Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 77, Ayat: 1-32)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً } يعني الرياح بعضها بعضاً كعرف الفرس ، وقيل كثيراً . يقول العرب : الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه فأكثروا ، وهذا معنى قول مجاهد وقتادة ، ورواية أبي العبيد عن ابن مسعود ، والعوفي عن ابن عباس ، وقال أبو صالح ومقاتل : يعني الملائكة التي أرسلت بالمعروف اسم واحد من أمر الله ونهيه ، وهي رواية مسروق عن ابن مسعود . { فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً } يعني الرياح الشديدات الهبوب . { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } يعني الرياح اللينة وقال أبو صالح هي المطرق . قال الحسن : هي الرياح يرسلها الله نشراً بين يدي رحمته اقسم الله بالرياح ثلاث مرات ، مقاتل : هم الملائكة ينشرون الكتب . { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } قال ابن عباس وأبو صالح ومجاهد والضحاك : يعني الملائكة التي تفرّق بين الحقّ والباطل ، وقال قتادة والحسن وابن كيسان : يعني آي القرآن فرّقت بين الحلال والحرام ، وقيل : يعني السحابات الماطرة تشبيهاً بالناقة الفارق ، وهي الحامل التي تجزع حين تضع ، ونوق فراق . { فَٱلْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً } يعني الملائكة التي تنزل بالوحي نظيره قوله سبحانه : { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ } [ القدر : 4 ] . { عُذْراً أَوْ نُذْراً } يعني الأعذار والإنذار واختلف القرّاء فيهما فخففهما الأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائي واختاره أبو عبيد قال : لأنهما في موضع مصدرين أنما هو الأعذار والإنذار وليس بجمع فيثقّلا ، وثقلهما الحسن ، وهي رواية الأعشى والجعفي عن أبي بكر عن عاصم ، والوليد عن أهل الشام ، وروح عن يعقوب الياقوت بتثقيل النذر وتخفيف العذر وهما لغتان ، وقرأ إبراهيم التيمي وقتادة { عُذْراً أَوْ نُذْراً } بالواو العاطفة ولم يجعلا ألف بينهما . { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ * فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } محي نورها ، { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } شقت { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } قلعت من أماكنها ، { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } جمعت لميقات يوم معلوم ، واختلف القراء فيه فقرأ ابو عمرو " وُقِّتَتْ " بالواو وتشديد القاف وعلى الأصل ، وقرأ أبو جعفر بالواو والتخفيف ، وقرأ عيسى بن عمر الثقفي : اقتت بالألف وتخفيف القاف ، وقرأ الآخرون بالألف والتشديد وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، والعرب تعاقب بين الواو والهمزة كقولهم وكّدت واكّرت وورّخت الكتاب وأرّخته وودّشت من القوم وأرّشت ووشاح وأشاح وأكاف ووكاف ووسادة وأسادة ، وقال النخعي : رعدت . { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } أي وقتت من الأجل وقيل : أخّرت { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } { أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ } من الأمم المكذّبين في قديم الدهر { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } السالكين سبيلهم في الكفر والتكذيب ، وقرأ الأعرج نتبعهم بالجزم وقرأ ابن مسعود سنتبعهم . { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } { فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } وهو وقت الولادة { فَقَدَرْنَا } قرأ عليّ والحسن والسلمي وطلحة وقتادة وأبو إسحاق وأهل المدينة وأيوب بالتشديد من التقدير وهي اختيار الكسائي ، وقرأ الباقون بالتخفيف من القُدرة واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله { فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ } ويجوز أن يكون التشديد والتخفيف بمعنى واحد كقوله سبحانه وتعالى { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ } [ الواقعة : 60 ] فهي بالتخفيف والتشديد ، { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً } وعاء { أَحْيَآءً وَأَمْواتاً } تجمعهم أحياء على ظهرها فإذا ماتوا ضمتهم إليها في بطنها وقال [ بنان الصفّار ] : خرجنا في جبانة مع الشعبي فنظر إلى الجبانة فقال : هذه الأموات ، ثم نظر إلى البيوت فقال : هذه كفات الأحياء . وأصل الكفت : الجمع والضمّ ، وكانوا يسمّون بقيع الغرقد كفتة لأنه مقبرة تضمّ الموتى ، ومثلّه قول النبي ( عليه السلام ) " خمروا آنيتكم وأوّكوا أسقيتكم وأجيفوا الأبواب واطفئوا المصابيح واكفتوا صبيانكم فإنَّ للشيطان انتشاراً وخطفة " يعني بالليل ، ويقال للأرض : كافتة . { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً } عذباً { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } ثم أخبر أنه يقال لهم يوم القيامة : { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } في الدنيا { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } يعني دخان جهنم إذا ارتفع أشعب ، وقيل : أنها عنق يخرج من النار فينشعب ثلاث شعب فأمّا النور فيقف على رؤوس المؤمنين والدخان يقف على رؤس المنافقين واللهب الصافي يقف على رؤس الكافرين ، وقال مقاتل : هو السرادق والظل من يحموم . { لاَّ ظَلِيلٍ } لا كنين { وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ } إنّها يعني جهنم { تَرْمِي بِشَرَرٍ } ، وهي ما تطاير من النار إذا التهبت واحدتها شررة { كَٱلْقَصْرِ } وقرأ عيسى بشرار وهي لغة تميم وأحدها شرارة . { كَٱلْقَصْرِ } وقرأه العامّة بسكون الصاد ، وقال ابن مسعود : يعني الحصون والمدائن وهو واحد القصر وهي رواية الوالي عن ابن عباس قال : كالقصر العظيم ، وقال القرظي : إنّ على جهنم سوراً فما خرج من وراء السور مما يرجع إليه في عظم القصر ولون النار . وروى سعيد عن عبدالرحمن بن عابس قال : سألت ابن عباس عن قوله سبحانه : { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } قال هي الخشب العظام المقطعة وكنا نعمد إلى الخشب فنقطعها ثلاثة أذرع وفوق ذلك ودونه ندّخره للشتاء فكنّا نسمّيها القصر ، وقال مجاهد : هي حزم الشجر ، وقال سعيد ابن جبير والضحاك : هي أصول النخل والشجر العظام واحدتها قصرة مثل تمرة وتمر وجمر وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس : كالقصر بفتح الصاد أراد أعناق النخل ، والقصرة العنق وجمعها قصر وقصرات ، وقرأ سعيد بن جبير كالقصر بكسر القاف وفتح الصاد قال أبو حاتم : ولعله لغة ونظيرها في الكلام حاجة وحوج ، كأنه ردّ الكناية إلى اللفظ .