Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 20-20)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والآية كما عرفنا هي الشيء العجيب ، وإما أن تكون آية كونية ، أو آية إعجاز ، أو آية قرآن تشتمل على الأحكام . ولماذا لم يصدقوا آيات القرآن ، وهي معجزة بالنسبة إليهم ؟ نقول : إن استقبال القرآن فَرْع تصديق للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد حدث اللبس عندهم لأنهم ظنوا أن الآية هي الآيات المحسّة الكونية المشهودة ، وما علموا أن الآيات التي سبق بها الرسل إنما جاءت لتناسب أزمان رسالاتهم ، ولتناسب مواقعهم من المرسل إليهم . فقد كان الرسل السابقون لرسول الله صلى الله عليه وسلم - وعلى جميع الرسل السلام - قد بُعث كل منهم لأمة محدودة زماناً ومكاناً ولذلك كانت الآيات التي اصطحبوها آيات حسية ، وكل آية كانت من جنس ما نبغ فيه القوم المبعوث إليهم . أما رسالة محمد عليه الصلاة والسلام فهي لعامة الزمان وعامة المكان . فلو جعل الله سبحانه له آية حسية لآمن بها مَنْ شاهدها ، ولَصارَتْ خبراً لمن لم يشاهدها . ونحن على سبيل المثال كمسلمين لم نصدِّق أن موسى - عليه السلام - قد ضرب البحر فانشق له البحر إلا لأن القرآن قال ذلك لأن كل أمر حسي يقع مرة واحدة فمن شاهده آمن به ، ومن لم يره إن حُدِّث به له أن يكذِّب ، وله أن يصدِّق ، ولكنّا صدقنا لأن القائل هو الحق سبحانه وقد أبلغنا ذلك في القرآن . وثقتنا فيمن قال هي التي جعلتنا نصدق معجزات الرسل السابقين على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد يتساءل البعض عن السر في عدم إرسال معجزات حسية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنقول : لقد شاء الله سبحانه أن يرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بمعجزة باقية إلى أن تقوم الساعة وهي معجزة القرآن . وتتحدث كتب السيرة أن الماء نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ، فمن صدَّق صدَّق ، وإن قرأت ولم تصدِّق ذلك ، فاعلم أنك لست المقصود بها ، فقد كان المقصود بها هم المعاصرون لها ، وقد جاءت لتربيب الإيمان في القوم المعاصرين لأنهم كانوا في حاجة إلى شَدِّ أزْرِهم الإيماني ، وحدَّثتنا كتب السيرة أيضاً عن حفنة الطعام التي أكل منها عدد كبير من الرجال ، ومن صدَّق الرواية فليصدِّقها ، ومَن لم يصدِّقها ، فهذه الآية لم تأتِ له ، لكنها جاءت للمعاصرين له صلى الله عليه وسلم . وهذا لا يمنع أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم معجزات حسية كباقي إخوانه من الرسل علينا أن نؤمن بها بالثقة فيمن أخبر بها . وهنا يقول الحق سبحانه : { وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } وإن دخلت " لولا " على جملة اسمية ، فالمقصود بها عدم شيء لوجود شيء ، كقول إنسان لآخر : لولا زيد عندك لأتيتك ، وبذلك ينعدم ذهابه إلى فلان لوجود زيد عنده . وهكذا تكون " لولا " حرف امتناع لوجود ، وكذلك كلمة " لوما " إن وجدتها تدخل على جملة اسمية فاعرف أنها امتناع شيء ، لوجود شيء وإن دخلت " لولا " على جملة فعلية فاعلم أنها حثٌّ وتحضيض . وهم هنا قد قالوا : { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ } وكأنهم لا يعترفون بالقرآن ، وطلبوا آية حسية لذلك نجد الحق سبحانه يقول في موقع آخر بالقرآن الكريم : { لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } [ القصص : 48 ] . وهذا تأكيد أنهم طلبوا الآية الحسية لأنهم علموا بالآيات الحسية للرسل السابقين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن قولهم هذا كان تشبثاً بالكفر رغم أنهم شهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أحواله ، وقد حدثت الآيات الحسية ورآها مَنْ آمن به ، وزاد تمسكهم بالإيمان . والذين طلبوا أن يأتي لهم محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزة حسية ، كمعجزة موسى عليه السلام ، نسوا أن موسى عليه السلام قد بُعث إلى قوم محدودين هم بنو إسرائيل . أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد بُعث إلى الناس كافة لذلك كان لا بد أن تكون معجزته متجدّدة العطاءات ، وتحمل المنهج المناسب لكل زمان ومكان . أما المعجزة الحسية فهي تنقضي بانقضاء زمانها ومكانها . أو هم طلبوا الآيات التي اقترحوها مثل قولهم : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ … } [ الإسراء : 90ـ93 ] . إذن : فهم قد طلبوا آيات اقترحوها بأنفسهم ، والآيات لا تكون باقتراح المرسل إليهم ، بل بتفضُّل المُرْسِل . ولقائلٍ أن يقول : ولماذا لم يُرسِل الحق سبحانه لهم آية حسية معجزة كما قالوا ؟ فنقول : إن الحق سبحانه قد قال : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ … } [ الإسراء : 59 ] . وعلى ذلك يكون قولهم بطلب الآيات مدحوضاً لأن الحق سبحانه قد أرسل الآيات من قبل وكذَّب بها الأولون ، أو هم طلبوا آيات اقترحوها ، ويقول الحق سبحانه ما جاء على ألسنتهم : { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } وفي هذا إقرار منهم بأن لمحمد صلى الله عليه وسلم ربّاً ، وهو صلى الله عليه وسلم يُبلِّغ عنه ، فكيف - إذن - يُنكرون أنه رسول ؟ ! ونعلم أنهم قالوا من قبل : " إن رب محمد قد قلاه " حين فتر الوحي عنه صلى الله عليه وسلم ، ولكن الحق سبحانه ردّ عليهم : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } [ الضحى : 3 ] . إذن : هم قد ناقضوا أنفسهم ، ففي الوصل منعوا وأنكروا أن يكون له ربُّ ، وفي الهجر سلّموا بأن له ربّاً ، وهذا تناقض في الشيء الواحد ، وهو لون من التناقض يؤدي إلى اضطراب الحكم ، واضطراب الحكم يدل على يقظة الهوى . ثم يقول الحق سبحانه رداً على طلبهم للآية الحسية : { فَقُلْ إِنَّمَا ٱلْغَيْبُ للَّهِ } وهكذا يُعلِّم الحق سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم جواباً احتياطياً ، فمن الممكن أن يُنزل الحق سبحانه الآية الحسية ، ومن الممكن ألا ينزلها ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحكم على ربه لأن الغيب أمر يخصه سبحانه ، إن شاء جعل ما في الغيب مشهداً ، وإن شاء جعل الغيب غيباً مطلقاً ، وليس عليكم إلا الانتظار ، ويعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه معهم من المنتظرين { فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنتَظِرِينَ } [ يونس : 20 ] . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ … } .