Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وساعة تسمع " راود " فافهم أن الأمر فيه منازعة مثل : " فَاعَل " أو " تَفاعل " ومثل : " شارك محمد علياً " أي : أن علياً شارك محمداً ومحمد شارك علياً فكل منهم مفعول مرة ، وفاعل مرة أخرى . والمُرَاودة مطالبةٌ برفق ولين بستر ما تريده مِمَّنْ تريده فإنْ كان الأمر مُسهَّلاً ، فالمُراودة تنتهي إلى شيء ما ، وإنْ تأبَّى الطرف الثاني بعد أن عرفَ المراد فلن تنتهي المراودة إلى الشيء الذي كنت تصبو إليه . وهكذا راودتْ امرأة العزيز يوسف عليه السلام ، أي : طالبته برفق ولين في أسلوب يخدعه لِيُخرِجه عمَّا هو فيه إلى ما تطلبه . ومن قبْل كان يوسف يخدمها ، وكانت تنظر إليه كطفل ، أما بعد أن بلغ أَشُده فقد اختلف الأمر ، ولنفرض أنها طالبته أن يُحضر لها شيئاً وحين يقدمه لها تقول له " لماذا تقف بعيداً ؟ " وتَدعوه ليجلس إلى جوارها ، وهو لن يستطيع الفكاك لأنه في بيتها وهي مُتمكِّنة منه فهي سيدة القصر . وهكذا نجد أن المسألة مجموعة عليه من عدة جهات فهو قد تربَّى في بيتها وهي التي تتلطف وترقُّ معه ، وفَهِم هو مرادها . وهكذا شرح الحق سبحانه المسألة من أولها إلى آخرها بأدب رَاقٍٍ غير مكشوف ، فقال تعالى : { وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ … } [ يوسف : 23 ] . وكلمة : { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ … } [ يوسف : 23 ] . توضح المبالغة في الحدث أو لتكرار الحَدث ، فهي قد أغلقت أكثرَ من باب . ونحن حين نحرك المزلاج لنؤكد غَلْق الباب ، ونحرك المفتاح ، ونديره لتأكيد غَلْق الباب . فهذه عملية أكبر من غَلْق الباب وإذا أضفنا مِزْلاجاً جديداً نكون قد أكثرنا الإغلاق لباب واحد وهكذا يمكن أن نَصِفَ ما فعلنا أننا غلّقنا الباب . وامرأة العزيز قامت بأكثر من إغلاق لأكثر من باب ، فَقُصور العظماء بها أكثر من باب ، وأنت لا تدخل على العظيم من هؤلاء في بيته لتجده في استقبالك بعد أول باب ، بل يجتاز الإنسان أكثر من باب لِيَلقى العظيم الذي جاء ليقابله . ويحمل لنا التاريخ قصة ذلك الرجل الذي رفض أن يبايع معاوية في المدينة ، فأمر معاوية باستدعائه إلى قصر الحكم في دمشق . هذا القصر الذي سبق أن زاره عمر بن الخطاب ووجد فيه أبهة زائدة بررها له معاوية بحيلة الأريب أنها أُبهة ضرورية لإبراز مكانة العرب أمام الدولة الرومانية المجاورة ، فسكتَ عنها عمر . وحين استدعى معاوية الرجل ، دخل بصحبة الحرس من باب ، وظن أنه سوف يلقى معاوية فَوْر الدخول لكن الحرس اصطحبه عبر أكثر من باب فلم ينخلع قلب الرجل ، بل دخل بثبات على معاوية وضَنَّ عليه بمناداته كأمير المؤمنين ، وقال بصوت عال : " السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم " . ففطن معاوية إلى أن الرجل يرفض مبايعته . ونعود إلى الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها فنجد أن امرأة العزيز قد غلَّقتْ الأبواب لأن مَنْ يفعل الأمر القبيح يعلم قُبْح ما يفعل ، ويحاول أن يستر فِعْله ، وهي قد حاولتْ ذلك بعيداً عن مَنْ يعملون أو يعيشون في القصر ، وحدثتْ المراودة وأخذتْ وقتاً ، لكنه فيما يبدو لم يَستجِبْ لها . { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ … } [ يوسف : 23 ] . أي : أنها انتقلتْ من مرحلة المُراودة إلى مرحلة الوضوح في طلب الفعل بأن قالت : تهيأتُ لك وكان ردُّه : { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ … } [ يوسف : 23 ] . والمَعَاذ هو مَنْ تستعيذ به ، وأنت لا تستعيذ إلا إذا خارتْ أسبابك أمام الحدث الذي تمرُّ به عَلَّك تجد مَنْ ينجدك فكأن المسألة قد عَزَّتْ عليه فلم يجد مَعَاذاً إلا الله . ولا أحد قادر على أن يتصرف هكذا إلا مَنْ حرسه الله بما أعطاه له من الحكمة والعلم وجعله قادراً على التمييز بين الحلال والحرام . ولبيان خطورة وقوة الاستعاذة نذكر ما ترويه كتب السيرة من " أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد على ابنة ملكٍ كانت شديدة الجاذبية ، وشعرت بعض من نساء النبي بالغيرة منها ، وقالت واحدة منهن لعلها عائشة رضي الله عنها : إن تزوجها ودخل بها قد يفضلها عنَّا . وقالت للعروس : إن النبي يحب كلمة ما ، ويحب مَنْ يقولها . فسألت الفتاة عن الكلمة ، فقالت لها عائشة : إن اقترب منك قولي " أعوذ بالله منكِ " . فغادرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " قد عُذْتِ بمعاذ " وسرَّحها السراح الجميل " . وهناك في قضية السيدة مريم عليها السلام ، نجدها قد قالت لحظة أن تمثَّل لها الملاك بشراً سوياً : { إِنِّيۤ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } [ مريم : 18 ] . فهي استعاذت بمَنْ يقدر على إنقاذها . وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها : { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } [ يوسف : 23 ] . وأعطانا هذا القول معنيين اثنين : الأول : أنه لم يوافق على طلبها بعد أن أوضحتْ ما تريد . والمعنى الثاني : أنه طلب المعونة من الله ، وهو سبحانه مَنْ أنجاه من كيد إخوته ونجَّاه من الجُبِّ وهيَّأ له أفضل مكان في مصر ، ليحيا فيه ومنحه العلم والحكمة مع بلوغه لأشُدَّه . وبعد كل هذا أيستقبل كل هذا الكرم بالمعصية ؟ طبعاً لا . أو : أنه قال : { أَحْسَنَ مَثْوَايَ … } [ يوسف : 23 ] . ليُذكِّر امرأة العزيز بأن لها زوجاً ، وأن هذا الزوج قد أحسن ليوسف حين قال لها : { أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً … } [ يوسف : 21 ] . فالصعوبة لا تأتي فقط من أنها تدعوه لنفسها بل الصعوبة تزداد سوء لأن لها زوجاً فليست خالية ، وهذا الزوج قد طلب منها أن تُكرِم يوسف ، وتختار له مكانَ إقامةٍ يليق بابن ، ولا يمكن أن يُستَقبل ذلك بالجحود والخيانة . وهكذا يصبح قول يوسف : { إِنَّهُ رَبِّيۤ … } [ يوسف : 23 ] . قد يعود على الله سبحانه وقد يعود على عزيز مصر . وتلك مَيْزة أسلوب القرآن فهو يأتي بعبارة تتسع لكل مناطات الفهم ، فما دام الله هو الذي يُجازي على الإحسان ، وهو مَنْ قال في نفس الموقف : { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [ يوسف : 22 ] . فمعنى ذلك أن مَنْ يسيء يأتي الله بالضد فلا يُفلح لأن القضيتين متقابلتان : { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } [ يوسف : 22 ] . و { لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } [ يوسف : 23 ] . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ … } .