Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 7-20)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } قراءة العامة : بالحاء غير معجمة ، أي فراغاً وسعة لنومك وتصرفك في حوائجك ، وأصل السبح سرعة الذهاب . ومنه السباحة في الماء ، وفرس سابح شديد الجري . قال الشاعر : @ أباحوا لكم شرق البلاد وغربها ففيها لكم يا صاح سبح من السبح @@ وقرأ يحيى بن يعمر : سبخاً بالخاء المعجمة ، أراد خفة وسعة واستراحة ، ومنه " قول النبيّ لعائشة وقد دعت على سارق سرقها : " لا تسبخي عنه بدعائك عليه " أي لا تخففي ، والتسبيخ توسيع القطن والصوف وتنفيشها ، يقال للمرأة : سبّخي قطنك ، ويقال لقطع القطن إذا ندف : سابخ . قال الأخطل يصف القناص والكلاب : @ فأرسلوهن يذرين التراب كما يذري سبائخ قطن ندف أوتار @@ قال تغلب : السبحُ التردد والاضطراب والسبخ السكون ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " الحمى من قيح جهنهم فسبّخوها بالماء " أي سكنوها . { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ } بالتوحيد والتعظيم ، وقال سهل اقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلواتك توصلها بركة قرابها إلى ربّك وتقطعك عن كل ما سواه . { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } قال ابن عباس وأكثر الناس : أخلص إليه إخلاصاً . الحسن : اجتهد . ابن زيد : تفرّغ لعبادته . شفيق : توكل عليه توكلا . وسمعت محمد بن الحسن السليمي ، يقول : سمعت منصور بن عبد الله ، يقول : سمعت أبا القيّم البزاز يقول : قال ابن عطاء : انقطع إليه انقطاعاً ، وهو الأصل في هذا الباب ، يقال : بتلت الشيء أي وقطعته ، وصدقة بتة بتلة أي بائنة مقطوعة من صاحبها لا سبيل له عليها ، ودار تبتيل أي منقطعة عن الدور ، قال امرؤ القيس : @ تضيء الظلام بالعشاء كأنّها منارة ممسى راهب متبتلّ @@ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبتّل ومنه قيل لمريم العذراء البتول . وقال أبو القيّم : اتصل به اتصالا ما رجع من رجع إلاّ من الطريق ، ما وصل إليه أحد فرجع عنه . محمد بن عليّ : ارفع اليدين في الصلاة . زيد بن أسلم : التبتل : رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله . { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وأيوب وحفص برفع الباء على الإبتداء . وقيل : على إضمار هو ، وقرأ الباقون بالخفض على نعت الربّ في قوله سبحانه : { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ } الآية . { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } قيّماً بأمورك ففوّضها إليه { وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } نسختها آية القتال . أخبرني الحسن قال : حدّثنا السني ، قال : حدّثنا حاتم بن شعيب ، قال : حدّثنا سريح بن يونس ، قال : حدّثنا سعيد بن محمد الورّاق عن الأحوص بن حكيم عن أبيه عن أبي الزاهرية أنّ أبا الدرداء قال : إنا لنكشّر في وجوه أقوام ونضحك إليهم ، وإنّ قلوبنا لتقليهم أو لتلعنهم . { وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } نزلت في صناديد قريش المكذبين المشتهرين . وقال مقاتل بن حيان : نزلت في المطعمين ببدر وهم عشرة - ذكرناهم في الأنفال - والنعمة التنعم والنعمة المرؤة والمنّة أيضاً ، والنعمة بضم النون : الميسرة يقال : نعم ونعمة عيّن ونعمى عين . { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً } عندنا في الآخرة قيوداً عظاماً لا تفكّ أبداً واحدها نكل ، قال الشعبي : ترون أن الله يجعل الأنكال في أرجل أهل النار لأنّه خشي أن يفروا ؟ ولكن إذا أراد أن يرتفعوا استفلت بهم . { وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ } غير سائغة تأخذ بالحلق لا هو نازل ولا هو خارج وهو الغِسْلين والزقوم والضريع . { وَعَذَاباً أَلِيماً } . أخبرني عقيل : أنّ أبا الفرج أخبرهم عن ابن جرير ، قال : حدّثنا أبو كريب ، قال : حدّثنا وكيع عن حمزة الزيّات عن حمران بن أعين " أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ : { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ } فصعق " . وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا ابن ماجه ، قال : حدّثنا الحسن بن أيوب ، قال : حدّثنا عبد الله بن أبي زياد ، قال : حدّثنا سيار ، قال : حدّثنا صالح ، قال : حدّثنا خالد بن حسان ، قال : أمسى عندنا الحسن وأمسى صائماً ، فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً } فقال : ارفع الطعام ، فلما كانت الليلة الثانية أتيناه أيضاً بطعام فعرضت له هذه الآية ، فقال : ارفعه ، فلمّا كانت الليلة الثالثة أتيته فعرضت له هذه الآية ، فقال : ارفعوا ، فانطلق ابنه إلى ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فحدثهم بحديثه ، فجاءوا معه فلم يزالوا به حتّى شرب شربة من سويق . { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ } أي تتحرك وتضطرب بمن عليها { وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً } وهو الرمل المجتمع { مَّهِيلاً } سائلا متناثراً إذا مسّته تتابع ، وأصله مهيول وهو مفعول من قول القائل : هلت الرمل فأنا أهيله ، وذلك إذا حرّك أسفله فانهال عليه من أعلاه ، يقال : مهيل ومهيول ومكيل ومكيول ومعين ومعيون ، " قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم يشكون الجدوبة : " أتكيلون أم تهيلون " ؟ قالوا : نهيل . قال : " كيلوا ولا تهيلوا " . وقال الشاعر : @ واخال أنّك سيّد معيون @@ { إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } شديداً صعباً ثقيلا ، ومنه يقال : كلأ مستوبل وطعام مستوبل إذا لم يُستمرأ ، ومنه الوبال وقالت الخنساء : @ لقد أكلت بجيلة يوم لاقت فوارس مالك أكلا وبيلا @@ وتقول العرب : لقد أوبل عليه الشراء أي توبع . { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ } أي فكيف لكم بالتقوى في القيامة إذا كفرتم في الدنيا ، يعني : لا سبيل لكم إلى التقوى ولا تنفعكم التقوى إذا وافيتم القيامة . وقيل : معناه فكيف تتّقون عذاب يوم ، وكيف تنجون منه إذا كفرتم . وقرأ ابن مسعود وعطيّة : فكيف يتّقون يوماً يجعل الولدان شيباً أن كفرتم . وقرأ أبو السماك العدوي : فكيف يتّقون بكسر النون على الإضافة . { يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ } الصبيان { شِيباً } شمطاً من هوله وشدّته وذلك حين يقال لآدم : قم فابعث بعث النار من ذرّيتك . أخبرني الحسن ، قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن بشر ، قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي الخطيب ، قال : حدثني محمد بن غالب ، قال : سمعت عثمان بن الهيثم ، يقول : مررت بأبن السري وهو قائم في الطريق ، فسأله إنسان { يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } ، قال : هم أولاد الزنا . وقيل : أولاد المشركين . { السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ } مثقل مشقق { بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً * إِنَّ هَـٰذِهِ } السورة أو هذه الآيات { تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } بالإيمان والطاعة { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ } أقرب { مِن ثُلُثَيِ ٱلْلَّيْلِ } روى هشام عن أهل الشام ثلثي مخفف غير مشبع { وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } نصبها أهل مكة والكوفة على معنى وتقوم نصفه وثلثه ، وخففهما الباقون عطفاً على ثلثي . { وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ } أيضاً يقومونه . { وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } تطيقوا قيام الليل { فَتَابَ عَلَيْكُمْ } تجاوز عنكم ورجع لكم إلى التخفيف عليكم { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } قال السدي : مائة آية . قال الحسن : من قرأ مائة آية في ليله لم يحاجّه القرآن . وقال كعب : من قرأ في ليله مائة آية كتب من القانتين . وقال سعيد : خمسون آية . وروى الربيع بن صبيح عن الحسن : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } قال : يعني في صلاة المغرب والعشاء . { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } فسوى بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعلى العيال وللإحسان والإفضال . أخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا ابن سلم ، قال : حدّثنا أبو بكر بن عبد الخالق ، قال : حدّثنا أبو بكر بن أحمد بن محمد الحجاج ، قال : حدثني أبو الفتح ، قال : قال أبو نصر بشر بن الحرث ، قال : حدّثنا المعافى بن عمران وعيسى بن يونس عن فرقد السبخي عن إبراهيم عن ابن مسعود ، قال : أيّما رجل جلب شيئاً إلى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله سبحانه بمنزلة الشهداء ، ثمّ قرأ عبد الله { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } . وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا موسى بن محمد بن عليّ ، قال : حدّثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة ، قال : حدّثنا عبد الحميد بن صالح ، قال : حدّثنا أبو عقيل عن القيّم بن عبيد الله عن أبيه ، قال : سمعت ابن عمر ، يقول : ما خلق الله عزّوجلّ موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحبّ إليّ من أن أموت بين شعبتي رجل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله . { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } سمعت محمد بن الحسن السلمي ، يقول : سمعت منصور بن عبد الله ، يقول : سمعت أبا القيّم الأسكندراني ، يقول : سمعت أبا جعفر الملطي ، يقول : عن عليّ ابن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد في هذه الآية ، قال : ما تيسّر لكم منه خشوع القلب وصفاء السر . { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَأَقْرِضُواُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً } من الشح والتقصير { وَأَعْظَمَ أَجْراً } من ذلك الذي قدّمتموه لو لم تكونوا قدّمتموه ، ونصب { خَيْراً وَأَعْظَمَ } على المفعول الثاني ، وهو فصل في قول البصريين ، وعماد في قول الكوفيين لا محل له من الإعراب . { وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .