Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلضُّحَىٰ } قال المفسّرون : " سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين وأصحاب الكهف وعن الروح ، فقال : سأخبركم غداً ولم يقل : إن شاء الله ، فاحتبس عنه الوحي " . وقال زيد بن أسلم : " كان سبب احتباس جبرائيل ( عليه السلام ) كون جرو في بيته ، فلمّا نزل عليه جبرائيل عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبطائه ، فقال : يا محمد أما علمت أنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة " واختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه ، فقال ابن حريج : اثني عشر يوماً ، وقال ابن عباس : خمسة عشر يوماً ، وقيل : خمسة وعشرين يوماً ، وقال مقاتل : أربعين يوماً . قالوا : فقال المشركون : إنّ محمداً ودعّه ربّه وقلاه ، ولو كان أمره من الله لتتابع عليه كما كان يفعل بمن قبله من الأنبياء . " وقال المسلمون : يا رسول الله أما ينزل عليك الوحي ؟ فقال : " وكيف ينزل عليّ الوحي وأنتم لا تنقون براجمكم ولا تقلّمون أظفاركم " ، فأنزل الله سبحانه جبرائيل ( عليه السلام ) بهذه السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا جبرائيل ما جئت حتى اشتقت إليك " ، فقال جبرائيل ( عليه السلام ) : وأنا كنت إليك أشدّ شوقاً ولكني عبد مأمور وما ننزل إلاّ بأمر ربّك " . أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن يعقوب قال : حدّثنا الحسن بن علي بن عفان قال : حدّثنا أبو أُسامة ، عن سفيان ، عن الأسود بن قيس ، أنه سمع جندب بن سفيان يقول : " رمي النبي صلى الله عليه وسلم بحجر في إصبعه ، فقال : " هل أنتِ إلاّ إصبع دميتِ * وفي سبيل الله مالقيتِ " فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم [ الليل ] ، فقالت له امرأة : يا محمد ما أرى شيطانك إلاّ قد تركك ، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث ليال . وقيل : إنّ المرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبي لهب ، فأنزل الله سبحانه { وَٱلضُّحَىٰ } " يعني النهار كلّه ، دليله قوله { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } فقابله بالليل ، نظيره قوله { أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [ الأعراف : 98 ] أي نهاراً ، وقال قتادة ومقاتل : يعني وقت الضحى ، وهي الساعة التي فيها ارتفاع الشمس ، واعتدال النهار من الحر والبرد في الشتاء والصيف ، وقيل : هي الساعة التي كلّم الله فيها موسى ، وقيل : هي الساعة التي أُلقي السحرة فيها سجّدا ، بيانه قوله سبحانه : { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } [ طه : 59 ] وقال أهل المعاني فيه وفي أمثاله : بإضمار الربّ مجازه : وربّ الضحى . { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } قال الحسن : أقبل بظلامه ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس ، الوالبي عنه : إذا ذهب الضحّاك : غطّى كلّ شيء ، مجاهد وقتادة وابن زيد : سكن بالخلق واستقر ظلامه ، يقال : ليل ساج ، وبحر ساج إذا كان ساكناً ، قال الراجز : @ يا حبذا القمراء والليل الساج وطرق مثل ملاء النسَّاج @@ وقال أعشى بني ثعلبة : @ فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمّكم وبحرك ساج ما يواري الدّعامصا @@ { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } أي ما تركك منذ اختارك ، ولا أبغضك منذ أحبّك ، وهذا جواب القسم . { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ } من الثواب ، وقيل : من النصر والتمكن وكثرة المؤمنين { فَتَرْضَىٰ } . أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا ابو عبد الله محمد بن عامر السمرقندي قال : حدّثنا عمر بن بحر قال : حدّثنا عبد بن حميد ، عن قتيبة ، عن سفيان ، عن الأوزاعي ، عن إسماعيل بن عبد الله ، عن علي بن عبد الله بن عباس [ عن أبيه ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت ما هو مفتوح على أمتي من بعدي كفراً كفراً " فسرّني ذلك ، فنزلت { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } " قال : أُعطي في الجنة ألف قصر من لؤلؤ ترابها المسك ، في كل قصر ما ينبغي له . وأخبرني عقيل أن أبا الفرج ، أخبرهم عن ابن جرير قال : حدّثني عبّاد بن يعقوب قال : حدّثنا الحكم بن ظهر ، عن السدي ، عن ابن عباس : في قوله { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } قال : رضا محمد ان لا يدخل أحد من أهل بيته النار ، وقيل : هي الشفاعة في جميع المؤمنين . أخبرنيه أبو عبد الله القنجوي قال : حدّثنا أبو علي المقري قال : حدّثنا محمد بن عمران بن أسد الموصلي قال : حدّثنا محمد بن أحمد المدادي قال : حدّثنا عمرو بن عاصم قال : حدّثنا حرب بن سريح البزاز قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي قال : حدّثني عمي محمد بن علي بن الحنفية ، عن أبيه علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أشفع لأمتي حتى ينادي ربي عزّ وجلّ : رضيت يا محمد ، فأقول : ربّ رضيت " ثم قال لي : إنّكم معشر أهل العراق تقولون : إن أرجى آية في القرآن { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 53 ] قلت : انا لنقول ذلك ، قال : ولكنّا أهل البيت نقول : إنّ أرجى آية في كتاب الله تعالى { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } وهي الشفاعة " . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حمدان قال : حدّثنا أبو عامر بن سعدان قال : حدّثنا أحمد بن صالح المصري ، قال : حدّثنا عبد الله بن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدّثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص " أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله سبحانه في إبراهيم : { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ إبراهيم : 36 ] وقول عيسى : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ المائدة : 118 ] فرفع يديه ثم قال : " اللهمّ أُمّتي أُمّتي " وبكى . فقال الله سبحانه : يا جبرائيل إذهب إلى محمد وربّك أعلم فاسأله ما يبكيك ؟ فأتاه جبرائيل ، فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله سبحانه : يا جبرائيل اذهب إلى محمد ، فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك " . ويروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمّا نزلت هذه الآية : " إذاً لا أرضى وواحد من أمتي في النار " . وقال جعفر بن محمد : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة رضي الله عنها وعليها كساء من جلد الإبل ، وهي تطحن بيدها ، وترضع ولدها ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا أبصرها ، فقال : " يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة ، فقد أنزل الله عليّ : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } " . ثم أخبر الله سبحانه ، عن حاله ( عليه السلام ) التي كان عليها قبل الوحي ، وذكّره نعمه ، فقال عزّ من قائل : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } . أنبأني عبد الله بن حامد الأصبهاني قال : أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري قال : حدّثنا محمد بن عيسى ، قال : حدّثنا أبو عمر الحوصي ، وأبو الربيع الزهراني ، عن حمّاد بن زيد ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته ، قلت : يا ربّ إنك آتيت سليمان بن داود ملكاً عظيماً ، وآتيت فلاناً كذا ، وآتيت فلاناً كذا ، قال : يا محمد ألمْ أجدك يتيماً فآويتك ؟ قلت : بلى أي رب ، قال : ألمْ أجدك ضالا فهديتك ؟ قلت : بلى يا رب ، قال : ألمْ أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قلت : بلى أي رب " . ومعنى الآية : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً } صغيراً فقيراً ضعيفاً حين مات أبواك ، ولم يخلفا لك مالا ، ولا مأوى ، فجعل لك مأوى تأوي إليه ، ومنزلا تنزله ، وضمّك إلى عمّك أبي طالب حتى أحسن تربيتك ، وكفاك المؤونة . سمعت الاستاذ أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا نصر منصور بن عبد الله الأصفهاني يقول : سمعت أبا القاسم الاسكندراني يقول : سمعت أبا جعفر الملطي يقول : سمعت أبي يقول : سمعت علي بن موسى الرضا يقول : سمعت أبي يقول : سئل جعفر بن محمد الصادق : لم أؤتم النبي صلى الله عليه وسلم عن أبويه ؟ فقال : لئلاّ يكون عليه حق لمخلوق . وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد بن عبد الله العنبري يحكي بإسناد له لا أحفظه ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه أنه قال في قوله تعالى : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } : هو من أقوال العرب : درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل وقد جاء في الشعر : @ لا ولا درّة يتيمة بحر تتلالا في جونة البياع @@ فمجاز الآية : { أَلَمْ يَجِدْكَ } واحداً في شرفك ، وفضلك ، لا نظير لك ، فآواك إليه . وقرأ أشهب العقيلي { فَآوَىٰ } بالقصر : أي رحمك . تقول العرب : آويت لفلان اية ومأواة أي رحمته . { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ } عما أنت عليه اليوم ، فهداك إلى الذي أنت عليه اليوم . قال السدي : كان على أمر قومه أربعين عاماً ، وقال الكلبي : وجدك في قوم ضلال فهداك إلى التوحيد ، والنبوة ، وقيل : فهداهم بك ، وقال الحسن والضحّاك وشهر بن حوشب وابن كيسان : ووجدك ضالا عن معالم النبوة ، وأحكام الشريعة غافلا عنها ، فهداك إليها ، نظيره ودليله قوله سبحانه { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ } [ يوسف : 3 ] وقوله تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] ، وقيل : ضالا في شعاب مكّة ، فهداك الى جدّك عبد المطلب ، وردّك إليه . روى أبو الضحى ، عن ابن عباس قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضل ، وهو صبي صغير في شعاب مكّة ، فرآه أبو جهل ، منصرفاً من أغنامه ، فردّه إلى جدّه عبد المطلب ، فمنّ الله سبحانه عليه بذلك ، حين ردّه إلى جدّه على يدي عدوّه . وأخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن عبدوس قال : حدّثنا عثمان بن سعيد قال : حدّثنا عمرو بن عوف قال : أخبرنا خالد ، عن داود بن أبي هند ، عن العباس بن عبد الرحمن ، عن بشر بن سعيد ، عن أبيه قال : حججت في الجاهلية ، فإذا أنا برجل يطوف بالبيت ، وهو يرتجز ، ويقول : @ يا ربّ ردّ راكبي محمدا ردّ إليّ واصطنع عندي يدا @@ فقلت : من هذا ؟ قيل : عبد المطلب بن هاشم ، ذهبت أبل له فأرسل ابن ابنه في طلبها ، ولم يرسله في حاجة قط إلاّ جاء بها ، وقد احتبس عليه ، قال : فما برحتُ أنْ جاء النبي صلى الله عليه وسلم وجاء بالإبل ، فقال : يا بُنيّ لقد حزنت عليك حزناً لا يفارقني أبداً . وفي حديث كعب الأحبار ، في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدء أمره أن حليمة لمّا قضت حق الرضاع ، جاءت برسول الله صلى الله عليه وسلم لتردّه إلى عبد المطلب ، قالت حليمة : فأقبلتُ أسير حتى أتيت الباب الأعظم من أبواب مكّة ، فسمعت منادياً ينادي : هنيئاً لكِ يا بطحاء مكة ، اليوم يرد عليك النور والدين والبهاء والجمال ، قالت : ثم وضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقضي حاجة وأصلح ثيابي ، فسمعت هدّة شديدة ، فالتفت فلم أره ، فقلت : معاشر الناس أين الصبي ؟ فقالوا : أي الصبيان ؟ قلت : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، الذي نضرّ الله به وجهي ، وأغنى عيلتي ، ربيّته حتى إذا أدركت فيه سروري وأملي أتيت به لأردّه ، وأخرج هذا من أمانتي ، اختلس من بين يدي قبل أن يمس قدمه الأرض ، واللات والعزى لئن لم أره لأرمينّ بنفسي من شاهق الجبل ، فلأقطعنّ إرباً إرباً . قالوا : ما رأينا شيئاً ، فلمّا آيسوني وضعت يدي على أم رأسي ، وقلت : وامحمداه واولداه ، فأبكيت الجواري الأبكار لبكائي ، وضجّ الناس معي بالبكاء حرقةً لي ، فإذا أنا بشيخ كالفاني يتوكأ على عصا ، قال : مالك أيتها السعدية ؟ قلت : فقدت ابني محمداً ، فقال : لا تبكي أنا أدلّك على من يعلم علمه ، وإن شاء أن يردّه فعل ، قلت : فدتك نفسي ، ومن هو ؟ قال : الصنم الأعظم هبل . قالت : فدخل وأنا أنظر ، فطاف بهبل وقبّل رأسه وناداه : يا سيداه ، لم تزل منتك على قريش قديمة ، وهذه السعدية تزعم أن ابناً لها قد ضلّ ، فردّه إن شئت ، وأخرج هذه الوحشة عن بطحاء مكة ، فأنها تزعم أن ابنها محمداً قد ضلّ ، قال : فانكب هبل على وجهه ، وتساقطت الأصنام ، وقالت : إليك عنّا أيها الشيخ . إنما هلاكنا على يدي محمد . قالت : فأقبل الشيخ أسمع لأسنانه اصطكاكاً ، ولركبته ارتعاداً ، وقد ألقى عكازته من يده وهو يقول : يا حليمة إن لابنك رباً لا يضيّعه فاطلبيه على مهل ، قالت : فخفت أن يبلغ الخبر عبد المطلب قبلي ، فقصدته فلمّا نظر اليّ ، قال : أسعد نزل بكِ أم نحوس ؟ ، قلت : بل النحس الأكبر ، ففهمها منّي ، وقال : لعلّ ابنك ضلّ منك ، قالت : قلت : نعم فظنَّ أن بعض قريش قد اغتاله ، فسلّ عبد المطلب سيفه لا يثبت له أحد من شدة غضبه ، ونادى بأعلى صوته : يا آل غالب ، يا آل غالب ، وكانت دعوتهم في الجاهلية فأجابته قريش بأجمعها ، وقالوا : ما قصتك ؟ ، قال : فُقد ابني محمد ، قالت قريش : اركب نركب معك ، فإنْ تسنّمت جبلا تسنماه معك ، وان خضت بحراً خضناه معك ، فركب وركبت قريش معه فأخذ على أعلى مكة وانحدر على أسفلها ، فلمّا أن لم ير شيئاً ترك الناس واتشح وارتدى بآخر ، وأقبل الى البيت الحرام ، فطاف اسبوعاً ثم أنشأ يقول : @ يا ربّ ردّ راكبي محمداً ردّه ربي واتخذ عندي يدا يا ربّ إنْ محمد لم يوجدا مجمع قومي كلّهم مبدّدا @@ فسمعنا منادياً ينادي من الهواء : معاشر الناس لا تضجوا ، فان لمحمد ربّاً لا يخذله ولا يضيّعه ، قال عبد المطلب : يا أيها الهاتف ومن لنا به وأين هو ؟ ، قال بوادي تهامة عند شجرة اليمن . فأقبل عبد المطلب راكباً متسلحاً ، فلمّا صار في بعض الطرق تلقّاه ورقة بن نوفل فصارا جميعاً يسيران ، فبينما هم كذلك إذ النبي صلى الله عليه وسلم قائم تحت شجرة يجذب الأغصان ويعبث بالورق ، قال له عبد المطلب : من أنت يا غلام ؟ قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، قال عبد المطلب : فدتك نفسي وأنا جدّك ، ثم حمله على قربوس سرجه وردّه إلى مكة واطمأنت قريش بعد ذلك . وقال سعيد بن المسيب : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة ، فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء على ناقة إذ جاء إبليس ، وأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق ، فجاء جبرائيل فنفخ إبليس نفخة وقع منها الى الحبشة وردّه الى القافلة ، فمنّ الله عليه بذلك " . وقيل : وجدك ضالا ليلة المعراج حين انصرف عنك جبرائيل لا تعرف الطريق ، فهداك إلى ساق العرش . أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثني ابن حبيش قال : قال بعض أهل الكلام في قوله : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } : إن العرب إذا وجدت شجرة في فلاة من الأرض وحيدة ليس معها ثانية يسمونها : ضالة ، فيهتدون بها إلى الطريق . قال : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } أي وحيداً ليس معك نبي غيرك فهديت بك الخلق إليّ ، وقال عبد العزيز بن يحيى ومحمد بن علي الترمذي : ووجدك خاملا لا تذكر ولا تُعرف من أنت ، فهداهم إليك حتى عرفوك ، وأعلمهم بما منّ به عليك . قال بسام بن عبد الله : ووجدك ضالا نفسك لا تدري من أنت فعرّفك نفسك وحالك ، وقال أبو بكر الورّاق وغيره : ووجدك ضالا بحب أبي طالب فهداك إلى حبّه ، وغيره : وجدك محبّاً فهداك إلى محبوبك ، دليله قوله سبحانه ، إخباراً عن إخوة يوسف { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ يوسف : 8 ] وقوله سبحانه : { تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [ يوسف : 95 ] اي فرط الحب ليوسف . وقيل : وجدناك ناسياً شأن الاستثناء حين سُئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ، دليله قوله { أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا } [ البقرة : 282 ] أي تنسى ، وقال سهل : وجد نفسك نفس الشهوة والطبع ، فغيّره إلى سبيل المعرفة والشرع ، قال جنيد : وجدك متحيراً في بيان الكتاب المنزل عليك فهداك لبيانه ، لقوله { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ } [ النحل : 44 ] وقوله { لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } [ النحل : 64 ] . قال بندار بن الحسين : ليس قائما مقام الأستدلال فتعرفت إليك ، وأغنيتك بالمعرفة عن الشواهد والأدلة ، وقيل : وجدك طالباً لقبلتك ضالا عنها فهداك إليها . { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً } فقيراً عديماً فأغناك بمال خديجة ، ثم بالغنائم ، وقال مقاتل : فرضاك بما أعطاك من الرزق ، وقرأ ابن السميقع : وجدك عيّلا بتشديد الياء من غير ألف على وزن فيعل ، كقولك : طاب يطيب فهو طيّب . وعن ابن عطاء : وجدك فقير النفس ، وقيل : فقيراً إليه فأغناك به ، وقيل : غنياً بالمعرفة فقيراً عن أحكامها ، فأغناك بأحكام المعرفة حتى تم لك الغنى . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حبيش ، عن بعضهم أنه قال : وجدك عائلا تعول الخلق بالعلم فأغناك بالقرآن والعلم والحكمة ، وقال الأخفش : وجدك ذا عيال . دليله قوله صلى الله عليه وسلم : " وابدأ بمن تعول " . عن ابن عطاء : لم يكن معك كتاب ولا شريعة فأغناك بهما ، وقيل : وجدك عائلا عن الصحابة محتاجاً إليهم ، فأكثرنا لك الاخوان والأعوان ، وحذف الكاف من قوله فآوى واختيها لمشاكلة رؤوس الآي ، ولأن المعنى معروف .