Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 1-15)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ } وكانوا تسعة من جن نصيبين استمعوا قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد مرّ خبرهم . قال أبو حمزة الثمالي : بلغنا أنهم من بني الشيطان وهم أكثر الجن عدداً وهم عامة جنود إبليس . { فَقَالُوۤاْ } لما رجعوا إلى قومهم { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً * وَأَنَّهُ } بالفتح قرأه أهل الشام والكوفة إلاّ حفصاً . وفتح أبو جعفر ما كان مردوداً على الوحي ، وكسر ما كان حكاية عن الجن ، وجرها كلّها الباقون . { تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } حدّثنا عبيد الله بن محمد بن محمد بن مهدي العدل ، قال : حدّثنا الأصم ، قال : حدّثنا أحمد بن حازم ، قال : حدّثنا عبد الله بن سفيان عن السدي في قوله : { جَدُّ رَبِّنَا } قال : أمر ربنا . وبإسناده عن سفيان عن سلمان التيمي عن الحسن ، قال : غنى ربنا ومنه قيل : للحظ جد ورجل مجدود . وقال ابن عباس : قدرة ربنا . مجاهد وعكرمة : جلاله . قتادة : عظمته . ابن أبي نجيح عن مجاهد : ذكره . ضحاك : فعله . القرظي : آلاؤه ونعمه على خلقه . الأخفش : علا ملك ربنا . ابن كيسان : علا ظفره على كل كافر بالحجة . والجدّ في اللغة : العظمة ، ومنه قول أنس : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ في أعيننا أي عظم . وقال ابن عباس : لو علمت أن في الإنس جدّاً ما قالت تعالى جدّ ربّنا ، وقال أبو جعفر الباقر وابنه جعفر والربيع بن أنس : ليس لله جد وإنّما وليه الجدّ بالجهالة فلم توخذوا به . { مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } وقرأ عكرمة : { تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } بكسر الجيم على ضد الهزل ، وقرأ ابن السميع : ( جدي ربّنا ) وهو الجدوى والمنفعة . { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا } جاهلنا ، وقال مجاهد وقتادة : هو إبليس لعنه الله { عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } عدواناً وقولا عظيماً { وَأَنَّا ظَنَنَّآ } حسبنا { أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } أي كنّا نظنّهم صادقين في قولهم : إنَّ لله صاحبة وولداً حتّى سمعنا القرآن { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ } وذلك قول الرجل من العرب إذا أمسى بالأرض القفر : أعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه ، فيبيت في أمن وجوار حتّى يصبح . قال مقاتل : أوّل مَنْ تعوّذ بالجن قوم من أهل اليمن ، ثمّ بنو حنيفة ثمّ فشا ذلك في العرب . أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدّثنا أبو القيّم عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي ، قال : حدّثنا موسى بن سعيد بن النعمان بطرطوس ، قال : حدّثنا فروة بن معراء الكندي ، قال : حدّثنا القيّم بن مالك عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري ، قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أوّل ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكّة فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف النهار جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي ، فقال : يا عامر الوادي جارك ، فنادى مناد لا نراه يقول : يا سرحان أرسله ، فأتانا الحمل يشتدّ حتّى دخل الغنم ، ولم يصبه كدمة ، قال ، وأنزل الله سبحانه على رسوله بمكة : { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ } . { فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } يعني : [ إن الإنس زادوا الجن طُغياناً باستعاذتهم ] فزادتهم رهقاً . قال ابن عباس : أثماً . معمر عن قتادة : خطيئة . سعيد عنه : جرأة . مجاهد : طغياناً . ربيع : فرقاً . ابن زيد : خوفاً . إبراهيم : عظمة ، وذلك أنّهم قالوا : [ سدنا ] الجن والإنس . مقاتل : غيّاً . الحسن : شرّاً . ثعلب : خساراً . والرهق في كلام العرب : الإثمّ وغشيان المحارم ، ورجل مرهق : إذا كان كذلك . وقال الأعشى : @ لا شيء ينفعني من دون رؤيتها هل يشتفي وامق ما لم يصب رهقاً @@ { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ } يا معشر الكفّار من الإنس { أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } بعد موته { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً } من الملائكة { وَشُهُباً } من النجوم { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا } من السماء { مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً * وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ } برمي الشهب { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً * وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } أهواء مختلفة وفرقاً شتى ، منّا المؤمن ومنّا الكافر . قال سعيد بن جبير : ألواناً شتى . الحسن : قدداً مختلفين ، الأخفش : ضروباً ، أبو عبيدة : أصنافاً ، المؤرّخ : أجناساً ، النضر : مللا ، ابن كيسان : شيعاً وفرقاً لكلّ فرقة هوى كأهواء الناس ، وقال الفراء : تقول العرب : هؤلاء طريقة قومهم أي ساداتهم ورؤساؤهم ، المسيّب : كنّا مسلمين ويهوداً ونصارى . أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا محمد بن عمرو بن الخطاب ، قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن نحتويه ، قال : حدّثنا أبو الحسن محمد بن إبراهيم الصوري بأنطاكية ، قال : حدّثنا محمد بن المتوكل بن أبي السراي ، قال : حدّثنا المطلب بن زياد ، قال : سمعت السدي يقول في قول الله سبحانه : { كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً } ، قال : الجن مثلكم فيهم قدرية ومرجئة ورافضة وشيعة . واحد القدد : قدة ، وهي الفرقة وأصلها من القدّ وهو القطع . قال لبيد يرثي أخاه أربد : @ لم تبلغ العين كل نهمتها ليلة تمشي الجياد كالقدد @@ وقال آخر : @ ولقد قلت وزيد جاسر يوم ولّت خيل عمرو قددا @@ { وَأَنَّا ظَنَنَّآ } علمنا { أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ } إن أراد بنا أمراً { وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } إن طلبنا { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ } قرأه العامّة بالألف ، وقرأ الأعمش فلا يخفف بالجزم { بَخْساً } نقصاً { وَلاَ رَهَقاً } ظلماً ، يقول : لا يخاف أن ينقص من حسناته ، ولا أن يزداد في سيّئاته ، ولا أن يؤخذ بذنب غيره ، ولا أن يعاقب بغير جرم ، وقيل : رهقاً : مكروهاً يغشاه ، وقيل : ذهاب كله نظيره قوله سبحانه وتعالى : { فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً } [ طه : 112 ] . { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ } الجائرون العادلون عن الحق . يقال : أقسط الرجل فهو مقسط إذا عدل ، قال الله سبحانه : { وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [ الحجرات : 9 ] ، وقسط يقسط قسوطاً إذا جاد . قال الشاعر : @ قوم هم قتلوا ابن هند عنوة عمراً وهم قسطوا على النعمان @@ وأنشد ابن زيد : @ قسطنا على الأملاك في عهد تبّع ومن قبل ما أدرى النفوس عقابها @@ ونظيره في الكلام المترب : الفقير ، والمترب : الغني . { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } أي قصدوا وأعدّوا وتوخّوا ومنه بتحرّى القبلة لمن عميت عليه . وقال امرؤ القيس : @ ديمة هطلاء فيها وطف طبق الأرض تحرّى وتدر @@ { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } .