أنا أغوي نفسي . { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } يعني لأجلسنّ [ لبني آدم ] على طريقك القويم وهو الإسلام كما قال أوعجلتم أمر ربّكم يعني عن أمر ربّكم . وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يقول : " إن الشيطان قعد لبني آدم بطرق فقعد له بطريق الإسلام فقال له : أتسلم وتذر دينك ودين آبائك ، فعصاه فأسلم ثمّ قعد له بطريق الهجرة فقال : أتهاجر وتذر أرضك وسماءك فإنّما مثل المهاجر كالفرس في الطول . فعصاه وهاجر ثمّ قعد له بطريق الجهاد وهو جهد النفس والمال فقال : أتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصا له وجاهد " . وعن عون بن عبد الله { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } قال : طريق مكّة { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } الآية قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( ثم لآتينّهم ) من بين أيديهم يقول [ أشككهم ] في آخرتهم { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } [ أن يُقيم في كتابهم ] { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } اشتبه عليهم أمر دينهم { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } [ أُشهّي ] لهم المعاصي . روى عطيّة عن ابن عباس قال : أما بين أيديهم فمن قِبل دنياهم وأمّا من خلفهم [ فإنّه ] آخرتهم وأمّا من إيمانهم فمن قبل حسناتهم وأما عن شمائلهم فمن قبل سيئاتهم . وقال قتادة : أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنّه لا يعذّب ولا جنّة ولا نار ، ومن خلفهم من أمر الدنيا فزيّنها لهم ودعاهم إليها ، وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها ، وعن شمائلهم يزين لهم السيئات والمعاصي ودعاهم إليها وأمرهم بها ، إياك يا بن آدم من كل وجه غير أنّه لم يأتك من فوقك لم يستطيع أن يحول بينك وبين رحمة الله . وقال الحكم والسدّي { لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } : يعني الدنيا أدعوهم إليها وأُرغبهم فيها وأُزينها لهم . { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } من قِبَل الآخرة أُشككهم و [ أثبطهم ] فيها . { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } من قبل الحق أصدهم عنه [ أبتلكم ] فيه ، وعن شمائلهم من قِبل الباطل أُخففه عليهم وأُزينه لهم وأُرغبهم فيه . وقال مجاهد : من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ومن خلفهم وعن شمائلهم حيث لا يبصرون ، قال ابن جريج : معنى قوله : من حيث يبصرون أي يخطئون حيث يعلمون أنّهم يخطئون وحيث لا يبصرون لا يعلمون أنهم يخطئون . وقال الكلبي : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } من قِبل آخرتهم أخبرهم أنّه لا جنّة ولا نار ولا نشور . { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } من قِبل دنياهم فأمرهم بجمع الأموال لا يعطون لها حقّاً [ وأُخوفهم الضيعة ] على ذرّيتهم . { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } من قِبل دينهم [ فأُبيّن ] لكلّ قوم ما كانوا [ يعبدون ] وإن كانوا على هدى شبّهته عليهم حتّى أخرجتهم منه { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } من قِبل الشهوات واللذات فأُزيّنها لهم . وقال شقيق بن إبراهيم : ما من صباح إلاّ وقعد لي الشيطان على أربعة مراصد من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ، أما من بين يدي فأقول : لا تحزن فإنّ الله غفور رحيم ، ويقول ذلك { لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } [ طه : 82 ] . وأمّا من خلفي فتخوّفني الضيعة على عيالي ومحللي فأقول { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [ هود : 6 ] . وأما من قِبَل يميني فيأتيني من قبل [ الثناء ] فأقول والعاقبة للمتقين . وأمّا من قبل شمالي فيأتيني من قبل الشهوات واللّذات فأقول { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } [ سبأ : 54 ] . { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } قال الله عزّ وجلّ لإبليس { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً } أي معيباً والذيم والذأم أشد العيب ، وهو أبلغ من الذم ، يقال : ذمّه يذمّه ذمّاً فهو مذموم [ وذائمه يذائمه ] ذأماً [ فهو مذؤوم وذامه ] بذمة ذيماً ، مثل سار يسير ، فهو مذيم والمدحور [ المقصي ] يقال : دَحَره يدحره دحراً إذا أبعده وطرده . قال ابن عباس : مذؤوم عنه { مَذْءُوماً مَّدْحُوراً } يعني غير مطروداً إذ قال الربيع ومجاهد : مذؤوماً [ ممقوتاً ] وروى عطيّة : مذؤوماً مقوتاً ، أبو العالية : مذؤوماً [ مزرياً ] به . وقال الكلبي : مذؤوماً ملوماً مدحوراً مقصياً من الجنّة ومن كل خير ، وقال عطاء : مذؤوماً ملعوناً . وقال الكسائي : المذؤوم المقبوح . وقال النضير بن شميل : المذؤوم [ المحبوس ] وقال أبان عن ثعلب والمبرّد : المذؤوم المعيب . قال الأعشى : @ وقد قالت قبيلة إذ رأتني وإذ لا تعدم الحسناء ذأماً @@ وقال أُميّة بن أبي الصلب : @ قال لإبليس رب العباد أخرج [ رجس الدنيا ] مذؤماً @@ { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } من بني آدم { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ } منك ومن ذريتك وكفار ذرية آدم { أَجْمَعِينَ } .