Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 15-21)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } أي [ مخفقين ] متزاحفين بعضكم إلى بعض والتزاحف التداني والتقارب . قال الأعشى : @ لمن الضعائن سيرهن زحيف عرم السفين إذا تقاذف مقذف @@ والزحف مصدر ولذلك لم يجمع كقولهم : قوم عدل ورضى { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } يقول : فلا تولّوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم ولكن اثبتوا لهم { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } ظهره وقرأ الحسن ساكنة { إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ } أي متعطّفاً مستطرداً لقتال عدوّه بطلب عورة له تمكنه إصابتها فيكرّ عليه . { أَوْ مُتَحَيِّزاً } منضمّاً صابراً { إِلَىٰ فِئَةٍ } جماعة من المؤمنين يفيئون به بسهم الى القتال { فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } واختلف العلماء في حكم قوله { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } الآية هل هو خاص في أهل بدر أم هو في المؤمنين جميعاً . فقال أبو سعيد الخدري : إنّما كان ذلك يوم بدر خاصة لم يكن لهم أن ينحازوا ولو انحازوا إلى المشركين ، ولم يكن يومئذ في الأرض مسلم غيرهم ولا للمسلمين فيه غير النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمّا بعد ذلك فإنّ المسلمين بعضهم فئة لبعض ممثّلة ، قاله الحسن والضحاك وقتادة . قال يزيد ابن أبي حبيب : أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النار . فقال { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } الآية . فلمّا كان يوم أُحد بعد ذلك قال : { إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } [ آل عمران : 155 ] ثمّ كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين . فقال : { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [ التوبة : 25 ] { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } [ التوبة : 27 ] . وقال عطاء بن أبي رباح : هذه الآية منسوخة بقوله { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } [ الأنفال : 66 ] الآية فليس لقوم أن يفروا من مثليهم فنسخت تلك الآية إلاّ هذه العدّة . وقال الكلبي : من قبل اليوم مقبلاً أو مدبراً فهو شهيد ولكن سبق المقبل المدبر الى الجنة . وروي جرير عن منصور عن إبراهيم قال : انهزم رجل من القادسية فأتى المدينة الى عمر . فقال : يا أمير المؤمنين هلكت فررت من الزحف ، فقال عمر رضي الله عنه أنا فئتك . وقال محمد بن سيرين : لمّا قُتل أبو عبيد جاء الخبر إلى عمر رضي الله عنه فقال لو أنحاز إليَّ فكنت له فئة [ فأنا فئة ] كل مسلم . عبد الرحمن بن أبي ليلى " عن عبد الله بن عمر قال : كنّا في مُصيل بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخاض الناس خيضة فانهزمنا وكنّا نفر ، قلنا نهرب في الأرض حياءً ممّا صنعنا فدخلنا البيوت . ثمّ قلنا : يا رسول الله نحن الفارون . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل أنتم الكرارون وإنّا فئة المسلمين " . وقال بعضهم : بل حكمنا عام في كل من ولى عن العدو وفيهم مَنْ روى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أهله : " [ إياك والفرار ] من الزحف فإن هلكوا فاثبتوا فما [ … ] إلاّ على إرتكاب الكبائر وإلاّ الشرك بالله والفرار من الزحف لأن الله تعالى يقول { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } " الآية . { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } الآية فقال أهل التفسير والمغازي " لمّا ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً قال : هذه مصارع القوم إن شاء الله " ، فلمّا طلعوا عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها يكذبون رسولك ، اللّهمّ إنّي أسألك ما وعدتّني فأتاه جبرئيل وقال : خذ حفنة من تراب فارمهم بها " . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا التقى الجمعان لعلّي رضي الله عنه : " أعطني قبضة من حصا الوادي " فناوله من حصى عليه تراب فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم به في وجوه القوم وقال : " شاهت الوجوه " . فلم يبق مشرك إلاّ دخل في عينه وفمه ومنخريه منها شيء ثمّ ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم وكانت تلك الرمية سبب الهزيمة " . وقال حكيم بن حزام : " لمّا كان يوم بدر سمعنا صوتاً وقع من السماء كأنّه صوت حصاة وقعت في طست ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية فانهزمنا " . وقال قتادة وابن زيد : " ذكر له أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى حصاة في ميمنة القوم وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بين أظهرهم . وقال : " شاهت الوجوه " فانهزموا " . الزهري عن سعيد بن المسيب قال : نزلت هذه الآية في قتل أُبي بن كعب الجمحي . وذلك " أنّه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل وهو يفتّه فقال : يا محمد الله يُحيي هذا وهو رميم ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم يحيه الله ثمّ يميتك ثمّ يدخلك النار فلمّا كان يوم بدر أسره ثمّ فدي ، فلمّا افتدي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي فرساً أعلفها كل يوم [ فرق ] ذرة لكي أقتلك عليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك إن شاء الله ، فلمّا كان يوم أُحُد أقبل أُبيّ بن خلف يركض بفرسه ذلك حتّى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترض له رجال من المسلمين ليقتلوه ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " استاخروا " ، فاستأخروا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة في يده فرمى بها أُبي بن خلف فكسرت الحربة ضلعاً من أضلاعه فرجع أبي إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه وطفقوا يقولون : لا بأس ، فقال أُبي : والله لو كانت الناس لقتلهم ، ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله ، فانطلق به أصحابه ينعونه حتّى مات ببعض الطريق فدفنوه " ففي ذلك أنزل الله هذه الآية { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } الآية . وروى صفوان بن عمرو عن عبد العزيز بن [ جبير ] " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر دعا بقوس فأُتي بقوس طويلة فقال : جيئوني بغيرها ، فجاءوا بقوس كبداء فرمى النبيّ صلى الله عليه وسلم الحصن فأقبل السهم يهوي حتّى قتل كنانة بن أبي الحقيق وهو على فراشه فأنزل الله تعالى : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ } " فهذا سبب نزول الآية . فأمّا معناها فإن الله تعالى أضاف القتل والرمي إلى نفسه لأنّه كان منه تعالى التسبيب والتسديد ومن رسوله والمؤمنين الضرب والحذف . وكذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة من الله تعالى الإنشاء والايجاد بالقدرة القديمة التامّة ومن الخلق الاكتساب بالقوى المحدثة ، وفي هذا القول دليل على ثبوت مذهب أهل الحق وبطلان قول القدريّة . وقيل : إنّما أضافها إلى نفسه لئلاّ يعجب القوم . قال مجاهد : قال هذا : قتلت ، وقال هذا : قتلت ، فأنزل الله هذه الآية . وقال الحسن : أراد فلم تُميتموهم ولكن الله أماتهم وأنتم جرحتموهم لأن إخراج الروح إليه لا إلى غيره . قال { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } أي [ قتل ] يبلغ إلى المشركين بها وملأ عيونهم منها . وقال ابن إسحاق : ولكن الله رمى أي لم يكن ذلك رميتك لولا الذي جعل الله فيها من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حتّى هزمهم . وقال أبو عبيده : تقول العرب : رمى الله لك ، أي نصرك . قال الأعمش : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } أي وفّقك وسدّد رميتك . { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً } أي ولينعم على المؤمنين نعمه عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر والثواب . وقال ابن إسحاق : ليعرف المؤمنين نعمة نصرهم وإظهارهم على عدوهم مع قلّة عددهم وكثرة عدوّهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا نعمه { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لإقوالهم { عَلِيمٌ } بأفعالهم سميع بأسرارهم عليم بإضمارهم { ذٰلِكُمْ } يعني : ذكرت من القتل والرمي والأجل الحسن { وَأَنَّ ٱللَّهَ } أي : وأعلموا أن الله ، وفي فتح { أَنَّ } من الوجوه ما في قوله تعالى { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ وقد بيناه هناك ] . { مُوهِنُ } مضعف { كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } قرأ الحجازي والشامي والبصري : موهّن بالتشديد والتنوين ( كيد ) نصباً وقرأ أكثر أهل الكوفة ( موهن ) بالتخفيف والتنوين ( كيد ) نصباً واختاره أبو عبيد وأبو حاتم . وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن محيصن و [ الأعمش ] وحفص : موهن كيد ، مخفّفة مضافة بالجر فمن نوّن معناه : وهن ، ومَنْ خفّف وأضاف قصر الخفّة كقوله { مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ } [ القمر : 27 ] و { كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ } [ الدخان : 15 ] ووهن وأوهن لغتان صحيحتان فصيحتان { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } وذلك أنّ أبا جهل قال يوم بدر : اللّهمّ أينا كان أفجر وأقطع للرحم وأتانا بما لا نعرف فانصرنا عليه ، فاستجاب الله دعاءه وجاء بالفتح وضربه ابنا عفراء : عوف ومسعود ، وأجهز عليه عبد الله بن مسعود . وقال السدي والكلبي : كان المشركون حين خرجوا الى النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكّة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا : اللّهمّ انصرنا على الحزبين وأهدى القبتين وأكرم الجندين وأفضل الدينين فأنزل الله هذه الآية . وقال عكرمة : قال المشركون اللّهمّ لا نعرف ما جاء به محمد فأفتح بيننا وبينه بالحق فأنزل الله تعالى { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } أي أن تستقضوا فقد جاءكم القضاء . وقال أُبي بن كعب وعطاء الخراساني : هذا خطاب أصحاب رسول الله قال الله للمسلمين : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } أي تستنصروا الله وتسألوه الفتح فقد جاءكم الفتح أي بالنصرة . " وقال حبّاب بن الارت : شكونا الى رسول الله عليه السلام فقلنا : لا تستنصر لنا ، فاحمر وجهه وقال : " كان الرجل قبلكم يؤخذ ويحفر له في الأرض ، ثمّ يجاء بالمنشار فيقطع بنصفين ما يصرفه عن دينه شيء ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه عن دينه ، ولُيتِمنَّ الله هذا الأمر حتّى يسير الراكب من صنعاء الى حضرموت ولا يخشى إلاّ الله عزّ وجلّ والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون " . ثمّ قال للكفّار { وَإِن تَنتَهُواْ } عن الكفر بالله وقتال نبيّه صلى الله عليه وسلم { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ } لقتاله وحربه { نَعُدْ } بمثل الواقعة التي أوقعت لكم يوم بدر . وقيل : وإن تعودوا إلى هذا القول وقتال محمد صلى الله عليه وسلم { وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ قرأ ] أهل المدينة والشام : ( وَأَنَّ ٱللَّهَ ) بفتح الألف ، والمعنى : ولأن الله ، وقيل : هو عطف على قوله { وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } . وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف ، واختلفوا فيه وقراءة أبي حاتم ( لأن ) في قراءة عبد الله : والله مع المؤمنين . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ } ولا تدبروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } أمره وليّه . قال ابن عباس : وأنتم تسمعون القرآن ومواعظه { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا } يعني المنافقين والمشركين الذين سمعوا كتاب الله بآذانهم فقالوا سمعنا { وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } يعني لا يتّعظون بالقرآن ولا ينتفعون بسماعهم وكأنهم لم يسمعوا الحقيقة .