Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 16-16)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهنا تتجلى لنا قدرة أداء القرآن أداء دقيقاً معبراً عن الانفعالات التي توجد في النفس الإنسانية ، فها هم إخوة خدعوا أباهم ومكروا بأخيهم ، وأخذوه وألقوْه في الجُبِّ مع أنهم يعلمون أن أباه يحبه ، وكان ضنيناً أن يأتمنهم عليه ، فكيف يواجهون هذا الأب ؟ هذا هو الانفعال النفسي الذي لا تستطيع فطرة أن تثبته فقالوا : نؤخر اللقاء لأبينا إلى العشاء : والعشاء مَحَلُّ الظلمة ، وهو ستر للانفعالات التي توجد على الوجوه من الاضطراب ومن مناقضة كذب ألسنتهم لأنهم لن يخبروا الأب بالواقع الذي حدث بل بحديث مُخْتلق . وقد تخدعهم حركاتهم ، ويفضحهم تلجلجهم ، وتنكشف سيماهم الكاذبة أمام أبيهم فقالوا : الليل أخْفَى للوجه من النهار ، وأستَر للفضائح وحين ندخل على أبينا عِشَاءً فلن تكشفنا انفعالاتنا . وبذلك اختاروا الظرف الزمني الذي يتوارون فيه من أحداثهم : { وَجَآءُوۤ أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } [ يوسف : 16 ] . والبكاء انفعال طبيعي غريزي فطريّ ليس للإنسان فيه مجال اختيار ومَنْ يريد أن يفتعله فهو يتباكى ، بأن يَفْرُك عينيه ، أو يأتي ببعض ريقه ويُقرِّبه من عينيه ، ولا يستر ذلك إلا أن يكون الضوء خافتاً لذلك جاءوا أباهم عشاء يُمثِّلون البكاء . والحق سبحانه حينما تكلم عن الخصائص التي أعطاها لذاته ، ولم يُعْطِها لأحد من خلقه أعلمنا أنه سبحانه هو الذي يميت ويحي ، وهو الذي يُضحك ويُبْكي . والحق سبحانه هو القائل : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } [ النجم : 43 - 44 ] . ولا يوجد فَرْق بين ضحك أو بكاء إنسان إنجليزي وآخر عربي ولا يوجد فرق بين موت أو ميلاد إنسان صيني وآخر عربي أو فرنسي فهذه خصائص مشتركة بين كل البشر . وإذا ما افتعل الإنسان الضحك فهو يتضاحك وإذا ما افتعل الإنسان البكاء فهو يتباكى أي : يفتعل الضحك أو البكاء . والذي يفضح كل ذلك هو النهار . والتاريخ يحمل لنا الكثير من الحكايات عن اتخاذ الليل كستار للمواقف والمثل في سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه حين جاءت موقعة كربلاء ، ورأى العدو وقد أحاط به ورأى الناس وقد انفضوا عنه بعد أن دَعَوْهُ ليبايعوه ، ولم يَبْقَ معه إلا قلة وعَزَّتْ عليه نفسه وعَزَّ عليه أن يقتل هؤلاء في معركة غير متكافئة صمم هو على دخولها . فلما أقبل الليل دعا أصحابه وقال لهم : " إن كنتم قد استحييتم أن تفروا عني نهاراً ، فالليل جاء وقد ستركم ، فمَنْ شاء فليذهب واتركوني " . يقص الحق سبحانه ما بدر منهم فَوْرَ أنْ دخلوا على أبيهم : { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ … } .