Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 196-206)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي } يعني الذي [ يحفاني ] ويمنعني منكم الله { نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ * وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ } يامحمد يعني الأصنام { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } وهذا كما يقول العرب : داري ينظر إلى دارك أي يقابلها . ويقول العرب : إذا أتيت مكان كذا فنظر إليك الحمل فخذ يميناً وشمالاً أي : استقبلك . وحدث أبو عبيدة عن الكسائي قال : الحائط ينظر إليك إذا كان قريباً منك حيث تراه . ومنه قول الشاعر : @ إذا نظرت بلاد بني تميم بعين أو بلا بني صباح @@ وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا زكريا العنبري يقول : معناه : وتراهم كأنهم ينظرون إليك كقوله : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } [ الحج : 2 ] أي كأنهم سكارى وإنّما أُخبر عنهم بالهاء والميم ، لأنّها مصوّرة على صورة بني آدم مخبرة عنها بأفعالهم . { خُذِ ٱلْعَفْوَ } قال مجاهد : يعني العفو من أخلاق الناس وأعمالهم بغير تخميس . قال ابن الزبير : ما أنزل الله تعالى هذه الآية إلاّ في أخلاق الناس . وقال ابن عباس والسدي والضحاك والكلبي : يعني ماعفا لك من أموالهم وهو الفضل من العيال والكل فما أتوك به عفواً فخذه ولا تسألهم ما ذرأ ذلك . وهذا قبل أن ينزل فريضة الصدقات . ولما نزلت آية الصدقات نسخت هذه الآية وأمر بأخذها منهم طوعاً وكرهاً { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } أي بالمعروف . قرأ عيسى بن عمر : العُرُف ضمتين مثل الحُلُم وهما لغتان والعرف المعروف والعارفة كل خلصة حميدة فرضتها العقول وتطمئن إليها النفوس . قال الشاعر : @ من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس @@ قال عطاء : وأمر بالعرف يعني لا إله إلاّ الله { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } أبي جهل وأصحابه نسختها آية السيف . ويقال " لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرئيل : " ما هذه ؟ قال : لا أدري حتّى أسأل ، ثمّ رجع فقال : يا محمد إن ربّك يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك " فنظم الشاعر فقال : @ مكارم الأخلاق في ثلاث من كملت فيه فذاك الفتى إعطاء من يحرمه ووصل من يقطعه والعفو عمن عليه اعتدى @@ قال جعفر الصادق : " أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية " . قال النبيّ صلى الله عليه وسلم ( رحمهما الله ) . وقالت عائشة : مكارم الأخلاق عشرة : صدق الحديث . وصدق البأس في طاعة الله . وإعطاء السائل . ومكافأة الصنيع . وصلة الرحم . وأداء الأمانة . والتذمم للصاحب . والتذمم للجار وقرى الضيف ورأسهن الحياء . أنشدنا أبو القاسم الحسن بن محمد المذكور أنشدنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، أنشدنا ابن أبي [ الدنيا ] أنشدني أبو جعفر القرشي : @ كل الأمور تزول عنك وتنقضي إلاّ الثناء فإنه لك باق لو أنني خُيّرتُ كل فضيلة ما اخترت غير مكارم الأخلاق @@ قال عبد الرحمن بن زيد : " لما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلى الله عليه وسلم " كيف يارب [ والغضب ] " فنزل { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ } " يعني يصيبنك ويفتننك ويغرنك ويعرض لك من الشيطان { نَزْغٌ } وأصله الولوع بالفساد والشر . يقال نزغ عرقه إذا [ جُنَّ ] وهاج ، وفيه لغتان : نزغ ونغز ، يقال : إياك والنزاغ والنغاز وهم المورشون . وقال الزجاج : النزغ أدنى حركة تكون من الإنسان ومن الشيطان أدنى وسوسة ، وقال سعيد ابن المسيب : شهدت عثمان وعلياً وكان بينهما نزغ من الشيطان فما أبقى واحد منهما لصاحبه شيئاً ثمّ لم يبرحا حتّى استغفر كل واحد منهما لصاحبه { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } فاستجر بالله { إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } يعني المؤمنين { إِذَا مَسَّهُمْ } أصابهم { طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ } قرأ النخعي وابن كثير وأبو عمرو والأعمش وابن يزيد والجحدري وطلحة : طيف ، وقرأ الباقون : طائف ، وهما لغتان كالميت والمائت ، ومعناهما الشيء الذي [ بكم بك ] وفرق قوم بينهما . فقال أبو عمرو : الطائف ما يطوف حول الشيء والطيف اللمة والوسوسة الخطرة . وقال بعض [ المكيين ] : الطائف ما طاف به من وسوسة الشيطان والطيف اللحم والمس . ويجوز أن يكون الطيف مخفّفاً عن طيّف مثل هيّن وليّن . يدل عليه قراءة سعيد بن جبير : طيّف بالتثقيل . وقال ابن عباس : { إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ } أي نزغ من الشيطان . وقال الكلبي : ذنب . وقال مجاهد : هو الغضب . { تَذَكَّرُواْ } وتفكروا وعرفوا ، وقال أبو روق : ابتهلوا ، وفي قراءة عبد الله بن الزبير : إذا مسهم طائف من الشيطان [ فأملوا ] . قال سعيد بن جبير : هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله فيكظم الغيظ ، ليث عن مجاهد : هو الرجل هم بالذنب فيذكر الله فيدعه . وقال السدي : معناه إذا زلوا تابوا . وقال مقاتل : إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنها معصية فأبصرها ونزغ من مخالفة الله { فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } ينظرون مواضع خطيئتهم بالتفكر والتدبر [ يمرون ] فيقصرون ، فإنّ المتّقي مَنْ يشتهي [ … ] ويبصر فيقصر ، ثم ذكر الكفار فقال { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ } يعني إخوان الشيطان وهم الكفار يمدهم الشياطين في الغي حتى يطبلوا لهم ويزيدوهم في الضلالة . وقرأ أهل المدينة : يمدونهم بضم الياء وكسر الميم وهما لغتان بمعنى واحد . وقرأ الجحدري بما دونهم على يفاعلونهم . { ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } أي لا يشكون ولا ينزغون . وقال ابن زيد : لا يسأمون ولا يفترون . قال ابن عباس : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ولا [ الجن ممسك ] عنهم . وقرأ عيسى بن عمر : يَقصُرون بفتح الياء وضم الصاد وقصَر وأقصَر واحد { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ } يامحمد يعني المشركين { بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا } أي هلاّ أقلعتها وأنشأتها من قبل نفسك واختيارك ، قاله قتادة ، وقال مجاهد : لولا اقتضيتها وأخرجتها من نفسك . وقال ابن زيد : لولا يقبلها [ لجئت ] بها من عندك . وقال ابن عباس : لولا تلقيتها من عندك ، أيضاً لولا حدثتها فأنشأتها . قال العوفي عن ابن عباس : [ فنسيتها وقلتها ] من ربّك . وقال الضحاك : لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء ، قال الفراء : تقول العرب : [ جئت ] الكلام وأخلقته وارتجلته وانتحلته إذا افتعلته من قبل نفسك . قال ابن زيد : إنّما يقول العرب ذلك الكلام بتهدئة الرجل ولم يكن قبل ذلك أعده لنفسه { قُلْ } يا محمد { إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي } ثمّ قال { هَـٰذَا } يعني القرآن { بَصَآئِرُ } حجج وبيان وبرهان { مِن رَّبِّكُمْ } واحدتها بصيرة . وقال الزجاج : طرق من ربكم ، والبصائر طرق الدم . قال الجعفي : @ راحوا بصائرهم على أكتافهم وبصيرتي يعدو بها عتد وآي @@ تعدّوا عداوي وأصلها ظهور الشيء وقيامه واستحكامه حتّى يبصر الانسان فيهتدي إليها وينتفع بها ، ومنه قيل : [ ما لي في الأمر ] من بصيرة و { وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } قال عبد الله بن مسعود : كنا نسلم بعضنا على بعض في الصلاة سلام على فلان وسلام على فلان فجاء القرآن : { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } يعني في الصلاة وقال أبو هريرة : كانوا يتكلّمون في الصلاة فأتت هذه الآية وأُمروا بالإنصات . وقال الزهري : نزلت هذه الآية في فتى من الأنصار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما قرأ شيئاً قرأه ، فنزلت هذه الآية . وروى داود بن أبي هند عن بشير بن جابر قال : صلّى ابن مسعود فسمع ناساً يقرأون مع الإمام فلما انصرف قال : أما آن لكم أن تفقهوا ، أما آن لكم أن تعقلوا { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } كما أمركم الله . وروى الحريري عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال : رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدّثان والقارئ يقرأ فقلت : ألا تستمعان إلى الذكر وتستوحيان الموعود ، قال : فنظرا إلي ثمّ أقبلا على حديثهما ، قال : فأعدت الثانية فنظرا لي فقالا : إنّما ذلك في الصلاة : { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } . وروى زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة . وقال الكلبي : وكانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حتّى يسمعون ذكر الجنّة والنار فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال قتادة : كانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم في أول ما فرضت عليهم ، وكان الرجل يأتي وهم فى الصلاة فيسألهم كم صليتم ؟ كم بقي ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية . وقال ابن عباس : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة المكتومة وقرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم فخلطوا عليه فنزلت هذه الآية . وقال سعيد بن المسيب : كان المشركون يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى فيقول بعضهم لبعض بمكّة : لا تستمعوا لهذا القرآن والغوا فيه فأنزل الله جواباً لهم { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ } . قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، وعمرو بن دينار ، وزيد بن أسلم ، والقاسم بن يسار ، وشهر بن حوشب : هذا في الخطبة أمر بالإنصات للإمام يوم الجمعة . قال عبد الله بن المبارك : والدليل على حكم هذه الآية في [ الجمعة ] إنّك لا ترى خطيباً على المنبر يوم الجمعة يخطب ، فأراد أن يقرأ في الخطبة آية من القرآن إلاّ قرأ هذه الآية قبل [ فواة ] قراءة القرآن . قال الحسن : هذا في الصلاة المكتوبة وعند الذكر . وقال مجاهد وعطاء : وجب الإنصات في اثنين عند الرجل يقرأ القرآن وهو يصلّي وعند الإمام وهو يخطب . وقال عمر بن عبد العزيز : الإنصات لقول كل واعظ والإنصات الإصغاء والمراعاة . قال الشاعر : @ قال الإمام عليكم أمر سيّدكم فلم نخالف وأنصتنا كما قالا @@ وقال سعيد بن جبير : هذا في الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر به الإمام . قال الزجاج : ويجوز أن يكون معنى قوله { فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } اعملوا بما فيه لا تجاوزوه ، لأن معنى قول القائل : سمع الله : أجاب الله دعاءك . { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } قال ابن عباس : يعني بالذكر القراءة في الصلاة { تَضَرُّعاً } جهراً { وَخِيفَةً } { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ } دون رفع القول في خفض وسكوت يسمع من خلفك . وقال أهل المعاني : واذكر ربّك اتعظ بالقرآن وآمن بآياته واذكر ربّك بالطاعة في ما يأمرك ( تضرّعاً ) تواضعاً وتخشّعاً ( وخيفة ) خوفاً من عقابه ، فإذا قرأت دعوت بالله أي دون الجهر : خفاء لا جهار . وقال مجاهد وابن جريج : أمر أن يذكروه في الصدور . ويؤمر بالتضرع فى الدعاء والاستكانة . ويكره رفع الصوت [ والبداء ] بالدعاء وأمّا قوله { بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } فإنه يعني بالبكر والعشيات ، واحد الآصال أصيل ، مثل أيمان ويمين ، وقال أهل اللغة : هو ما بين العصر إلى المغرب { وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } يعني الملائكة والمراد هو عند قربهم من الفضل والرحمة لا من حيث المكان والمعاقبة . وقال الحسين بن الفضل : قد يعبد الله غير الملائكة في المعنى من عند ربّك جاءهم التوفيق والعصمة { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } لا يتكبرون ولا يتعظمون { عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ } وينزهونه ويذكرونه ويقولون سبحان الله { وَلَهُ يَسْجُدُونَ } يُصلّون . مغيرة عن إبراهيم : إن شاء ركع وإن شاء سجد .