Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 32-32)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكأنها وجدت الفرصة لتثبت لنفسها العذر في مراودتها له ، فيوسف باعترافهن قد بلغ من الجمال ما لا يوجد مثله في البشر . وقولها : { فَذٰلِكُنَّ … } [ يوسف : 32 ] . مُكوَّن من " ذا " إشارة ليوسف ، و " ذلِكُنَّ " خطاب للنسوة ، والإشارة تختلف عن الخطاب . وهنا موقف أسلوبي لأن الكلام حين يُنطق به ، أو حين يُكتب لِيُقْرأ له ألوان متعددة ، فمرة يكون نثراً لا يجمعه وزن أو قافية وقد يكون نثراً مسجوعاً أو مُرْسَلاً ، ومرة يكون الكلام شعراً محكوماً بوزن وقافية . والمثل على النثر المسجوع هو قول الحق سبحانه : { وَٱلطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ * وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } [ الطور : 1 - 4 ] . وهذا نثر مسجوع بلا تكلُّف ، وأنت إذا سمعت أو قرأت كلاماً فأذنك تأخذ منه على قدر سُمُوِّ أسلوبه ، لكنك إن انتقلت من أسلوب إلى أسلوب ، فأذنك تلتقط الفارق بين الأسلوبين . والمثل نجده في الرسالة التي كتبها ابن زيدون مُسْتعطفاً ابن جهور : " هذا العَتْب محمودٌ عواقبه ، وهذه الغَمْرة نَبْوة ثم تنجلي ، ولن يريبني من سيدي إنْ أبطأ سببه أو تأخر ، غير ضنين ضناه ، فأبطأُ الدِّلاء قَبْضاً أملؤها ، وأثقلُ السحابِ مشياً أعقلها ، ومع اليوم غد . ولكل أجل كتاب ، له الحمد على اهتباله ، ولا عَتْب عليه في اغتفاله . @ فإنْ يَكُن الفعلُ الذي سَاء واحداً فَأفْعالُه اللاتي سَرَرْنَ أُلوفُ @@ وهكذا تشعر انتقال ابن زيدون من النثر إلى الشعر ، ولكنك وأنت تقرأ القرآن ، تنتقل من النثر المُرْسل إلى النثر المسجوع إلى النظم الشعري على وزن بحور الشعر ، فلا تكاد تفرق في الأسلوب بين شعر أو نثر . والمثل نجده في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها : { فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ … } [ يوسف : 32 ] . فهي موزونه من بحر البسيط ، ولكنك لا تشعر أنك انتقلت من نثر إلى شعر . وكذلك قوله الحق : { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ النور : 46 ] . وأيضاً قوله الحق : { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [ الحجر : 49 ] . وتأتي تلك الآيات في مواقع قد يكون ما قبلها نثراً ، مما يدلُّ على أن النغم الذي قاله الله نَظْماً أو شعراً أو نثراً لا نشاز فيه ، ويكاد أن يكون سَيْلاً واحداً . وهذا لا يتأتَّى إلا من كلام الحق تبارك وتعالى ، وأنت لن تشعر بهذا الأمر لو لم يُنبِّهْك أحد لِمَا في بعض الآيات من وزن شعري . أما كلام البشر فأنت إنْ قرأتَ الموزون ثم انتقلت إلى المنثور أحسَّتْ أُذنك بهذا الانتقال ونفس المسألة تشعر بها حين تقرأ المنثور ، ثم تنتقل إلى الموزون وستشعر أذنك بهذا الانتقال . { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ … } [ يوسف : 32 ] . قالت ذلك بجراءة مَنْ رأت تأثير رؤيتهن ليوسف ، وأعلنت أنه " استعصم " ، وهذا يعني أنه قد تكلَّف المشقة في حجز نفسه عن الفعل ، وهو قول يثبت أن رجولة يوسف غير ناقصة ، فقد جاهد نفسه لِيكبتَها عن الفعل . ويتابع الحق سبحانه ما جاء على لسان امرأة العزيز : { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } [ يوسف : 32 ] . قالت ذلك وكأنها هي التي تُصدِر الأحكام ، والسامعات لها هُنَّ من أكبرْنَ يوسف لحظة رؤيته تعلن لهُنَّ أنه إن لم يُطِعْها فيما تريد فلسوف تسجنه وتُصغِّر من شأنه لإذلاله وإهانته . أما النِّسْوة اللاتي سَمِعْنَها فقد طمعتْ كل منهن أن تطرد امرأة العزيز يوسف من القصر حتى تنفرد أي منهن به . ولذلك يُورِد لنا الحق سبحانه قول يوسف عليه السلام : { قَالَ رَبِّ … } .