Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 88, Ayat: 1-20)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } يعني القيامة يغشي كلّ شيء إلاّ هو ، هذا قول أكثر المفسّرين . وقال سعيد بن جبير ومحمّد بن كعب : الغاشية النار . دليله قوله سبحانه : { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } [ إبراهيم : 50 ] . { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } يعني يوم القيامة ، وقيل : في النار { خَاشِعَةٌ } ذليلة { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } قال بعضهم : يعني عاملة في النار ناصبة فيها ، قال الحسن وسعيد بن جبير : لم تعمل لله سبحانه وتعالى في الدنيا ، فأعملها وأنصبها في النار لمعالجة السلاسل والأغلال ، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس قال قتادة : نكرت في الدنيا من طاعة فأعملها وأنصبها في النار . وقال الكلبي : يُجرّون على وجوههم في النار . الضحّاك : يكلّفون ارتقاء جبل من حديد في النار ، والنصّب الدؤوب في العمل . وقال عكرمة والسدّي : عاملة في الدنيا بالمعاصي ، ناصبة في النار يوم القيامة ، وقال سعيد ابن جبير وزيد بن أسلم : هم الرهبان وأصحاب الصوامع ، وهي رواية أبي الضحى عن ابن عبّاس . { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } قال ابن مسعود : تخوض في النار كما تخوض الإبل في الوحل . قراءة العامّة بفتح التاء ، وقرأ أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر بضمّها اعتباراً بقوله : { تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } حارّة . قال قتادة : قد أتى طبخها منذ خلق الله السماوات والأرض . { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } قال محمد وعكرمة وقتادة : وهو نبت ذو شوك لاطي بالأرض تسمّيه فرش الشرق ، فإذا هاج سمّوه الضريع ، وهو أخبث طعام وأبشعه ، وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس ، الوالي عنه : هو شجر من نار ، وقال ابن زيد : أمّا في الدنيا فإنّ الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق ، تدعوه العرب الضريع ، وهو في الآخرة شوك من نار . وقال الكلبي : لا تقربه دابّة إذا يبس ، ولا يرعاه شيء ، وقال سعيد بن جبير هو الحجارة ، عطاء عن ابن عبّاس : هو شيء يطرحه البحر المالح ، يسمّيه أهل اليمن الضريع ، وقد روي عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " الضريع شيء يكون في النار شبه الشوك ، أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأشدّ حرّاً من النار " سمّاه النبيّ ضريعاً ، وقال عمرو بن عبيد : لم يقل الحسن في الضريع شيئاً ، إلاّ أنّه قال : هو بعض ما أخفى الله من العذاب ، وقال ابن كيسان : هو طعام يضّرعون منه ويذلّون ويتضرّعون إلى الله سبحانه ، وعلى هذا التأويل يكون المعنى المضرّع . وقال أبو الدرداء والحسن : يُقبّح الله سبحانه وجوه أهل النار يوم القيامة يشبهها بعملهم القبيح في الدنيا ، ويُحسن وجوه أهل الجنّة يشبّهها بأعمالهم الحسنة في الدنيا ، وأنّ الله سبحانه يرسل على أهل النار الجوع حتّى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون فيُغاثون بالضريع ويستغيثون فيُغاثون بطعام ذي غصّة ، فيذكرون أنّهم كانوا يخبزون الغصص في الدنيا بالماء فيستسقون بعطشهم ألف سنة ، ثمّ يُسقون من عين آنية لا هنيّة ولا مريّة ، فكلّما أدنوه من وجوههم سلخ جلودَ وجوههم وشواها ، فإذا وصل إلى بطونهم قطّعها ، فذلك قوله سبحانه : { وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] . قال المفسِّرون : فلمّا نزلت هذه الآية قال المشركون : إنّ إبلنا لتسمن على الضريع ، فأنزل الله سبحانه : { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } ويقول : فإنّ الإبل ترعاهُ ما دام رطباً ، فإذا يبسَ فلا يأكلهُ شيء ورطبه يسمّى شبرقاً لا ضريعاً . { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِّسَعْيِهَا } في الدنيا { رَاضِيَةٌ } في الآخرة حين أُعطيت الجنّة بعملها ومجازات لثواب سعيها في الآخرة راضية { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } لغو وباطل ، وقيل : حلف كاذب . { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ } ووسائد ومرافق { مَصْفُوفَةٌ } بعضها بجنب بعض ، واحدتها نمرقة . قال الشاعر : @ كهول وشبّان حسان وجوههم على سرر مصفوفة ونمارق @@ { وَزَرَابِيُّ } يعني البسط العريضة . قال ابن عبّاس : هي الطنافس التي لها خمل رقيق ، واحدتها زريبة . { مَبْثُوثَةٌ } مبسوطة وقيل : متفرّقة في المجالس . { أَفَلاَ يَنظُرُونَ } الآية ، قال المفسِّرون لمّا نعت الله ما في الجنّة في هذه السورة عجب من ذلك أهل الكفر والضلالة وكذبوا بها ، فذكرهم الله سبحانه صنعهُ فقال عزَّ من قائل : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } . وكانت الإبل من عيش العرب ومن حولهم ، وتكلّمت الحكماء في وجه تخصيص الله سبحانه الإبل من بين سائر الحيوانات ، فقال مقاتل : لأنّهم لم يروا قط بهيمةً أعظم منها ، ولم يشاهدوا الفيل إلاّ الشاذّ منهم ، وقال الكلبي : لأنّها تنهض بحملها وهي باركة ؛ لأنّه وليس شيء من الحيوانات سابقها ولا سائقها غيرها ، وقال قتادة : ذكر الله سبحانه ارتفاع سرر الجنّة وفرشها فقالوا : كيف نصعد ؟ فأنزل الله سبحانه هذه الآية . وسُئل الحسن عن هذه الآية وقيل له : الفيل أعظم في الاعجوبة ؟ فقال : أمّا الفيل فالعرب بعيدو العهد بها ، ثمّ هو خنزير لا يركب ظهرها ولا يأكل لحمها ولا يُحلب درها ، والإبل من أعزّ مال العرب وأنفسه . وقال الحسن : إنّما يأكلون النوى والقت ويخرج اللبن ، وقيل : لأنّها في عظمة تلين للحمل الثقيل وتنقاد للقائد الضعيف حتّى أنّ الصبي الصغير يأخذ بزمامها فيذهب بها حيث يشاء . وحكى الأُستاذ أبو القاسم بن حبيب أنّه رأى في بعض التفاسير أنّ فأرة أخذت بزمام ناقة ، فجعلت تجرّ بها والناقة تتبعها ، حتّى دخلت الجحر فجرّت الزمام فتحرّكت فجرّته فقربت فمها من جحر الفأر . فسبحان الذي قدّرها وسخّرها . أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن عبد الله قال : حدّثنا محمد بن العلاء قال : حدّثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن شريح أنّه كان يقول : اخرجوا بنا إلى الكناسة حتّى ننظر إلى الإبل كيف خُلقت . وقيل : الإبل هاهنا السحاب ، ولم أجد لذلك أصلاً في كتب الأئمّة { وَإِلَى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَىٰ ٱلْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } بسطت ، وقال أنس بن مالك : صلّيت خلف علي بن أبي طالب فقرأ " أَفَلاَ تَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ " وكذلك رُفعت ونُصبت وسطّحت برفع التاء ، وقرأ الحسن سطّحت بالتشديد .