Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 1-6)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هَلْ أَتَىٰ } قد أتى { عَلَى ٱلإِنسَانِ } آدم ( عليه السلام ) ، وهو أول من سمّي به { حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } أربعون سنة ملقى بين مكة والطائف قبل أن ينفخ الروح فيه { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } لا يذكر ولا يعرف ولا يدري ما اسمه ولا ما يراد به ، وروى أن عمر سمع رجلا يقول { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } فقال عمر : ليتها تمت ، وقال عون بن عبد الله : قرأ رجل عند ابن مسعود الآية فقال : إلاّ ليت ذلك . { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } يعني ولد آدم { مِن نُّطْفَةٍ } يعني من منيّ الرجل ومنيّ المرأة ، وكل ماء قليل في وعاء فهو نطفة ، كقول عبد الله بن رواحة : هل أنت إلاّ نطفة ، وجمعها نطاف ونُطف ، وأصلها من نطف إذا قطر . { أَمْشَاجٍ } أخلاط ، واحدها مشج مشيج مثل حذن وحذين قال رؤبة : @ يطرحن كلّ معجّل نسّاج لم يكس جلداً في دم أمشاج @@ ويقال مشجت هذا بهذا أي خلطته فهو ممشوج ومشج ، مثل مخلوط وخليط ، قال أبو دوم : @ كأن الريش والفوقين منه خلاف النصل سبطيه مشيج @@ قال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد والربيع : يعني ماء الرجل وماء المرأة يختلطان في الرحم فيكون منهما جميعاً الولد ، وماء الرجل أبيض غليط وماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا صاحبه كان الشبه له ، وقال قتادة : هي أطوار الخلق : نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم لحماً ثم عظاماً ثم يكسوه لحماً ثم ينشئه خلقاً آخر . وقال الضحاك : أراد اختلاف ألوان النطفة نطفة ، الرجل بيضاء وحمراء ونطفة المرأة خضراء وحمراء فهي مختلفة الألوان ، وهي رواية الوالي عن ابن عباس وابن أبي نجح عن مجاهد ، وكذلك قال عطاء الخراساني والكلبي : الأمشاج الحمرة في البياض والبياض في الحمرة أو الصفرة . وقال عبد الله بن مسعود وأسامة بن زيد : هي العروق التي تكون في النطفة ، وروى ابن جريح عن عطاء قال : الأمشاج الهن الذي كإنه عقب ، وقال الحسن : نعم والله خلقت من نطفة مشجت بدم وهو دم الحيضة فإذا حبلت أرفع الحيض ، وقال يمان : كل لونين اختلطا فهما أمشاج ، وقال ابن السكيت : الأمشاج : الأخلاط ، لأنها ممتزجة من أنواع فخلق الإنسان ذا طبائع مختلفة ، وقال أهل المعاني : بناء الأمشاج بناء جمع وهو في معنى الواحد لأنه نعت النطفة وهذا كما يقال : برمة أعشار وثوب أخلاق ونحوهما . وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا عثمان المغربي يقول : سُئلت وأنا بمكّة عن قول الله سبحانه : { أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ } فقلت ابتلى الله الخلق تسعة أمشاج : ثلاث مفتنات وثلاث كافرات وثلاث مؤمنات ، فأما الثلاث المفتنات فسمعه وبصره ولسانه ، وأما الثلاث الكافرات فنفسه وهواه وشيطانه ، وأما الثلاث المؤمنات فعقله وروحه وملكه ، فإذا أيّد الله العبد بالمعونة فقرّ العقل على القلب فملكه واستأسرت النفس والهوى فلم يجد إلى الحركة سبيلا ، فجانست النفس الروح وجانس الهوى العقل وصارت كلمة الله هي العليا : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [ البقرة : 193 ] . { نَّبْتَلِيهِ } نختبره بالأمر والنهي وقال بعض أهل العربية : هي مقدمة معناها التأخير مجازها : { فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } لنبتليه ؛ لأن الابتلاء لا يقع إلاّ بعد تمام الخلقة . { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } أي بيّنا له سبيل الحق والباطل والهدى والضلالة وعرّفناه طريق الخير والشرّ وهو كقوله { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } [ البلد : 10 ] . { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } أما مؤمناً سعيداً وأما كافراً شقيّاً يعني خلقناه أما كذا وأما كذا ، وقيل معنى الكلام : الجزاء ، يعني بيّنا له الطريق إن شكر وكفر ، وهو إختيار الفرّاء ، ثم بين الفريقين فقال عز من قال { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ } كل سلسلة سبعون ذراعاً . { وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم عن حفص والأعمش والكسائي وأيوب كلهن : { سَلاَسِلاً } بإثبات الألف في الوقف والتنوين في الأصل ، وهو اختيار أبي عبيد ، ورواية هشام عن أهل الشام ، ضده حمزة وخلف [ وقنبل ] ويعقوب برواية [ … ] وزيد ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : قواريراً الأولى بالألف والثاني بغير ألف . قال أبو عبيد : ورأيت في مصحف الإمام عثمان { قَوَارِيرَاْ } الأولى بالألف مبنية والثانية كانت بالألف فحكّت ، ورأيت أثرها بيّنا هناك . { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ } يعني المؤمنين الصادقين في إيمانهم المطيعين لربّهم ، وقال الحسن : هم الذين لا يؤذون الذر ولا ينصبون الشرّ ، وأحدهم بار ، مثل شاهد وأشهاد وناصر وأنصار وصاحب وأصحاب ويراد بها مثل نهر وأنهار وضرب وأضراب . { يَشْرَبُونَ } في الآخرة { مِن كَأْسٍ } خمر { كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } قال قتادة : يمزج لهم بالكافور ويختم لهم بالمسك ، وقال عكرمة : مزاجها طعمها ، وقال أهل المعاني : أراد كالكافور في بياضه وطيب ريحه وبرده ، لأن الكافور لا يشرب ، وهو كقوله { حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً } [ الكهف : 96 ] أي كنار ، وقال ابن كيسان : طيّبت بالكافور والمسك والزنجبيل ، وقال الفرّاء : ويقال : إنّ الكافور اسم لعين ماء في الجنة ، وفي مصحف عبد الله من كأس صفراء كان مزاجها قافورا والقاف والكاف يتعاقبان ؛ لانّهما لهويتان ، وقال الواسطي : لمّا اختلفت أحوالهم في الدنيا اختلفت أشربتهم في الآخرة فكأس الكافور برّدت الدنيا في صدورهم . { عَيْناً } نصب لأنها تابعة للكافور كالمفر له وقال الكسائي : على الحال والقطع ، وقيل : يشربون عيناً ، وقيل من عين ، وقيل : أعني عينا ، وقيل : على المدح وهي لهذه الوجوه كلّها محتملة . { يَشْرَبُ بِهَا } أي شربها والباء صلة وقيل منها . { عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } أي يقودونها حيث شاءوا من منازلهم وقصورهم كما يفجر الرجل منكم النهر يكون له في الدنيا هاهنا وهاهنا إلى حيث يريد .