Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نحن نعرف أن الآيات ثلاثة أنواع : آيات كونية ، وهي العجائب التي في الكون ويسميها الله سبحانه آيات ، فالآية هي عجيبة من العجائب ، سواء في الذكاء أو الجمال أو الخُلُق ، وقد سَمَّى الحق سبحانه الظواهر الكونية آيات فقال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ … } [ فصلت : 37 ] . وقال سبحانه : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً … } [ الروم : 21 ] . وهذه من الآيات الكونية . وهناك آيات هي الدليل على صدق الرسل عليهم السلام في البلاغ عن الله ، وهي المعجزات لأنها خالفت ناموس الكون المألوف للناس . فكل شيء له طبيعة ، فإذا خرج عن طبيعته فهذا يستدعي الانتباه . مثلما يحكي القرآن عن سيدنا إبراهيم عليه السلام أن أعداءه أخذوه ورموه في النار فنجّاه الحق سبحانه من النار فخرج منها سالماً ، ولم يكن المقصود من ذلك أن ينجو إبراهيم من النار ، فلو كان المقصود أن ينجو إبراهيم عليه السلام من النار لحدثت أمور أخرى ، كألا يمكِّنهم الحق عزَّ وجلّ من أن يمسكوه ، لكنهم أمسكوا به وأشعلوا النار ورموه فيها ، ولو شاء الله تعالى أن يطفئها لفعل ذلك بقليل من المطر ، لكن ذلك لم يحدث فقد تركهم الله في غيّهم ، ولأنه واهب النار للإحراق قال سبحانه وتعالى لها : { يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [ الأنبياء : 69 ] . وهكذا تتجلّى أمامهم خيبتهم . إذن : الآيات تُطلَق على الآيات الكونية ، وتطلق على الآيات المعجزات ، وتطلق أيضا على آيات القرآن ما دامت الآيات القرآنية من الله والمعجزات من الله ، وخلق الكون من الله ، فهل هناك آية تصادم آية ؟ لا لأن الذي خلق الكون وأرسل الرسل بالمعجزات وأنزل القرآن هو إله واحد ، ولو كان الأمر غير ذلك لحدث التصادم بين الآيات ، والحق سبحانه هو القائل : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [ النساء : 82 ] . وقوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ … } [ يونس : 15 ] أي : آيات واضحة . ثم يقول الحق سبحانه : { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } وعرفنا أن الرجاء طلب أمر محبوب ومن الممكن أن يكون واقعاً ، مثلما يرجو إنسان أن يدخل ابنه كلية الطب أو كلية الهندسة . ومقابل الرجاء شيء آخر محبوب ، لكن الإنسان يعلم استحالته ، وهو التمنِّي ، فالمحبوبات إذن قسمان : أمور مُتمنَّاه وهي في الأمور المستحيلة ، لكن الإنسان يعلن أنه يحبها ، والقسم الثاني أمور نحبها ، ومن الممكن أن تقع ، وتسمى رجاء . { ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } هم مَن لا يؤمنون ، لا بإلهٍ ، ولا ببعثٍ فقد قالوا : { مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ } [ الجاثية : 24 ] . وقالوا : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ … } [ المؤمنون : 82 ] . وإذا كان الإنسان لا يؤمن بالبعث فهو لا يؤمن بلقاء الله سبحانه لأن الذي يؤمن بالبعث يؤمن بلقاء الله ، ويُعدّ نفسه لهذا اللقاء بالعبادة والعمل الصالح ، ولكن الكافرين الذين لا يؤمنون بالبعث سيُفاجَأون بالإله الذي أنكروه ، وسوف تكون المفاجأة صعبة عليهم ولذلك قال الحق سبحانه : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً … } [ النور : 39 ] . السراب : هو أن يمشي الإنسان في خلاء الصحراء ، ويخيل إليه أن هناك ماءً أمامه ، وكلّما مشى ظن أن الماء أمامه ، وما إن يصل إلى المكان يجد أن الماء قد تباعد . وهذه العملية لها علاقة بقضية انعكاس الضوء ، فالضوء ينعكس ليصور الماء وهو ليس بماء : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ … } [ النور : 39 ] . إنه يُفاجَأ بوجود الله سبحانه الذي لم يكن في باله ، فهو واحد من الذين لا يرجون لقاء الله ، وهو ممن جاء فيهم القول : { وَقَالُوۤاْ أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } [ السجدة : 10 ] . رغم أن الكون الذي نراه يُحتِّم قضية البعث لأننا نرى أن لكل شيء دورة ، فالوردة الجميلة الممتلئة بالنضارة تذبل بعد أن تفقد مائيَّتها ، ويضيع منها اللون ، ثم تصير تراباً . وأنت حين تشم الوردة فهذا يعني أن ما فيها من عطر إنما يتبخر مع المياه التي تخرج منها بخاراً ، ثم تذبل وتتحلل بعد ذلك . إذن : فللوردة دورة حياة . وأنت إن نظرت إلى أي عنصر من عناصر الحياة مثل المياه سوف تجد أن الكمية الموجودة من الماء ساعة خلق الله السماوات والأرض هي بعينها لم تَزِدْ ولم تنقص . وقد شرحنا ذلك من قبل . وكل شيء تنتفع به له دورة ، والدورة تُسلم لدورة أخرى ، وأنت مستفيد بين هذه الدورات هدماً وبناءً . والذين لا يرجون لقاء الله ، ولا يؤمنون بالبعث ، ولا بثواب أو عقاب ، لا يلتفتون إلى الكون الذي يعيشون فيه لأن النظر في الكون وتأمُّل أحواله يُوجِب عليهم أن يؤمنوا بأنها دورة من الممكن أن تعود . وسبحانه القائل : { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ … } [ الأنبياء : 104 ] . وهؤلاء الذين لا يرجون لقاء الله يأتي القرآن بما جاء على ألسنتهم : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ … } [ يونس : 15 ] . هم هنا يطلبون طلبين : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ } ، { أَوْ بَدِّلْهُ } . أي : يطلبون غير القرآن . ولنلحظ أن المتكلم هو الله سبحانه لذلك فلا تفهم أن القولين متساويان . { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } هما طلبان : الطلب الأول : أنهم يطلبون قرآناً غير الذي نزل . والطلب الثاني : أنهم يريدون تبديل آية مكان آية ، وهم قد طلبوا حذف الآيات التي تهزأ بالأصنام ، وكذلك الآيات التي تتوعدهم بسوء المصير . ويأتي جواب من الله سبحانه على شق واحد مما طلبوه وهو المطلب الثاني ، ويقول سبحانه : { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } ولم يرد الحق سبحانه على قولهم : { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ } . وكان مقياس الجواب أن يقول : " ما يكون لي أن آتي بقرآن غير هذا أو أبدله " لكنه اكتفى بالرد على المطلب الثاني { أَوْ بَدِّلْهُ } لأن الإتيان بقرآن يتطلب تغييراً للكل . ولكن التبديل هو الأمر السهل . وقد نفى الأسهل ليسلِّموا أن طلب الأصعب منفي بطبيعته . وأمر الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم : { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } أي : أن أمر التبديل وارد ، لكنه ليس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . بل بأمر من الله سبحانه وتعالى ، إنما أمر الإتيان بقرآن غير هذا ليس وارداً . إذن : فالتبديل وارد شرط ألا يكون من الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال الحق سبحانه : { وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ … } [ النحل : 101 ] . وهو ما تذكره هذه الآية : { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } و { تِلْقَآءِ } من " لقاء " فتقول : " لقيت فلاناً " ، ويأتي المصدر من جنس الفعل أو حروفه ، ويسمون " التلقاء " هنا : الجهة . والحق سبحانه يقول في آية أخرى : { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ … } [ القصص : 22 ] . و { تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } أي : جهة مدين . و " التلقاء " قد تأتي بمعنى اللقاء لأنك حين تقول : " لقيته " أي : أنا وفلان التقينا في مكان واحد ، وحين نتوجّه إلى مكان معيّن فنحن نُوجَد فيه . ويظن بعض الناس أن كل لفظ يأتي لمعنيين يحمل تناقضاً ، ونقول : لا ، ليس هناك تناقض ، بل انفكاك جهة ، مثلما قال الحق سبحانه : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ البقرة : 144 ] . والشطر معناه : الجهة ومعناه أيضاً : النصف ، فيقال : " أخذ فلان شطر ماله " ، أي : نصفه ، و " اتجهت شطر كذا " ، أي : إلى جهة كذا . وهذه معان غير متناقضة فالإنسان منا ساعة يقف في أي مكان يصبح هذا المكان مركزاً لمرائيه ، وما حوله كله محيطاً ينتهي بالأفق . ويختلف محيط كل إنسان حسب قوة بصره ، ومحيط الرؤية ينتهي حين يُخيَّل لك أن السماء انطبقت على الأرض ، هذا هو الأفق الذي يخصُّك ، فإن كان بصرُك قويّاً فأفقك يتَّسع ، وإن كان البصر ضعيفاً يضيق الأفق . ويقال : " فلان ضَيِّق الأفق " أي : أن رؤيته محدودة ، وكل إنسان منا إذا وقف في مكان يصير مركزاً لما يحيطه من مَرَاء ولذلك يوجد أكثر من مركز ، فالمقابل لك نصف الكون المرئي ، وخلفك نصف الكون المرئي الآخر ، فإذا قيل : إن " الشطر " هو " النصف " ، فالشطر أيضاً هو " الجهة " . وهنا يقول الحق سبحانه : { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ } . أي : أنه صلى الله عليه وسلم لا يأتي بالقرآن من عند نفسه صلى الله عليه وسلم ، بل يُوحَى إليه . ويُنهي الحق سبحانه الآية بقوله : { إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ … } [ يونس : 15 ] . أي : أنه صلى الله عليه وسلم لو جاء بشيء من عنده ، ففي هذا معصية لله تعالى ، ونعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُعرف عنه أنه كان شاعراً ، ولا كان كاتباً ، ولا كان خطيباً . وبعد أن نزل الوحي عليه من الله جاء القرآن في منتهى البلاغة . وقد نزل الوحي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأربعين من عمره ولا توجد عبقرية يتأجَّل ظهورها إلى هذه المرحلة من العمر ، ولا يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أجَّل عبقريته إلى هذه السِّن لأنه لم يكن يضمن أن يمتد به العمر . ويأتي لنا الحق سبحانه بالدليل القاطع على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتَّبِع إلا ما يُوحَى إليه فيقول : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ يونس : 15 ] . ويأتي الأمر بالرَّدِّ من الحق سبحانه على الكافرين : { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ … } .