Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 1, Ayat: 1-1)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القرآن الكريم منذ اللحظة التي نزل فيها نزل مقرونا بسم الله سبحانه وتعالى - ولذلك حينما نتلوه فإننا نبدأ البداية نفسها التي أرادها الله تبارك وتعالى - وهي أن تكون البداية بسم الله . وأول الكلمات التي نطق بها الوحي لمحمد صلى الله عليه وسلم كانت { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } [ العلق : 1 ] . وهكذا كانت بداية نزول القرآن الكريم ليمارس مهمته في الكون … هي بسم الله . ونحن الآن حينما نقرأ القرآن نبدأ نفس البداية . ولقد كان محمد عليه الصلاة والسلام في غار حراء حينما جاءه جبريل وكان أول لقاء بين الملك الذي يحمل الوحي بالقرآن … وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الحق تبارك وتعالى : { ٱقْرَأْ } . واقرأ تتطلب أن يكون الإنسان … إما حافظا لشيء يحفظه ، أو أمامه شيء مكتوب ليقرأه … ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حافظا لشيء يقرؤه … وما كان أمامه كتاب ليقرأ منه … وحتى لو كان أمامه كتاب فهو أميّ لا يقرأ ولا يكتب . وعندما قال جبريل : { ٱقْرَأْ } … قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ … وكان الرسول عليه الصلاة والسلام منطقيا مع قدراته . وتردد القول ثلاث مرات … جبريل عليه السلام بوحي من الله سبحانه وتعالى يقول للرسول : { ٱقْرَأْ } ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أنا بقارئ … ولقد أخذ خصوم الإسلام هذه النقطة … وقالوا كيف يقول الله لرسوله اقرأ ويرد الرسول ما أنا بقارئ . نقول إن الله تبارك وتعالى … كان يتحدث بقدراته التي تقول للشيء كن فيكون ، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث ببشريته التي تقول إنه لا يستطيع أن يقرأ كلمة واحدة ، ولكن قدرة الله هي التي ستأخذ هذا النبي الذي لا يقرأ ولا يكتب لتجعله معلماً للبشرية كلها إلى يوم القيامة … لأن كل البشر يعلمهم بشر … ولكن محمد صلى الله عليه وسلم سيعلمه الله سبحانه وتعالى . ليكون معلما لأكبر علماء البشر … يأخذون عنه العلم والمعرفة . لذلك جاء الجواب من الله سبحانه وتعالى : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } [ العلق : 1 - 2 ] . أي أن الله سبحانه وتعالى الذي خلق من عدم سيجعلك تقرأ على الناس ما يعجز علماء الدنيا وحضارات الدنيا على أن يأتوا بمثله … وسيكون ما تقرؤه وأنت النبي الأميّ إعجازا … ليس لهؤلاء الذين سيسمعونه منك فقط لحظة نزوله . ولكن للدنيا كلها وليس في الوقت الذي ينزل فيه فقط ، ولكن حتى قيام الساعة ، ولذلك قال جل جلاله : { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ * ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } [ العلق : 3 - 4 ] . أي أن الذي ستقرؤه يا محمد … سيظل معلما للإنسانية كلها إلى نهاية الدنيا على الأرض … ولأن المعلم هو الله سبحانه وتعالى قال : { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } [ العلق : 3 ] مستخدما صيغة المبالغة . فهناك كريم وأكرم … فأنت حين تتعلم من بشر فهذا دليل على كرم الله جل جلاله … لأنه يسر لك العلم على يد بشر مثلك … أما إذا كان الله هو الذي سيعلمك … يكون " أكرم " … لأن ربك قد رفعك درجة عالية ليعلمك هو سبحانه وتعالى . والحق يريد أن يلفتنا إلى أن محمدا عليه الصلاة والسلام لا يقرأ القرآن لأنه تعلم القراءة ، ولكنه يقرؤه بسم الله ، ومادام بسم الله … فلا يهم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلم من بشر أو لم يتعلم . لأن الذي علمه هو الله … وعلمه فوق مستوى البشرية كلها . على أننا نبدأ أيضا تلاوة القرآن بسم الله … لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أنزله لنا … ويسر لنا أن نعرفه ونتلوه … فالأمر لله علماً وقدرة ومعرفة … واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى : { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ يونس : 16 ] . لذلك أنت تقرأ القرآن بسم الله لأنه جل جلاله هو الذي يسره لك كلاماً وتنزيلاً وقراءة … ولكن هل نحن مطالبون أن نبدأ فقط تلاوة القرآن بسم الله ؟ إننا مطالبون أن نبدأ كل عمل بسم الله … لأننا لابد أن نحترم عطاء الله في كونه . فحين نزرع الأرض مثلا … لابد أن نبدأ بسم الله … لأننا لم نخلق الأرض التي نحرثها … ولا خلقنا البذرة التي نبذرها . ولا أنزلنا الماء من السماء لينمو الزرع . إن الفلاح الذي يمسك الفأس ويرمي البذرة قد يكون أجهل الناس بعناصر الأرض ومحتويات البذرة وما يفعله الماء في التربة لينمو الزرع … إن كل ما يفعله الإنسان هو أنه يعمل فكره المخلوق من الله في المادة المخلوقة من الله … بالطاقة التي أوجدها الله في أجسادنا ليتم الزرع . والإنسان لا قدرة له على إرغام الأرض لتعطيه الثمار … ولا قدرة له على خلق الحبة لتنمو وتصبح شجرة . ولا سلطان له على إنزال الماء من السماء … فكأنه حين يبدأ العمل بسم الله ، يبدؤه بسم الله الذي سخر له الأرض … وسخر له الحب ، وسخر له الماء ، وكلها لا قدرة له عليها … ولا تدخل في طاقته ولا في استطاعته … فكأنه يعلن أنه يدخل على هذه الأشياء جميعا باسم من سخرها له … والله تبارك وتعالى سخر لنا الكون جميعا وأعطانا الدليل على ذلك … فلا تعتقد أن لك قدرة أو ذاتية في هذا الكون . . ولا تعتقد أن الأسباب والقوانين في الكون لها ذاتية . بل هي تعمل بقدرة خالقها الذي إن شاء أجراها وإن شاء أوقفها . الجمل الضخم والفيل الهائل المستأنس قد يقودهما طفل صغير فيطيعانه . ولكن الحية صغيرة الحجم لا يقوى أي انسان على أن يستأنسها . ولو كنا نفعل ذلك بقدراتنا … لكان استئناس الحية أو الثعبان سهلا لصغر حجمهما … ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعلهما مثلا لنعلم أنه بقدراته هو قد أخضع لنا ما شاء ، ولم يخضع لنا ما شاء . ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [ يس : 71 - 72 ] . وهكذا نعرف أن خضوع هذه الأنعام لنا هو بتسخير الله لها وليس بقدرتنا . يأتي الله سبحانه وتعالى إلى أرض ينزل عليها المطر بغزارة . والعلماء يقولون إن هذا يحدث بقوانين الكون . فيلفتنا الله تبارك وتعالى إلى خطأ هذا الكلام . بأن تأتي مواسم جفاف لا تسقط فيها حبة مطر واحدة لنعلم أن المطر لا يسقط بقوانين الكون ولكن بإرادة خالق الكون … فإذا كانت القوانين وحدها تعمل فمَنْ الذي عطلها ؟ ولكن إرادة الخالق فوق القوانين إن شاءت جعلتها تعمل وإن شاءت جعلتها لا تعمل … إذن فكل شيء في الكون بسم الله … هو الذي سخر وأعطى … وهو الذي يمنح ويمنع . حتى في الأمور التي للإنسان فيها نوع من الاختيار … واقرأ قول الحق تبارك وتعالى : { لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } [ الشورى : 49 - 50 ] . والأصل في الذرية أنها تأتي من اجتماع الذكر والأنثى … هذا هو القانون … ولكن القوانين لا تعمل إلا بأمر الله … لذلك يتزوج الرجل والمرأة ولا تأتي الذرية لأنه ليس القانون هو الذي يخلق … ولكنها إرادة خالق القانون … إن شاء جعله يعمل … وإن شاء يبطل عمله … والله سبحانه وتعالى لا تحكمه القوانين ولكنه هو الذي يحكمها . وكما أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل القوانين تفعل أو لا تفعل … فهو قادر على أن يخرق القوانين … خذ مثلا قصة زكريا عليه السلام … كان يكفل مريم ويأتيها بكل ما تحتاج إليه … ودخل عليها ليجد عندها ما لم يحضره لها … وسألها وهي القديسة العابدة الملازمة لمحرابها … { قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } [ آل عمران : 37 ] . الحق سبحانه وتعالى يعطينا هذه الصورة … مع أن مريم بسلوكها وعبادتها وتقواها فوق كل الشبهات … ولكن لنعرف أن الذي يفسد الكون … هو عدم السؤال عن مصدر الأشياء التي تتناسب مع قدرات مَنْ يحصل عليها . الأم ترى الأب ينفق ما لا يتناسب مع مرتبه … وترى الابنة ترتدي ما هو أكبر كثيرا من مرتبها أو مصروفها … ولو سألت الأم الأب أو الابنة من أين لك هذا ؟ لما فسد المجتمع … ولكن الفساد يأتي من أننا نغمض أعيننا عن المال الحرام . بماذا ردت مريم عليها السلام ؟ { قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 37 ] . إذن فطلاقة قدرة الله لا يحكمها قانون … لقد لفتت مريم زكريا عليهما السلام إلى طلاقة القدرة … فدعا زكريا ربه في قضية لا تنفع فيها الا طلاقة القدرة … فهو رجل عجوز وامرأته عجوز وعاقر ويريد ولدا … هذه قضية ضد قوانين الكون … لأن الإنجاب لا يتم الا وقت الشباب ، فإذا كبر الرجل وكبرت المرأة لا ينجبان … فما بالك إذا كانت الزوجة أساسا عاقرا … لم تنجب وهي شابة وزوجها شاب … فكيف تنجب وهي عجوز وزوجها عجوز … هذه مسألة ضد القوانين التي تحكم البشر … ولكن الله وحده القادر على أن يأتي بالقانون وضده … ولذلك شاء أن يرزق زكريا بالولد وكان … ورزق زكريا بابنه يحيى . إذن كل شيء في هذا الكون بسم الله … يتم باسم الله وبإذن من الله … الكون تحكمه الأسباب نعم ولكن إرادة الله فوق كل الأسباب … أنت حين تبدأ كل شيء بسم الله … كأنك تجعل الله في جانبك يعينك … ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه علمنا أن نبدأ كل شيء بسم الله … لأن الله هو الاسم الجامع لصفات الكمال سبحانه وتعالى … والفعل عادة يحتاج إلى صفات متعددة … فأنت حين تبدأ عملا تحتاج إلى قدرة الله وإلى قوته وإلى عونه وإلى رحمته … فلو أن الله سبحانه وتعالى لم يخبرنا بالاسم الجامع لكل الصفات … كان علينا أن نحدد الصفات التي نحتاج إليها … كأن نقول بسم الله القوي وبسم الله الرازق وبسم الله المجيب وبسم الله القادر وبسم الله النافع … إلى غير ذلك من الأسماء والصفات التي نريد أن نستعين بها … ولكن الله تبارك وتعالى جعلنا نقول بسم الله بسم الله بسم الله الجامع لكل هذه الصفات . على أننا لابد أن نقف هنا عند الذين لا يبدأون أعمالهم بسم الله وإنما يريدون الجزاء المادي وحده … إنسان غير مؤمن لا يبدأ عمله باسم الله … وإنسان مؤمن يبدأ كل عمل وفي باله الله … كلاهما يأخذ من الدنيا لأن الله رب للجميع … له عطاء ربوبية لكل خلقه الذين استدعاهم للحياة … ولكن الدنيا ليست هي الحياة الحقيقية للإنسان . . بل الحياة الحقيقية هي الآخرة … الذي في باله الدنيا وحدها يأخذ بقدر عطاء الربوبية … بقدر عطاء الله في الدنيا … والذي في باله الله يأخذ بقدر عطاء الله في الدنيا والآخرة … ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } [ سبأ : 1 ] . لأن المؤمن يحمد الله على نعمه في الدنيا … ثم يحمده عندما ينجيه من النار والعذاب ويدخله الجنة في الآخرة … فلله الحمد في الدنيا والآخرة . ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع " . ومعنى أقطع أي مقطوع الذنب أو الذيل … أي عمل ناقص فيه شيء ضائع … لأنك حين لا تبدأ العمل بسم الله قد يصادفك الغرور والطغيان بأنك أنت الذي سخرت ما في الكون ليخدمك وينفعل لك … وحين لا تبدأ العمل بسم الله … فليس لك عليه جزاء في الآخرة فتكون قد أخذت عطاءه في الدنيا … وبترت أو قطعت عطاءه في الآخرة … فإذا كنت تريد عطاء الدنيا والآخرة . فأقبل على كل عمل بسم الله … قبل أن تأكل قل بسم الله لأنه هو الذي خلق لك هذا الطعام ورزقك به … عندما تدخل الامتحان قل بسم الله فيعينك على النجاح … عندما تدخل إلى بيتك قل بسم الله لأنه هو الذي يسر لك هذا البيت … عندما تتزوج قل باسم الله لأنه هو الذي خلق هذه الزوجة وأباحها لك … في كل عمل تفعله ابدأه باسم الله … لأنها تمنعك من أي عمل يغضب الله سبحانه وتعالى … فأنت لا تستطيع أن تبدأ عملاً يغضب الله بسم الله … إذا أردت أن تسرق أو أن تشرب الخمر … أو أن تفعل عملاً يغضب الله … وتذكرت بسم الله … فإنك ستمتنع عنه … ستستحي أن تبدأ عملا بسم الله يغضب الله … وهكذا ستكون أعمالك كلها فيما أباحه الله . الله تبارك وتعالى حين نبدأ قراءة كلامه باسم الله … فنحن نقرأ هذا الكلام لأنه من الله … والله هو الإله المعبود في كونه … ومعنى معبود أنه يطاع فيما يأمر به … ولا نقدم على ما نهى عنه … فكأنك تستقبل القرآن الكريم بعطاء الله في العبادة … وبطاعته في افعل ولا تفعل … وهذا هو المقصود أن تبدأ قراءة القرآن بسم الله الذي آمنت به رباً وإلهاً … والذي عاهدته على أن تطيعه فيما أمر وفيما نهى … والذي بموجب عبادتك لله سبحانه وتعالى تقرأ كتابه لتعمل بما فيها … والذي خلق وأوجد ويحيي ويميت وله الأمر في الدنيا والآخرة . . والذي ستقف أمامه يوم القيامة ليحاسبك أحسنت أم أسأت … فالبداية من الله والنهاية إلى الله سبحانه وتعالى . بعض الناس يتساءل كيف أبدأ بسم الله … وقد عصيت وقد خالفت … نقول اياك أن تستحي أن تقرأ القرآن … وأن تبدأ بسم الله إذا كنت قد عصيت … ولذلك أعطانا الله سبحانه وتعالى الحيثية التي نبدأ بها قراءة القرآن فجعلنا نبدؤه بسم الله الرحمن الرحيم … فالله سبحانه وتعالى لا يتخلى عن العاصي … بل يفتح له باب التوبة ويحثه عليها … ويطلب منه أن يتوب وأن يعود الي الله … فيغفر له ذنبه ، لأن الله رحمن رحيم … فلا تقل أنني أستحي أن أبدأ بسم الله لأنني عصيته … فالله سبحانه وتعالى يطلب من كل عاص أن يعود إلى حظيرة الإيمان وهو رحمن رحيم … فإذا قلت كيف أقول بسم الله وقد وقعت في معصية أمس … نقول لك قل بسم الله الرحمن الرحيم … فرحمة الله تسع كل ذنوب خلقه … وهو سبحانه وتعالى الذي يغفر الذنوب جميعا . والرحمة والرحمن والرحيم … مشتق منها الرحم الذي هو مكان الجنين في بطن أمه … هذا المكان الذي يأتيه فيه الرزق … بلا حول ولا قوة … ويجد فيه كل ما يحتاج إليه نموه ميسرا … رزقا من الله سبحانه وتعالى بلا تعب ولا مقابل … انظر إلى حنو الأم على ابنها وحنانها عليه … وتجاوزها عن سيئاته وفرحته بعودته إليها … ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى في حديث قدسي . " أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمَنْ وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته " الله سبحانه وتعالى يريد أن نتذكر دائما أنه يحنو علينا ويرزقنا … ويفتح لنا أبواب التوبة بابا بعد آخر … ونعصي فلا يأخذنا بذنوبنا ولا يحرمنا من نعمه … ولا يهلكنا بما فعلنا . ولذلك فنحن نبدأ تلاوة القرآن الكريم بسم الله الرحمن الرحيم … لنتذكر دائما أبواب الرحمة المفتوحة لنا … نرفع أيدينا إلى السماء … ونقول يا رب رحمتك … تجاوز عن ذنوبنا وسيئاتنا . وبذلك يظل قارئ القرآن متصلا بأبواب رحمة الله … كلما ابتعد عن المنهج أسرع ليعود إليه … فمادام الله رحمانا ورحيما لا تغلق أبواب الرحمة أبدا . على أننا نلاحظ أن الرحمن الرحيم من صيغ المبالغة … يقال راحم ورحمن ورحيم … إذا قيل راحم فيه صفة الرحمة … وإذا قيل رحمن تكون مبالغة في الصفة … وإذا قيل رحيم تكون مبالغة في الصفة … والله سبحانه وتعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة . صفات الله سبحانه وتعالى لا تتأرجح بين القوة والضعف .