Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 102-102)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و " ذلك " إشارة إلى هذه القصة ، والخطاب مُوجَّه إلى محمد صلى الله عليه وسلم أي : أنك يا محمد لم تَكُنْ معهم حين قالوا : { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا … } [ يوسف : 8 ] . فالحق سبحانه أخبرك بأنباء لم تكن حاضراً لأحداثها ، والغيب - كما عَلِمنا من قبل - هو ما غاب عنك ، ولم يَغِبْ عن غيرك ، وهو غيب نسبيّ وهناك الغيب المُطْلق ، وهو الذي يغيب عنك وعن أمثالك من البشر . والغيب كما نعلم له ثلاثة حواجز : الأول : هو حاجز الزمن الماضي الذي لم تشهده أو حاجز الزمن المستقبل الذي لم يَأْتِ بَعْد . والثاني : هو حاجز المكان . والثالث : هو حاجز الحاضر ، بمعنى أن هناك أشياء تحدثُ في مكان أنت لا توجد فيه ، فلا تعرف من أحداثه شيئاً . و { نُوحِيهِ إِلَيْكَ … } [ يوسف : 102 ] . أي نُعلِمك به بطَرْفٍ خَفيّ ، حين اجتمعوا ليتفقوا ، إما أن يقتلوا يوسف ، أو يُلْقوه في غيابة الجب . وكشف لك الحق سبحانه حجاب الماضي في أمر لم يُعلمه لرسول الله ولم يشهد صلى الله عليه وسلم ما دار بين الإخوة مباشرة ، أو سماعاً من مُعلِّم ، ولم يقرأ عنه لأنه صلى الله عليه وسلم أُمِيّ لم يتعلم القراءة أو الكتابة . وسبحانه يقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم : { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ العنكبوت : 48 ] . وهم بشهادتهم يعلمون كل حركة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث إقامة وتِرْحالاً والتقاءً بأيِّ أحد . فلو عَلموا أنه قرأ كتاباً لكانت لهم حُجَّة ، وحتى الأمر الذي غابتْ عنهم فِطْنتهم فيه وقالوا : { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ … } [ النحل : 103 ] . فرد عليهم الحق سبحانه : { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] . وأبطل الحق سبحانه هذه الحجة ، وقد قَصَّ الحق سبحانه على رسوله الكثير من أنباء الغيب ، وسبق أن قلنا الكثير عن : " ما كُنَّات القرآن " ، مثل قوله تعالى : { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ آل عمران : 44 ] . وقوله الحق : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [ القصص : 44 ] . فكأن مصدر علم الرسول بكل ذلك هو من إخبار الله له . وقد استقبل أهل الكهف ما طلبوا أن يعرفوه من قصة يوسف باللدد والجحود - وهم قد طلبوا مطلبهم هذا بتأسيس من اليهود - وهو صلى الله عليه وسلم جاء لهم بقصة يوسف في مكان واحد ، ودفعة واحدة ، وفي سورة واحدة ، لا في لقطات متعددة منثورة كأغلب قصص القرآن . وقد جاء لهم بها كاملة لأنهم لم يطلبوا جزئية منها وإنما سألوه عن القصة بتمامها ، وتوقعوا أن يعزف عن ذلك ، لكنه لم يعزف ، بل جاء لهم بما طلبوه . وكان يجب أن يلتفتوا إلى أن الله هو الذي أرسله ، وهو الذي علَّمه وهو الذي أنبأه ، لكنهم لم يؤمنوا ، وعَزَّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأوضح له سبحانه : لا تبتئس ولا تيأس : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] . ويقول له سبحانه : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] . فأنت يا رسول الله عليك البلاغ فقط ، ويذكر الحق ذلك لِيُسلِّي رسوله صلى الله عليه وسلم حين رأى لدد الكافرين بعد أن جاء لهم بما طلبوه ، ثم جحدوه : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً … } [ النمل : 14 ] . وهم قد جحدوا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم حرصوا على السلطة الزمنية فقط ، وكان من الواجب أن يؤمنوا بما جاءهم به ، لكن العناد هو الذي وقف بينهم وبين حقيقة اليقين وحقيقة الإيمان . وأنت لا تستطيع أن تواجه المُعَاند بحجة أو بمنطق ، فهم يريدون أن يظل الضعفاء عبيداً ، وأن يكونوا مسيطرين على الخَلْق بجبروتهم ، والدين سيُسوِّي بين الناس جميعاً ، وهم يكرهون تلك المسألة . ويأتي الحق سبحانه بعد ذلك بقضية كونية ، فيقول : { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ … } .