Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 74, Ayat: 32-56)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ * وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } يعني ولّى ذاهباً ، اختلفت القراءة فيه فقرأ ابن محيضن ونافع وحمزة وخلف ويعقوب وحفص { إِذْ } بغير ألف . { أَدْبَرَ } بالألف ، غيرهم هم ضده ، واختاره أبو عبيد قال : لأنها أشّد موافقه للحرف الذي يليه ، ألا تراه قال : { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } فكيف يكون في أحدهما إذا وفي الآخر إذ ، وأبو حاتم قال : لأنه ليس في القرآن لجنبه إذ وأنما الأقسام بجنبها إذا . قال قطرب من قرأ { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } : يريد أقبل ، من قول العرب دبر فلان أي جاء خلفي ، فكأنّه دبر خلف النهار . قال أبو الضحى : كان ابن عباس يعيب على من يقرأ دبر ويقول : إنما يدبّر ظهر البعير ، وقال الفراء : هما لغتان دبّر وأدبر . قال الشاعر : @ صدعت غزالة قلبه بفوارس تركت مسامعه كأمس الدابر @@ وقال أبو عمرو : دبّر لغة قريش . { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } قرأه العامة بالألف أي أضاء وأقبل ، وقرأ ابن السميع وعيسى ابن الفضل سفر بغير ألف ، وهما لغتان يقال : سفر وجه فلان وأسفر ، إذا أضاء ، ويجوز أن يكون من قولهم : سفرت المرأة إذا ألقت خمارها عن وجهها ، ويحتمل أن يكون معناه نفي الظلام كما سفر البيت أي يكنس ويقال للمكنسة المسفرة . { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } يعني أن سفر لإحدى الأمور العظام وواحد الكبر كُبرى : { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } يعني أنّ النار نذير للبشر قال الحسن : والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها ، وهو نصب على القطع من قوله : { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } ؛ لأنها معرفة ونذيراً نكرة . قال الخليل : النذير مصدر كالنكير ، فلذلك وصف به المؤنث ، وقيل : هو من صفة الله سبحانه مجازه : وما جعلنا أصحاب النار إلاّ ملائكة ، نذيراً للبشر أي إنذاراً لهم . قال أبو رزين : أنا لكم منها نذير فاتقوها ، وقيل : هو صفة محمد ( عليه السلام ) ، ومعنى الكلام : يا أيّها المدثر قم نذيراً للبشر فأنذر ، وهو معنى قول ابن زيد ، وقرأ إبراهيم عن أبي غيلة نذير للبشر بالرفع على إضمار هو . { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ } في الخير والطاعة { أَوْ يَتَأَخَّرَ } عنها في الشر والمعصية نظيره ودليله { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ } [ الحجر : 24 ] يعني في الخير { وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } [ الحجر : 24 ] عنه قاله الحسن ، وهذا وعيد لهم كقوله : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] يعني أنّه نذير لهما جميعاً . { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } مرتهنة بكسبها مأخوذة بعملها . { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } فإنهم لا يحاسبون ولا يرتهنون بذنوبهم ولكن يغفرها الله لهم ويتجاوزها عنهم كما وعدهم . قال قتادة : غلق الناس كلّهم إلاّ أصحاب اليمين واختلفوا فيهم . فأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن [ شنبه ] قال : حدّثنا رضوان بن أحمد قال : حدّثنا أحمد بن عبد الجبار قال : حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي اليقظان عن زاذان عن علي في قوله : { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } قال : هم أطفال المسلمين . تدل عليه ما أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حسن قال : حدّثنا البغوي قال : حدّثنا علي ابن الجعد قال : أخبرنا أبو عقيل عن نُهيّة عن عائشة قالت : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدان المؤمنين أين هم ؟ قال : " فِى الْجَنَّةِ " وسألته عن ولدان المشركين فقال : " إنْ شئت سمّعتُكِ تضاغيهم في النار " . وقال أبو ظبيان : عن ابن عباس : هم الملائكة ، وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر قال : نحن وشيعتنا أصحاب اليمين ، وقال مقاتل : هم أهل الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق حين قال لهم الله سبحانه : هؤلاء في الجنة ولا أبالي . وقال الحسن : هم المسلمون المخلصون ، وعنه أيضاً : هم الذين كانوا ميامين على أنفسهم . ابن كيسان هم المؤمنون الصالحون ليسوا مرتهنين لأنهم أدّوا ما كان عليهم . يمان : هم الذين أمكنوا رهونهم ، وقال الحكيم : هم الذين أختار الله سبحانه بخدمته فلم يدخلوا في الرهن ، لأنهم خدّام الله سبحانه وصفوته وكسبهم لم يضرهم ، وقال القاسم : كلّ نفس مأخوذة بكسبها من خير وشر إلاّ من اعتمد الفضل والرحمة دون الكسب والخدمة فكل من اعتمد على الكسب فهو رهين به ومَنْ اعتمد على الفضل فإنّه غير مأخوذ . وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا بكر الرازي يقول : سمعت أبا عمرو البخاري يقول : في قوله سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } قال : فأين الفرار من القدر وكيف القرار على الخطر ؟ { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } المشركين { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } في الباطل . { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } يعني الموقن به وهو الموت . قال الله سبحانه وتعالى : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ } قال عبد الله بن مسعود : يشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى في النار إلاّ أربعة ثم تلا قوله سبحانه : { لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } إلى قوله { بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } قال الحسن : كنا نتحدّث أن الشهيد يُشفع في سبعين من أهل بيته . وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حمدان قال : حدّثنا ابن ماهان قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل قال : حدّثنا حماد قال : حدّثنا ثابت عن الحسن أن رسول الله ( عليه السلام ) قال : " يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة أي ربي عبدك فلان سقاني شربة من الماء في الدنيا فشفّعني فيه ، فيقول اذهب فاخرجه من النار فيذهب فيتجسس النار حتى يخرجه منها " . وبإسناد عن حماد عن خالد الحذاء عن عبد الله ابن شفيق عن رجل من بني تميم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليشفعن رجل من أمتي لأكثر من بني تميم " . وأخبرنا الحسن قال : حدّثنا عمر بن نوح البجلي قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن شاهين قال : حدّثنا عبد الله بن عمر قال : حدّثنا أبو معاوية قال : حدّثنا داود بن أبي هند عن عبد الله بن قيس الأسدي عن الحرث بن أقشن قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أمتي من سيدخل الله بشفاعته الجنة أكثر من مضر " . { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } نصب على الحال ، وقيل : صاروا معرضين . { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ } جمع حمار { مُّسْتَنفِرَةٌ } قرأ أهل المدينة والشام وأيوب بفتح الفاء أي منفرة مذعورة ، ومثله روى المفضل عن عاصم وأختاره أبو عبيد ، وقرأ الآخرون بالكسر أي نافرة يقال : نفرت واستنفرت بمعنى واحد ، وأنشد الفراء : @ أمسك حمارك إنه مستنفر في الثر أحمرة عمدن لغُرت @@ وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا أبو حامد المستملي قال : حدّثنا محمد بن حاتم الذمي قال : حدّثنا محمد بن سلام الجمحي قال : سألت أبا سراب الغنوي وكان إعرابياً فصيحاً قارئاً للقرآن فقلت : حمر ماذا ؟ قال : حمرّ مستنفرة طردها قسورة ، قلت : إنّما هي فرت من قسورة فقال : أفرّت ، قلت : نعم قال : فمستنفرة . { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } اختلفوا فيه فقال مجاهد وقتادة والضحاك وابن كيسان : هم الرُماة وهي رواية عطاء عن ابن عباس وأبي ظبيان عن أبي موسى الأشعري ، وقال سعيد بن جبير : هم القناص وهي رواية عطية عن ابن عباس . وأخبرني الحسين قال : حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي قال : حدّثنا محمد بن أيوب قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدّثنا وكيع عن شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس : فرت من قسورة قال : عُصب الرجال . وأخبرني عقيل قال : أخبرنا المعافى قال : أخبرنا محمد بن جرير قال : حدّثنا ابن المثنى قال : حدّثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال : سمعت أبي تحدث قال : حدّثني داود قال : حدّثني عباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم قال : سئل ابن عباس عن القسورة فقال : هي جمع الرجال ألم تسمع ما قالت فلانه في الجاهلية : @ يا بنت كوني خيرة لخيرة أخوالها الحي وأهل القسورة @@ وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حمدان قال : حدّثنا محمد بن عمران قال : حدّثنا أبو عبيد الله المخزومي قال : حدّثنا سفيان بن عيينة عن عمرو وعن عطاء عن ابن عباس في قوله سبحانه { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } قال : هي ركز الناس . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حبش قال : حدّثنا أبو يعلي الموصلي قال : حدّثنا يحيى بن معين قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسماعيل بن مسلم العبدي عن أبي المتوكّل في قوله سبحانه : { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } قال : هو لغط القوم ، وقال أبو هريرة : هي الأسد . وأخبرني بن فنجويه قال : حدّثنا ابن حمدان قال : حدّثنا ابن ماهان قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل قال : حدّثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سليمان بن قتة عن ابن عباس { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } قال : هو بلسان العرب : الأسد ، وبلسان الحبش : القسورة ، وبلسان فارس : شير ، وبلسان النبط : أريا . وقيل : هو فعولة من القسر وهو القهر ، سمي بذلك لأنه يقهر السباع كلّها . وأخبرني الحسين قال : حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال : حدّثنا محمد بن صالح بن ذريح قال : حدّثنا حبارة بن مغلس قال : حدّثنا عبد الأعلى بن أبي المساور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ } قال : من حبال الصيادين ، وقال عكرمة : من ظلمة الليل ، وقيل : هي سواد أول الليل ولا يقال لسواد آخر الليل : قسورة ، وقال زيد بن أسلم : أي من رجال أقوياء ، وكلّ ضخم شديد عند العرب فهو قسور وقسورة . قال لبيد : @ إذا ما هتفنا هتفة في ندينا أتانا الرجال العائذون القساور @@ { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } وذلك أنهم قالوا : يا محمد إن سرّك أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان من ربّ العالمين نؤمر فيه باتباعك ، نظيره قوله : { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [ الإسراء : 93 ] . بادان عن ابن عباس يقول : كان المشركون يقولون : لو كان محمد صادقاً فليصح عند كل رأس رجل منا صيحة فيها براءته وأمنه من النار . قال مطر الوراق : كانوا يريدون أن يؤتوا براءة من غير عمل ، وقال الكلبي : " إن المشركين قالوا : يا محمد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل يصبح مكتوب عند رأسه ذنبه وكفارته فأتنا بمثل ذلك ، فكرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله سبحانه هذه الآية { كَلاَّ } " ليس كما تقولون وتريدون وقيل : حقاً وكل ما ورد عليك منه فهذا وجهه { بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ * كَلاَّ إِنَّهُ } يعني القرآن { تَذْكِرَةٌ } وليس بسحر { فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ } بالتاء نافع ، يعقوب وغيرهما بالياء { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } أي أهل أن تتقى محارمه وأهل أن يغفر لمن اتقاه . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عمر بن الخطاب قال : حدّثنا عبد الله بن الفضل قال : حدّثنا هدية بن خالد قال : وحدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق وهارون بن محمد قالا : حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا هدية قال : حدّثنا موسى بن محمد بن علي قال : حدّثنا الحسن ابن علي المعمري قال : حدّثنا هدية قال : حدّثنا سهيل بن أبي حزم عن ثابت عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذه الآية : { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } : قال ربكم عزّوجلّ : أنا أهل أن اتقى ولا يشرك بي غيري وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن مالك قال : حدّثنا ابن حنبل قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عبد القدوس بن بكر قال : سمعت محمد بن النظر الجارقي يذكر في قوله سبحانه : { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } قال : أنا أهلٌ أن يتقيني عبدي فإن لم يفعل كنت أنا أهلاً أن أغفر له .