Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 48-48)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله الحق سبحانه : { ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا … } [ يونس : 48 ] . يدل على أن نوحاً عليه السلام قد تلقَّى الأمر بالنزول من السفينة ليباشر مهمته الإيمانية في أرض فيها مقومات الحياة ، مما حمل في تلك السفينة من كلٍّ زوجين اثنين ، ومن معه من المؤمنين الذين أنجاهم الله تعالى ، وأغرق مَنْ قالوا عليهم إنهم أراذل . وقول الحق سبحانه : { أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ … } [ هود : 48 ] . تضمَّن أهل نوح عليه السلام ومَنْ آمن به ، وكذلك أمم الوحوش والطيور والحيوانات والدواب . أي : أنها إشارة إلى الأمة الأساسية ، وهي أمة الإنسان وإلى الأمم الخادمة للإنسان ، وهكذا توفرت مقومات الحياة للمؤمنين ، ويتفرَّغ نوح وقومه إلى المهمة الإيمانية في الأرض . وقول الحق سبحانه : { ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا … } [ هود : 48 ] . والمقصود بالسلام هو الأمن والاطمئنان ، فلم يَعُدْ هناك من الكافرين ما ينغِّص على نوح - عليه السلام - أمره ، ولن يجد من يكدِّر عليه بالقول : { جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا … } [ هود : 32 ] . ولن يجد مَنْ يتهمه بالافتراء . ومَنْ بقي مع نوح هم كلهم من المؤمنين ، وهم قد شهدوا أن نجاتهم من الغرق قد تمت بفضل المنهج الذي بلَّغهم به نوح عن الله تعالى . وقول الحق سبحانه : { وَبَركَاتٍ … } [ هود : 48 ] . يعني أن الحق سبحانه يبارك في القليل ليجعله كثيراً . ويقال : " إن هذا الشيء مبارك " كالطعام الذي يأتي به الإنسان ليكفي اثنين ، ولكنه فوجىء بخمسة من الضيوف ، فيكفي هذا الطعام الجميع . إذن : فالشيء المبارك هو القليل الذي يؤدِّي ما يؤدِّيه الكثير ، مع مظنَّة أنه لا يفي . وكان يجب أن تأتي هنا كلمة { وَبَركَاتٍ } لأن ما يحمله نوح - عليه السلام - من كلٍّ زوجين اثنين إنما يحتاج إلى بركات الحق سبحانه وتعالى ليتكاثر ويكفي . وقول الحق سبحانه : { … وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ هود : 48 ] . هذا القول يناسب الطبيعة الإنسانية ، فقد كان المؤمنون مع نوح - عليه السلام - هم الصفوة ، وبمضيِّ الزمن طرأت الغفلة على بعضٍ منهم ، ويأتي جيل من بعدهم فلا يجد الأسوة أو القدوة ، ثم تحيط بالأجيال التالية مؤثرات تفصلهم تماماً عن المنهج . وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " ينام الرجل النومة فتُقبض الأمانة من قلبه ، فيظل أثرها مثل أثر الوَكْت ، ثم ينام النومة فتُقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها كأثر المَجْل ، كجمر دحرجته على رجلك فنفط ، فتراه مُنتبراً ، وليس فيه شيء ، ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله ، فيصبح الناس يتبايعون ، لا يكاد أحد يؤدِّي الأمانة ، حتى يقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً ، حتى يقال للرجل : ما أجلده ! ما أظرفه ! ما أعقله ! وما في قلبه مثقال حبة من خَرْدلٍ من إيمان " . وهكذا تطرأ الغفلة على أصحاب المنهج ، ويقول صلى الله عليه وسلم : " تُعرض الفِتَن على القلوب كالحصير عوداً عوداً ، فأيّما قلب أشْرِبَها نُكتت فيه نكتة سوداء ، وأيما قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا لا تضرُّه فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مُرْباداً كالكوز مُجَخِّياً لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً إلا ما أشْرِبَ مِنْ هَواه " . وأعوذ بالله تعالى من طروء فتنة الغفلة على القلوب . والحق سبحانه يتحدث في هذه الآية عن الذين بقوا مع نوح عليه السلام وهم صفوة من المؤمنين ، لكن منهم من ستطرأ عليه الغفلة ، وسيمتِّعهم الله سبحانه وتعالى أيضاً بمتاع الدنيا ، ولن يضنَّ عليهم ، ولكن سَيَلحقُهم العذاب . فإذا ما جاء جيل على الغافلين فهو يخضع لمؤثِّرين اثنين : المؤثر الأول : غفلته هو . المؤثر الثاني : أسوة الغافلين من السابقين عليه . ونحن نعلم أن مِنْ ذرية نوح عليه السلام " قوم عادٍ " الذين أرسل الحق سبحانه إليهم هوداً عليه السلام ، وكذلك " قوم ثمود " الذين أرسل إليهم أخاهم صالحاً عليه السلام ، وقوم لوطٍ ، وهؤلاء جميعاً رَانَتِ الغفلة على قلوبهم . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ … } .